"بعد عزلها عن رأس المال الأميركي، هل ستتمكن الشركات الصينية من الاستمرار في الازدهار في ظل التقشف الذي يمليه الرئيس الصيني شي جينبينغ؟". تحت هذا العنوان، وصفت إيزابيل فنغ، الباحثة في مركز بيرلمان لفلسفة القانون التابع لجامعة بروكسل الحرة، في مقال في صحيفة "لوموند" الفرنسية، العواقب الاقتصادية والمالية للمواجهة بين هيئة الأوراق المالية والبورصات، أي الهيئة التنظيمية لـ"وول ستريت"، وبين السلطات الصينية، والتي من المتوقع أن تؤدي إلى شطب وشيك لشركة "علي بابا" من البورصة الأميركية.
وكتبت الخبيرة القانونية تقول: "في 29 يوليو (تموز)، بعد 48 ساعة من نشر علي بابا تقريرها السنوي لعام 2021، انخفضت أسهمها بأكثر من 11 في المئة في يوم واحد في بورصة نيويورك ولسبب وجيه: لقد أضافتها لجنة الأوراق المالية والبورصات، "شرطي" وول ستريت، إلى قائمة الإدراجات الصينية التي لم تلتزم تماماً بالقانون الفيدرالي الخاص بمسؤولية الشركات الأجنبية، المعروف باسم قانون مساءلة الشركات الأجنبية. وإذا أعطت الخطوة اسماً واحداً فقط في قائمة طويلة تضم الآن 109 شركات مرشحة للإقصاء [من التداول في وول ستريت] لعدم الامتثال لمعايير التدقيق الأميركية، سيمثل سقوط الشركة التي أسسها جاك ما نهاية عصر".
ولفتت إلى أن الشركة، التي احتُفِل باكتتابها العام الأولي بوصفه الأكبر في التاريخ إذ جمع 25 مليار دولار في سبتمبر (أيلول) 2014، لا تحمل أي أوهام حول بقائها في "وول ستريت" وتنظر في أسوأ سيناريو، فهي في 27 يوليو، أثناء تقديم تقريرها السنوي إلى هيئة الأوراق المالية والبورصات، تقدمت بطلب إلى بورصة هونغ كونغ لاكتتاب عام أولي ثان. "وكل شيء يشير إلى أن المجموعة تستعد لانسحابها بخسارة وأن العد التنازلي لإلغاء إدراجها جار على قدم وساق. ومن دون بادرة من بكين، ستُفرَغ [ستخلو] البورصة الأميركية من الإدراجات الصينية بحلول نهاية عام 2024".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضافت فنغ في مقالها في "لوموند": "لقياس "الاقتران" [التواشج] المالي المثالي على جانبي المحيط الهادئ، ما عليكم سوى تصفح قائمة حاملي الأوراق المالية في "علي بابا"، والتي تتضمن أسماء أكبر المصارف، مثل "غولدمان ساكس" و"أتش أس بي سي"، لكن أيضاً برنامج تقاعد الموظفين العموميين في كاليفورنيا ("كالبرز")، وأكبر صندوق للتقاعد في القطاع العام الأميركي، وبرنامج معاشات المعلمين التقاعدية في أونتاريو، وهو ثاني أكبر صندوق مؤسسي في كندا يدير تقاعد المعلمين في أونتاريو، على سبيل المثال لا الحصر. وكان من الممكن أن يستمر شهر العسل غير المتوقع والمفاجئ [المستهجن] لو لم تعتبر الصين أن وثائق التدقيق الخاصة بشركاتها العاملة على أرض أجنبية تخص الأمن القومي وأن فحص هذه الوثائق من قبل الهيئة التنظيمية الأميركية يشكل انتهاكاً للسيادة الوطنية".
ووفق الخبيرة القانونية، في حين سمح بعض الإدراجات الصينية للمستثمرين بالحصول على أرباح مريحة، غذى البعض الآخر التغطيات الإخبارية لسوق الأسهم بسلسلة من فضائح الاحتيال المحاسبي أذهلت المساهمين وكشفت عن عجز هيئة الأوراق المالية والبورصات عن إنفاذ التزامات الشفافية والتدقيق المنصوص عليها في قانون ساربينز أوكسلي منذ عام 2002. "وبعد عدة سنوات من المفاوضات غير المثمرة مع بكين، لم يعد الوقت مناسباً للبحث عن حل وسط افتراضي، بل لوضع سلاح قانوني فاعل ومصمم خصيصاً لهذه الشركات التي يعد ولاؤها للحزب الشيوعي الصيني شرطاً لا غنى عنه للنجاح في مجال الأعمال. وهكذا وُلِد قانون مساءلة الشركات الأجنبية، الذي أُقر في عهد ترامب في ديسمبر (كانون الأول) 2020 ودخل حيز التنفيذ في عهد بايدن في ديسمبر 2021. ومن خلال فرض قواعد أكثر صرامة من قانون ساربينز أوكسلي، يمنح قانون مساءلة الشركات الأجنبية الشركات التي عبرت سور الصين العظيم خيارين: اتباع قواعدنا أو العودة إلى الوطن".
ومع ذلك، وفق "لوموند"، لا ينظر أحد إلى احتمال مغادرة "وول ستريت" بعين الرضى سواء في أوساط الأطراف المعنية أو الحزب الحاكم الذي يواصل دعم الإدراج في الخارج، كما أعاد رئيس الوزراء لي كي كيانغ التوكيد قبل شهرين. وذكّرت بأن عند طرد "غوغل" من الصين عام 2010 لمقاومتها الرقابة المحلية، لم يحل دون ازدهار شركة وادي السيليكون الناشئة والتحول إلى عملاق عالمي، حتى من دون السوق الصينية. "لكن في معزل عن رأس المال الأميركي، هل ستتمكن الشركات الصينية من الاستمرار في الازدهار في ظل التقشف الذي يمليه الرئيس شي جين بينغ؟ الأمر مستبعد إلى حد كبير".
وكتبت فنغ تقول: "إذا كان من السابق لأوانه توقع نتائج هذا الاشتباك، مثل الحرب في أوكرانيا أو تجدد التوتر في تايوان، لا يمكن إنكار أن واشنطن تحقق انتصاراً في سوق الأسهم، مهما كان خفياً، لأن الإدراج الصيني في البورصة الأميركية، إذا بدا كبيراً للوهلة الأولى – 1.3 تريليون دولار – تساوي قيمته بالكاد ثلاثة في المئة من سوق الأسهم الأميركية التي تتجاوز قيمتها 40 تريليون دولار. ومن ناحية أخرى، يبلغ مجموع رسملة أربع أسواق للأسهم في الصين - بكين وشنغهاي وشنتشن وهونغ كونغ – 17 تريليون دولار فقط، من دون الإبلاغ عن أن الأسواق الثلاثة الأولى تُشتهَر قبل كل شيء بأدائها المتواضع. أما بالنسبة إلى بورصة هونغ كونغ، حيث تستمر سيادة القانون في الانكماش في ظل السيطرة المتزايدة لورثة ماو، سنرى في المستقبل ما إذا كانت البورصة قادرة على الازدهار من دون ضمان اليقين القانوني [الاستقرار والاحتكام إلى القوانين] أو حريات المواطنين".