هل تريد أن تتظاهر معبراً عن رفضك أو امتعاضك أو مطالباً بتغيير ما حول قضية من القضايا العالمية والإنسانية والبيئية والاجتماعية والاقتصادية الكثيرة؟ فعليك أن تقدم نفسك بإبداع يلفت نظر الجمهور الذي تريده أن يتضامن مع قضيتك. في زمن الـ"يوتيوب" والفيديوهات التي لا تعد ولا تحصى على شبكات التواصل الاجتماعي ومحاولة كل روادها لفت نظر أكبر عدد من المتابعين في زمن قصير، بات التنافس بين الأفكار كبيراً، لاسيما حول الطريقة الإبداعية التي تُقدَم بها قضية معينة أو رأي معين.
لفت الانتباه كسلاح أول
يقول نيس رويكرت في بحث حول طرق التعبير المميزة خلال الاحتجاجات، نشره في عام 2017 على صفحته الخاصة، "إنه أمر جيد أن تجمع مجموعة كبيرة من الناس الغاضبين في مكان واحد، ولكنه أمر أساسي أن تجمع مجموعة كبيرة من الأشخاص الغاضبين بطريقة إبداعية". فالاحتجاجات يجب أن تسترعي انتباه وسائل الإعلام وتلقى التغطية المطلوبة، وهذا ما عرف متطوعو منظمة "غرينبيس" البيئية كيفية تنفيذه خلال الثمانينيات في احتجاجات بدت غريبة ولافتة بشدة للنظر، كربط المتطوعين أنفسهم بالأشجار لمنع قطعها، أو مطاردة سفن صيد الحيتان على مرأى من وسائل الإعلام. ومثلها الاحتجاجات التي يشارك فيها العراة من الجنسين للفت انتباه وسائل الإعلام والمارة أيضاً إلى القضايا المطروحة، وأغلبها حول مسألة الإجهاض وحقوق المرأة أو قتل الحيوانات من أجل جلودها، أو التلوث البيئي. ومنذ ذلك الحين تطورت أشكال الاحتجاجات، وانتقلت أيضاً إلى شبكة الإنترنت التي أسهمت بنشرها بشكل كبير، سواء الاحتجاجات التي تجري على الأرض أو تلك التي تجري على شبكة الإنترنت وتتسع وتكبر عبر مواقعها وتطبيقاتها، فيراها ويتابعها أحياناً ملايين المشاهدين، وهو عدد أكبر من الذي قد يشاهده مشاهدو القنوات التلفزيونية.
طرق تعبير طريفة
الطرافة في تقديم القضية هي الوسيلة المرغوبة حالياً. لطالما كانت الطرفة الذكية المكتوبة على لافتة أو على جدار لافتة للنظر ومؤثرة تأثيراً كبيراً في المشاهدين، مثلما حدث عندما نظم متظاهرون حفلة رقص مرتجلة على وقع أغاني ريهانا وصورها، وراحت تتسع هذه التظاهرة العفوية لتجذب وسائل الإعلام من خارج منزل نائب الرئيس السابق مايك بنس، أو من خلال حركة "احتلوا وول ستريت" التي يعتمد اسمها نفسه على جذب المستمع مباشرة بسبب درجة العنف الذي تكتنفه، وقد تمكنت الحركة، على الرغم من قلة عديد أفرادها بعد الأزمة المالية العالمية في عام 2008، من أن تحشد رأياً عاماً عالمياً حولها، وأن تلقى الاهتمام في مختلف بلدان العالم، وقد قلدتها مجموعة السترات الصفراء في فرنسا، ولو بصيغة أكثر عنفاً، وكانت الشعارات الذكية سبباً أساسياً في الاهتمام بالحركتين، كما اللافتة التي رفعتها عائلة مهاجرة وكتبت فيها "نحن مهاجرون وقد أتينا لنسرق منكم العمل على الرغم من أنكم بلا عمل".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في العالم العربي
الأمر نفسه ينطبق على تحركات العقد الثاني من القرن العشرين في العالم العربي التي بدأت بتونس في عام 2011، فعدا عن العدد الكبير للمتظاهرين في هذه التحركات والذي يمكنه شد الانتباه مباشرة، إلا أنه في داخل الحشود والميادين العامة، انطلقت أنواع من الفنون التعبيرية والموسيقية والغرافيتي، وكتبت شعارات لا تخلو من الطرافة في معظم التحركات السلمية في العالم العربي، عدا الشعار الذي تكرر في جميع العواصم، وهو "الشعب يريد تغيير النظام". بعد ذلك في عام 2017، شهدت مسيرات حقوق المرأة التي تطالب بوقف العنف، أكثر من أربعة ملايين متظاهر ومتظاهرة حول العالم ينطلقون إلى الشوارع في يوم واحد، لتثير موجة من المتابعة حول العالم. وكانت النسوة قد اخترن ألواناً موحدة في كل مدينة، وصورن ألعاب تشبه النساء وقد قيدت أو سالت منها الدماء. وتعي منظمات مثل هذه التظاهرات على مستوى العالم، أن بعض المشاهد ولو العنيفة التي قد تعلق في أعين المشاهدين، يمكنها أن تدعم قضيتهن.
في المكسيك قام المتظاهرون بتنفيذ فكرة غريبة باستخدام المقلاع، وقاموا بإلقاء 1000 حفاضة أطفال قذرة في مكاتب حزب الرئيس إنريكي بينيا نييتو، وكان هدف الاحتجاج، محاكمة الحزب الحاكم ورئيسه بتهم الفساد والإفلات من العقاب.
في لبنان وخلال تحركات 17 أكتوبر (تشرين الأول) 2019، لجأ المتظاهرون إلى إصدار الضجيج بواسطة القدور والطناجر والمقالي في ساعة معينة من الليل دفعة واحدة، وقد نجحت الفكرة مرات عدة، وتحول قرع الطناجر إلى وسيلة تواصل بين المعترضين والثائرين خلال فترة كورونا التي منعوا خلالها من التظاهر في الساحات العامة. الأمر نفسه تكرر في الثورة الإيرانية الخضراء الأولى في عام 2009، ثم الثورة التالية ضد الجوع في عامي 2015 و2018، حين كان يخرج الثوار إلى الشرفات ويصرخون بشعارات معينة تنتقل بين المباني بالتواتر خالقة ضجيجاً كبيراً في الأحياء. وتقليد الطناجر مستعار من أميركا الجنوبية، وما زال مستخدماً فيها منذ أوائل السبعينيات في تشيلي. فالطناجر الفارغة أفضل شعارات الجوع لتعبئة الجماهيرية.
وفي نوفمبر (تشرين الثاني) 2012، اجتمع آلاف المزارعين الغاضبين حول البرلمان الأوروبي في بروكسل للاحتجاج على سياسة الاتحاد الأوروبي التي أجبرت المزارعين المحليين على الخروج من أسواق الألبان. وفتح الفلاحون على الشرطة مدافع الحليب من خزانات سياراتهم. وبدا المشهد وكأنه في فيلم كوميدي، حيث ملأ الحليب الأبيض الشارع والمبنى.
في فرنسا وبعد أن حظرت الحكومة التظاهرات بشكل مؤقت بعد الهجمات الإرهابية التي وقعت في العاصمة باريس قبل أعوام، اتبع المتظاهرون البيئيون طريقة ذكية للتعبير عن اعتراضهم على الرغم من القرار، فتركوا ببساطة أحذيتهم الفارغة في "ساحة الجمهورية" Place de la République في باريس كعلامة لما كان يمكن أن يكون الاحتجاج. حتى إن البابا فرنسيس أرسل زوجاً من الأحذية بالبريد دعماً للتحرك. وبما أننا في إطار الاعتراض بواسطة الأحذية فلا بد من الإشارة إلى الصحافي العراقي منتظر الزيدي الذي ألقى بحذائه على الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش بشكل مفاجئ في مؤتمر صحافي في عام 2009. ولقي هذا العمل الذي كان ينقل مباشرة عبر القنوات العالمية تأييداً ومعارضة كبيرين، وفتح النقاش حول حرية التعبير وحدودها من جهة، وألقى الضوء على المعترضين على نتائج الحرب الأميركية على العراق من جهة أخرى.
أما في تركيا، وعلى الرغم من اتساع المجتمعات المحافظة دينياً منذ وصول رئيس حزب العدالة والتنمية رجب طيب أردوغان إلى السلطة، فقام بعض الرجال الأتراك في عام 2015 بارتداء التنانير حين تم اغتصاب طالبة جامعية تبلغ من العمر 20 عاماً وقتلها.