يبدو أن ليز تراس وزيرة الخارجية البريطانية المرشحة لرئاسة الوزراء في المملكة المتحدة، قد أقدمت منذ الآن على اتخاذ قرارها الأول، ففي محاولة منها لتفسير الإشارات الصادرة عن اجتماعاتها في تشيفنينغ، المنزل الريفي لوزيرة الخارجية، بدا أنها قررت عدم ملاقاة زعيم حزب "العمال" المعارض كير ستارمر في خطته تجميد أسعار فواتير الطاقة عند مستواها الراهن، لمصلحة تقديم مساعدات أكثر استهدافاً للأفراد الذين يحتاجون إليها.
في مرحلة ما، بدا الأمر وكأن كواسي كوارتينغ مرشحها لتولي منصب وزير الخزانة، كان حريصاً على خطة موردي الطاقة التي تطالب الحكومة بإقراضهم أموالاً لتجميد أسعارهم، التي يمكن تسديدها عن طريق فرض أسعار أعلى عندما تعود الأسواق العالمية إلى ما يشبه الوضع الطبيعي.
لكن هذه الفكرة تتجه نحو التلاشي، كما يرى جون ريدوود الذي قد يكون على وشك العودة إلى الحكومة وزيراً غير أساسي، فقد كتب في صحيفة "ديلي تليغراف" أمس يقول "إن شمل جميع الناس بالدعم من خلال الحفاظ على الأسعار الراهنة، سيتسبب في أعباء إضافية على دافعي الضرائب".
ويعبر عن الموقف نفسه الوزيران الكبيران في "حكومة الزومبي" اللذان يعكفان على إعداد قائمة الخيارات لرئيسة الوزراء الجديدة، فقد قال رئيس الوزراء المنتهية ولايته بوريس جونسون أمس إن مزيداً من الدعم هو في طريقه إلى الناس، لكن يجب أن يكون مستهدفاً الأشخاص الذين يحتاجونه، وأضاف "إن ما يجب أن نتجنب القيام به بحسب اعتقادي، هو محاولة وضع سقف للأسعار بالنسبة إلى الجميع بشكل مطلق، على نحو يشمل أكثر الأسر ثراء في البلاد".
وزير الخزانة الموقت ناظم زهاوي، المسؤول عن موظفي الخدمة المدنية في وزارته الذين يعملون على الإجراءات الممكنة لموازنة طوارئ، تحدث في مقابلة أجريت معه أمس عن المساعدات الحكومية المعروفة بـ "الدعم الشامل" Universal Credit (معونة تمنح شهرياً لأصحاب الدخل المنخفض أو للعاطلين من العمل لمساعدتهم في تحمل تكاليف معيشتهم)، باعتبارها "طريقة فعالة حقاً لاستهداف الأشخاص المحتاجين للدعم"، لكنه قال إنه كان "يبحث في ما يمكن القيام به أيضاً للتأكد من دعم أولئك الذين يحتاجون حقاً المساعدة". ويشمل ذلك الأفراد الذين يتقاضون رواتب مقدارها 45 ألف جنيه إسترليني (53 ألف دولار أميركي) سنوياً، والشركات التي لن تكون محمية بتجميد أسعار الغاز المنزلي والكهرباء.
أعتقد أن تراس ارتأت أنها لا تستطيع أن تزايد على حزب "العمال" في تقديم الدعم للجميع، فميزة المعارضة تتمثل في أن كير ستارمر يمكنه دائماً القول إن الحكومة لا تبذل جهوداً كافية، وهو ليس في حاجة لتقديم براهين دقيقة على ذلك، ولا تحتاج حساباته إلى أن تكون على ثلاث خانات عشرية، لقد دخل حزب "العمال" في جدال هذا الأسبوع مع المؤسسة المستقلة لتقصي الحقائق "فول فاكت" Full Fact (جمعية خيرية تعمل على تصحيح الأخبار الكاذبة وكذلك الادعاءات التي يتم تداولها على وسائل التواصل الاجتماعي)، في شأن ما إذا كانت خطته "ممولة بالكامل"، لكن نظراً إلى أن ليز تراس رفضت أية زيادة في الضرائب غير المتوقعة على شركات النفط والغاز، فلا بد من أن تكون خطة حزب "العمال" "أكثر تمويلاً" إلى حد ما، من تلك التي وضعتها الحكومة.
كما أن فكرة إقراض موردي الطاقة المال لتجميد أسعارهم التي سيقومون بتحصيلها من خلال زيادة الفواتير في مرحلة لاحقة، سيكون من الصعب تسويقها لدى الناخبين، الذين تفاعلوا بشكل سيئ مع نسخة ريشي سوناك المحدودة، القائمة على معادلة "تجميد الزيادات الآن والدفع لاحقاً"، وجرى التخلي عن هذا الخيار في شهر مايو (أيار) الماضي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
إذاً إن السياسة القائمة على استهداف الفئات المحتاجة للدعم هي التي ستكون سيدة الموقف، لكن ذلك سيدفع بتراس وكوارتينغ مباشرة نحو اتخاذ سلسلة أخرى من الخيارات غير المستساغة، وكما يشير زهاوي لا يمكن أن تقتصر المساعدة على المتقاعدين والأشخاص الذين يحصلون على إعانات، فكل شخص ينتمي إلى الشريحة التي تشمل ذوي الدخل المنخفض إلى المتوسط سيواجه معاناة، إلى جانب بعض الشركات، أما بعض الخيارات المثيرة للاهتمام التي ما زالت تعمل عليها وزارة الخزانة، فهي التي تحاول تقديم المساعدة للأشخاص ذوي الدخل المتوسط واستثناء الأثرياء.
حليف ليز تراس سايمون كلارك، الذي يتولى في الوقت الراهن منصب نائب زهاوي في وزارة الخزانة، انتقد قرار ريشي سوناك منح مبلغ مقطوع ثابت، حدد بـ 400 جنيه إسترليني (468 دولاراً)، الذي سيحسم تلقائياً من فواتير جميع الناس هذا الشتاء، وذلك لأنه سيفيد الأشخاص الذين لا يحتاجون إليه، وقد سخرت تراس من هذا النوع من السياسات التي أطلقت عليها وصف "اقتصاديات غوردن براون" التي تقضي بفرض ضرائب على الناس ثم إعادتها إليهم على شكل "هبات".
ومن بين الاحتمالات المطروحة أن تراس وكوارتينغ عندما "سيعكسان" اتجاه المعدلات المتزايدة في مستويات الضمان الاجتماعي الوطني، سيحرصان على إبعاد المنافع عن فئة ذوي الدخل المرتفع، المحددة في آخر القائمة الضريبية، أما الاحتمال الآخر فسيتمثل في تبنيهما مخطط سوناك باستخدام خانات الدوائر الضريبية في المجالس البلدية، مقياساً بديلاً لذوي الدخل المرتفع، وزيادة الحسومات للفئات من أ إلى د، التي تستثني خمس السكان الأكثر ثراء.
وأياً كانت المحصلة النهائية، فاستعدوا لهذه المفارقة المتمثلة في أن حكومة "محافظة" تطالب الأغنياء بأن يدفعوا مالاً في زمن الشدة التي تعصف بالبلاد، بينما تقدم المعارضة "العمالية" خطة شاملة لا تحمي الأثرياء فحسب، بل تمنحهم مساعدات أكثر من الفقراء، لأن الأغنياء في منازلهم الكبيرة يميلون إلى استخدام مزيد من الطاقة.
قد ينادي كير ستارمر بسياسة تقدمية منطقية، تتلخص في تجميد الأسعار، وتقديم الدعم الشامل للجميع، واستعادة تلك المنافع المقدمة للأثرياء من خلال فرض ضرائب أعلى عليهم، لكن ذلك قد يحمل في طياته نوعاً من التحامل على أولئك المنتمين إلى الطبقة المتوسطة التي تسدد ما يترتب عليها من ضرائب، ومن المرجح أن يكون هؤلاء من ناخبي حزب "العمال" أو حزب "الديمقراطيين الأحرار" هذه الأيام، تماماً كما يمكن أن يكونوا من ناخبي حزب "المحافظين"، لكن ستارمر لا يريد الإساءة إلى النصف الذي يميل إلى حزب "المحافظين"، ولماذا عليه أن يفعل ذلك عندما تكاد ليز تراس أن تكون على وشك دفعهم جميعاً إلى أحضانه؟
إن أزمة الطاقة هذه هي من السوء بمكان، بحيث بات من الصعب توقع كيف ستتمكن ليز تراس من تجنب الانجراف بتيارها، وإذا لم تطرح حلاً يتوافق مع خطة حزب "العمال"، فسينتهي بها المطاف بحماية الفقراء والمتقاعدين، لأنه يتعين عليها ذلك، فيما ستترك فئة الناخبين المتأرجحين تتحمل وطأة ارتفاع الأسعار.
قد لا تروق لها "اقتصاديات غوردن براون"، لكنها تجازف بالتحول إلى "غوردون براون" حزب "المحافظين"، على رأس حكومة تلفظ أنفاسها الأخيرة، هذا هو السيناريو المتفائل الذي يسمح لها فيه حزبها بخوض المعركة وخسارة الانتخابات المقبلة، المقرر إجراؤها بحلول شهر يناير (كانون الثاني) من السنة 2025.
صحيفة "تايمز" نقلت يوم الأحد عن أحد "أبرز حلفاء تراس توقعه أن ينهار الحزب بعد الانتخابات المحلية في مايو (أيار) المقبل: "لقد تمادت الأمور كثيراً... بالنسبة إلى تراس ستكون ممارسة الحكم مستحيلة، ناهيك عن مهمة رص الصفوف وتوحيد المواقف داخل الحزب. سينقلبون عليها". مع حلفاء من هذا النوع، من يحتاج إلى أعداء؟
© The Independent