هوى سعر صرف العملة الأوروبية الموحدة، اليورو، أمام العملة الأميركية إلى ما دون الدولار ليصل سعرها إلى أدنى مستوى منذ مطلع القرن، كذلك واصلت العملة البريطانية، الجنيه الإسترليني، انخفاض قيمتها مقابل الدولار لتقترب أكثر من مستوى دولار للجنيه.
وبينما وصل سعر صرف الاسترليني إلى 1.17 دولار للجنيه مطلع هذا الأسبوع، هبط سعر صرف اليورو إلى 0.9928 دولار لليورو، وهو أقل من أدنى مستوى وصلت إليه قيمة اليورو منذ عشرين عاماً عندما هبط إلى 0.9952 دولار في شهر يوليو (تموز) الماضي.
يرجع ذلك في جانب إلى الارتفاع المتواصل بسعر صرف الدولار إذ سجل مؤشر "بلومبيرغ" للدولار في السوق الفورية زيادة بنسبة 0.7 في المئة مطلع الأسبوع، ليصل سعر العملة الخضراء إلى أعلى مستوى له منذ 15 يوليو الماضي. فعلى الرغم من بعض المؤشرات إلى تراجع معدلات التضخم في الاقتصاد الأميركي، إلا أن الأسواق تتحسب لاحتمال مواصلة الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي) الأميركي سياسة التشديد النقدي ورفع سعر الفائدة ربما إلى نحو 3 في المئة بنهاية هذا العام.
وأدى ارتفاع قيمة الدولار إلى تراجع العملات الرئيسة الأخرى، كما حدث مع الين الياباني مثلاً، لكن هبوط سعر صرف اليورو وكذلك الاسترليني عائد أيضاً إلى عوامل تتعلق بالاقتصادين الأوروبي والبريطاني.
استمرار التضخم واحتمالات الركود
بحسب تقرير لوكالة "بلومبيرغ" استندت فيه إلى آراء خبراء استراتيجيين في أسواق العملة، فإن التراجع بسعر صرف اليورو مرشح للاستمرار إذ يتوقع مصرف "مورغان ستانلي" الاستثماري أن يهبط سعر صرف اليورو إلى نحو 0.97 دولار خلال الربع الحالي (الثالث)، وهو مستوى غير مسبوق منذ أوائل القرن الحالي. كما تستهدف شركة "نومورا إنترناشيونال" الاستثمارية سعر اليورو عند 50.97 دولار مع نهاية سبتمبر (أيلول) المقبل، وقدر التقرير أن السوق ربما تبحث عن مستوى سعر 0.95 دولار أو أقل مقابل اليورو.
ويتوقع المحللون في السوق أن معدلات التضخم في الاتحاد الأوروبي ستواصل الارتفاع، بخاصة مع استمرار زيادة أسعار الغاز الطبيعي التي قفزت بنحو ستة أضعاف خلال عام حتى الآن، وربما تزيد إلى عشرة أضعاف، مما يعني معدلات تضخم صاروخية، كما أن نقص إمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا سيعني شراء الدول الأوروبية مزيداً من الغاز الطبيعي المسال بأسعار أعلى، بالتالي تصعد مدفوعاتها من اليورو.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعلى الرغم من أن البنك المركزي الأوروبي الذي يضع السياسة النقدية لدول الاتحاد، عدل توقعاته لمعدلات التضخم بالرفع، مما يعني أنه سيكون مضطراً إلى مزيد من تشديد السياسة النقدية برفع الفائدة، إلا أن الأسواق لا ترى أن وتيرة التشديد النقدي من البنك المركزي الأوروبي كفيلة بدعم اليورو.
كذلك أدت التقديرات الصادرة مطلع الأسبوع بارتفاع معدلات التضخم في بريطانيا إلى ما فوق 18 في المئة بنهاية هذا العام وبداية العام المقبل إلى ضعف الجنيه الإسترليني. وعلى الرغم من أن هناك توقعات بزيادة أسعار الفائدة في المملكة المتحدة إلى ما بين 6 و7 في المئة لمواجهة معدلات التضخم غير المسبوقة، إلا أن ذلك لم يشكل أي دعم للجنيه الإسترليني.
البنوك المركزية
في مذكرة لعملاء بنك "سوسيتيه جنرال"، كتبت كيت جوكس: "ستشهد نهاية الصيف عودة اليورو إلى الخضوع للضغوط، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن سعر الدولار مناسب للشراء ولأن سيف الأخطار المسلط على اقتصاد أوروبا لم يختف". أما أولريش لوختمان من مصرف "كوميرز بنك"، فكتب في مذكرة للعملاء أنه يتوقع أن يلامس سعر اليورو مقابل الدولار 0.98 دولار لليورو مع نهاية العام الحالي، وأضاف "على الأرجح سيكون اليورو عرضة بصفة خاصة لمراجعة التوقعات الأساسية للاحتياطي الفيدرالي إذ تبنى البنك المركزي الأوروبي ثاني أقوى موقف تشاؤمي ممكن وسط البنوك المركزية لمجموعة الدول العشر الكبرى بعد بنك اليابان المركزي".
وهو يشير هنا إلى لقاء محافظي ورؤساء البنوك المركزية ضمن ندوة منتجع "جاكسون هول" هذا الأسبوع، حيث تتأهب الأسواق لتوضيح استجابة البنوك المركزية للقوى المتضاربة لأخطار الركود الاقتصادي وصعود الأسعار، ومن المنتظر أن يكرر رئيس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي جيروم باول التزام البنك المركزي التصدي للتضخم في الولايات المتحدة، كما سيلحق به مسؤولون من البنك المركزي الأوروبي وبنك إنجلترا المركزي.
وواضح أن الأسواق بدأت بالفعل التعامل على أساس توقعات تصريحات رؤساء ومحافظي البنوك المركزية خلال اجتماعهم في "جاكسون هول" حتى قبل صدور تلك التصريحات، لذا يواصل الدولار الارتفاع على خلفية استمرار البنك المركزي الأميركي في رفع سعر الفائدة، وتتراجع قيمة العملات الأخرى مثل اليورو والإسترليني على اعتبار أن تشديد السياسة النقدية في أوروبا وبريطانيا لن يكون بالوتيرة ذاتها كما في أميركا.
ومع التوقعات المتتالية بشتاء قاس اقتصادياً على أوروبا وبريطانيا واحتمالات تصل إلى انقطاع التيار الكهربائي نتيجة فقر الطاقة وإمكان انخفاض الناتج الصناعي مع إغلاق مصانع أبوابها، إضافة إلى استمرار ارتفاع الأسعار، تعاني العملتان الأوروبية والبريطانية من ضغط متواصل، وهذا ما دفع البعض إلى تقدير أن يصل الجنيه اإاسترليني إلى دولار واحد واستمرار انخفاض اليورو دون الدولار.