لعلنا قريباً سنألف أكثر فأكثر أسلوب ليز تراس في الكلام، وهو أسلوب رتيب غير معبّر وفارغ، يتخلله الصمت أحياناً، فيبدو مصطنعاً وبعيداً كل البعد من العفوية، بالتالي، غير مقنع بالنسبة إليَّ.
تصديقاً على كلامي، يمكن العودة إلى المناظرة التي أقيمت في مدينة برمنغهام، ضمن إطار السباق الانتخابي على قيادة حزب المحافظين، للبحث في الإجابة التي أعطتها تراس عندما طرح عليها سؤال حول احتمال لجوء بريطانيا إلى الردع بالسلاح النووي، وهو إجراء، إن اتخذ، يؤدي بلا أدنى شك إلى عواقب وخيمة واضحة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وجاءت ساعة الحقيقة عندما سأل الصحافي جون بينار، الذي كان يدير المناظرة، رئيسة الوزراء المحتملة، مستخدماً كلمات تنذر بنهاية العالم، عن احتمال أن تأمر "برفع الضوابط عن استخدام الأسلحة النووية" عبر نظام "ترايدنت"، "الأمر سيؤدي إلى محو العالم. لن أسألك إن كنت مستعدة للضغط على الزر، لأن الجواب سيكون حتماً نعم. لو عاد تنفيذ هذه المهمة لي، لشعرت بالغثيان. ماذا عنك؟ بماذا تشعرك هذه الفكرة؟".
يمكن للمرء أن يتخيل، أو أن يتذكر بالفعل، كيف كان مارغريت تاتشر وتوني بلير سيتصرفان أمام مثل هذا التحدي العلني. كانا سيتوقفان قليلاً عن الكلام، ويزمان الشفاه، ويعقدان الحاجبين، قبل أن يأتي الرد المحسوب بدقة، مثقلاً بهيبة الواجب ومسؤولية حماية الشعب البريطاني. أما تراس، وعلى عكس كل ما سبق، فنظرت إلى الأمام، وأجابت وكأنها كانت في مقابلة للحصول على وظيفة رئيس قسم المبيعات، أو كما لو أنها مرشحة برلمانية مبتدئة، قائلة، "أعتقد أنه واجب مهم يقع على عاتق رئيس الوزراء، وأنا مستعدة له. أنا مستعدة للقيام بذلك".
ثمة شيء في هذه الإجابة أوحى لي بأن تراس لم تفكر كثيراً في هذا الاحتمال، حتى من منطلق منصبها كوزيرة للخارجية، على الرغم من أنه سبق بالفعل لأصوات روسية أن لوحت علناً بتصعيد نووي في أوكرانيا. ربما كنت تتوقع أن تجيب بعرض بعض التفاصيل حول مدى أهمية الرادع النووي، وكيف يعمل، وكيف أنه لن يتم استعماله على نحو عدواني، بل فقط من أجل الدفاع عن المملكة المتحدة، وأقاليمها ما وراء البحار والدفاع عن حلفائها وشركائها، من دون فضح المحتويات السرية لـ"خطابات الملاذ الأخير" الموجهة إلى قادة الغواصات النووية الأربع في حال توقف رئيس وزراء المملكة المتحدة، وباقي أعضاء حكومتها، عن القيام بعملهم.
لقد التزمت تراس في وقت سابق بتجديد [وسائل] الردع النووي، لكن هذا ما فعله جميع من هم في حزبها، إضافة إلى قيادة حزب العمال. وتقول تراس إن صواريخ نظام "ترايدنت" الموجودة على متن الغواصات النووية المقبلة من صنف "دريدنوت"، تهدف إلى "ردع التهديدات الأكثر خطورة لأمننا القومي ونمط حياتنا".
ولعله من حسن الحظ أن المعضلة نفسها لم تطرح على ريشي سوناك. فالاحتمال كبير أن يرد منافس تراس الجاد [الذي يشبه] "عريف الصف" بتكرار الإجابة التي قدمها إد ميليباند في مقابلات رئيس الوزراء عام 2015، والتي أثارت السخرية على نطاق واسع. فحينما سأله جيرمي باكسمان إذا كان "قوياً بما فيه الكفاية" ليصبح رئيساً للوزراء، نطق ميليباند باندفاع على الفور بـ"نعم بكل تأكيد". وكان من المفترض أن تبدو عبارته [التي اشتملت بالإنجليزية على كلمة الجحيم] قوية محفزة مثل قول قد يخرج به جون واين، إلا أن طريقة إد في قولها ونبرته، التي تذكر جداً بنبرة سوناك، لم تحدث التأثير المطلوب.
لذلك، وكما بين كل من تاتشر وبلير، ثمة طريقة رصينة وحازمة ومثيرة للإعجاب من أجل التعامل مع أسئلة تتعلق بالحياة والموت، وهي طريقة تمثل الحل الوسط بين إجابة تراس الباهتة وتصنع ميليباند المسرحي السخيف.
وبطبيعة الحال، فإن الرادع البريطاني المستقل، كما تقول النكتة القديمة، ليس مستقلاً ولا يعتبر رادعاً على الدوام. ويعتمد الأمر بشكل كبير على التكنولوجيا الأميركية التي تم الترخيص بها للمملكة المتحدة، وليس من الممكن تصور إطلاق صواريخ قد تمحو الكوكب بأسره بالفعل من دون دعم أميركا، كما أنها لم تردع الأرجنتينيين، على سبيل المثال، عن غزو جزر الفوكلاند عام 1982، أو [تخمد] عدداً كبيراً من بؤر التوتر الدولية الأخرى في العقود الزمنية الأخيرة.
وعلى أي حال، إن الظروف التي ستستخدم فيها رئيسة الوزراء تراس أسلحة من هذا النوع ستبقى طي الكتمان، وإذا حصل الأمر بالفعل، فمن المرجح ألا تعود المملكة المتحدة موجودة لتجري انتخابات عامة أخرى وتسائلها. ومن المفارقة أن هذا سؤال لا يمكن الإجابة عنه بشكل نهائي وقاطع إلا في حال لم يكن ثمة أحد في الجوار ليسمع الرد.
© The Independent