توقعت الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (أيرينا) في أحدث تقاريرها الشهر الماضي استمرار انخفاض كلفة الطاقة من مصادر متجددة نظيفة نتيجة التطورات التكنولوجية المتسارعة في مجال إنتاج الكهرباء من الشمس والرياح وغيرها. ويعود ذلك إلى الاستثمار المكثّف في البحث والتطوير في دول رائدة في هذا القطاع، مثل الصين وبعض دول الخليج العربية.
ومنذ اتّفاق باريس عام 2016 للحدّ من الانبعاثات الكربونية المسؤولة عن التغير المناخي للأرض، ينمو جانب جديد من الاقتصاد العالمي، يوصف إعلاميا بأنه "الاقتصاد الأخضر"، يتضمن كافة مشروعات إنتاج الطاقة من مصادر قليلة أو منعدمة الانبعاثات الكربونية والتنمية المستدامة في قطاعات الصناعة والنقل والإسكان واستغلال الأراضي وغيرها التي تعتمد استراتيجيات تتسق مع أهداف اتّفاق باريس.
وفي وقت سابق من هذا العام، توقعت مؤسسة "ستاندرد أند بورز" أن يكون قطاع الاقتصاد الأخضر الأكثر توسعا ونموا من بين قطاعات الاقتصاد العالمي في السنوات القليلة المقبلة. وبالقياس بمعدلات نمو تمويل مشروعات القطاع، من محطات توليد الطاقة الشمسية إلى توربينات الرياح ومشروعات الاستدامة النظيفة في قطاعات النقل والإسكان، في العامين الأخيرين، يتوقع أن يحتاج العالم إلى مئات مليارات الدولارات في أشكال تمويل مختلفة (قروض، سندات، تسهيلات ائتمانية... إلخ) لتلبية التوسع في الاقتصاد الأخضر.
وأمام دول الخليج، بخاصة السعودية والإمارات، فرصة كبيرة للاستفادة من هذا النمو لتقود هذا الجانب من التمويل الدولي للاقتصاد الأخضر.
سعة فائضة
بينما تتجه أغلب قطاعات الاقتصاد العالمي نحو التشبع وتضاؤل فرص التوسع، يتمتع الاقتصاد الأخضر بفائض سعة تمكنه من النمو الكبير حتى منتصف القرن، حسب تقديرات أغلب المؤسسات الدولية. ومن بين العوامل والمؤشرات على ذلك انخفاض التكلفة الإنتاجية في السنوات الثلاث الماضية أكثر من مرة. ففي الفترة من 2016 إلى العام الحالي انخفضت كلفة إنتاج الكهرباء (كيلووات/ساعة) من الرياح بواسطة التوربينات ومن الشمس عبر ألواح الخلايا الضوئية بنسب كبيرة.
وفي أحدث تقارير حساب كلفة الطاقة النظيفة من (أيرينا) "انخفضت تكاليف الوسائل التكنولوجية للطاقة المتجددة إلى مستوى قياسي في العام الماضي. وانخفض متوسط التكلفة العالمية المرجحة للكهرباء المولدة من تركيز الطاقة الشمسية بنسبة 26%، ومن الطاقة الحيوية بنسبة 14%، ومن الطاقة الشمسية الكهروضوئية والرياح البرية بنسبة 13%، ومن الطاقة الكهرومائية بنسبة 12%، ومن الطاقة الحرارية الأرضية والرياح البحرية بنسبة 1%، على التوالي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويشير خبراء اقتصاديون إلى "أن انخفاض التكلفة يشجع نمو هذا القطاع، فيما تخطط دول عديدة في المنطقة والعالم للالتزام تعهداتها ضمن اتفاق باريس لزيادة نصيب إنتاج الطاقة من مصادر متجددة ضمن إنتاجها واستهلاكها العام من الطاقة في السنوات المقبلة".
وأشاروا إلى أنه "على سبيل المثال، تعمل الإمارات على زيادة نصيب الطاقة المتجددة من سوق الطاقة المحلية من 25% حاليا إلى 50% بحلول عام 2050. وفي السعودية، تتضمن رؤية 2030 أن يصبح نحو ثلث الطاقة (30%) من مصادر متجددة. كما تعمل الكويت وسلطنة عمان على زيادة إنتاج الطاقة من مصادر متجددة بنسب تزيد على 10%".
احتياجات التمويل
حسب أحدث تقديرات وكالة الطاقة الدولية، "يُتوقع زيادة الطلب العالمي على الكهرباء بنسبة 30% في العقدين المقبلين. ولتلبية تلك الزيادة في الطلب يحتاج العالم إلى استثمارات تزيد على 10 تريليونات دولار، في الأغلب سيكون نصيب الاستثمار في توليد الكهرباء من مصادر متجددة منها ما يقارب الثلاثة أرباع، أي أكثر من 7 تريليونات دولار".
ودفع النمو المتسارع في تمويل مشروعات الاقتصاد الأخضر مؤسسات رئيسة في العالم، منها "ستاندرد أند بورز"، إلى استخدام مؤشرات جديدة لمتابعة (السندات الخضراء) وإصدار تصنيفات ائتمانية دورية لها. وفي وقت سابق من العام الحالي قدرت "أيرينا" نمو الاقتصاد الأخضر في العالم بنسبة 179% في العامين المقبلين، حتى 2020.
تعتبر الصين والهند الأكثر توسعا في مشروعات الاقتصاد الأخضر، وربما يعود ذلك إلى أنهما حتى سنوات قليلة مضت كانتا في مقدمة الدول المسببة للتلوث البيئي، وبالتالي التغير المناخي في العالم. لكن مشروعات الطاقة النظيفة تنمو بسرعة في أميركا اللاتينية وأوروبا وآسيا وأفريقيا.
وإذا أخذنا مثال الإمارات، فكي تحقق المستهدف من الطاقة النظيفة تحتاج إلى استثمار 160 مليار دولار على مدى العقود الثلاثة المقبلة (أي ما يقارب 5 مليارات سنويا). وإذا أضفنا الحاجات التمويلية في السعودية والكويت وعمان يكاد يتضاعف المبلغ.
الصكوك الخضراء
رغم حداثة سوق السندات الخضراء إلا أنه يشهد نموا متسارعا في العامين الأخيرين لتلبية احتياجات الاستثمار في مشروعات الطاقة النظيفة ومشروعات الاقتصاد الأخضر الأخرى في القطاعات المختلفة. وفي العام الماضي حقق نموا بنسبة 3% ليصل حجم السوق إلى أكثر من 167 مليار دولار، مقابل 155 مليار دولار في 2017.
تمثل الصكوك (السندات حسب الشريعة الإسلامية) أهم أدوات سوق التمويل الإسلامي في العالم وتشكل القدر الأكبر من أصوله. وتزيد أصول سوق التمويل الإسلامي العالمي على تريليوني دولار الآن، لا تزيد "الصكوك الخضراء" منها على ملياري دولار، أغلبها في إندونيسيا وماليزيا.
وإذا كانت الصكوك لا تمثل الآن سوى نسبة ضئيلة من سوق السندات الخضراء العالمية ونسبة أقل بكثير من سوق التمويل الإسلامي فإن ذلك يوفّر فرصة هائلة لنمو هذا القطاع، الذي يمكن أن تكون الريادة فيه لدول الخليج.
وكما يشير الخبراء، فإن دبي وأبو ظبي والرياض وجدة في سعيها لتطوير قطاع الخدمات المالية فيها يمكنها الاستفادة من تلك الفرص في تمويل الاقتصاد الأخضر، ليس في المنطقة فحسب، بل في العالم، عبر مشتقات جديدة، في مقدمها الصكوك الخضراء.
ومن شأن ذلك أن يعزز مكانة تلك المراكز المالية الصاعدة في الخليج ضمن أسواق التمويل الدولية عموما، وسوق التمويل الإسلامي خصوصا.