في الوقت الذي يشير فيه بنك الاحتياطي الفيدرالي المتشدد إلى زيادة أسعار الفائدة، فقد انزلق اليوان الصيني إلى أضعف مستوى في عامين، حيث تسببت التصريحات الأخيرة لرئيس البنك المركزي الأميركي جيروم باول في زيادة حدة الخسائر التي تواجه العملة الصينية. البيانات تشير إلى أن اليوان - المعروف أيضاً باسم الرنمينبي - خسر نحو 0.5 في المئة مقابل الدولار في التجارة الخارجية خارج البر الرئيس للصين. وتم تداوله عند مستوى 6.9277 وهو أدنى مستوى منذ أغسطس (آب) 2020، كما ضعف اليوان في التعاملات الداخلية بشكل ملحوظ، منخفضاً بنسبة 0.6 في المئة عن الجلسة السابقة.
وفي الوقت نفسه فقد تراجعت الأصول الخطرة على مستوى العالم، بعد أن أشار باول إلى أن البنك المركزي الأميركي سيحارب التضخم بمزيد من الارتفاعات التاريخية لأسعار الفائدة. وقد أثرت تعليقاته في المستثمرين، الذين تصارعوا مع ما قد تعنيه زيادة أسعار الفائدة الشديدة على صحة الاقتصاد.
في مذكرة بحثية حديثة، قال محللو "سيتي بنك"، إنه "من المرجح أن تظل القوة الواسعة للدولار الأميركي مدعومة بالرسائل المتشددة لمجلس الاحتياطي الفيدرالي وتباعد النمو لصالح الدولار الأميركي"، مضيفين أن هذا سيستمر في الضغط على العملات الآسيوية.
وأوضحوا أن ضعف اليوان الأخير كان مدفوعاً أيضاً بـ"البيانات الاقتصادية الأسوأ من المتوقع وخفض سعر الفائدة". وقد انعكست خسائر اليوان على أسواق الأسهم الآسيوية، فقد تراجع مؤشر "نايكي" الياباني بنسبة 2.7 في المئة، كما انخفض مؤشر "كوسبي" الكوري بنسبة 2.1 في المئة، ونزل مؤشر "هانغ سنغ" في هونغ كونغ بنسبة 0.8 في المئة، وتراجع مؤشر شنغهاي المركب الصيني بنسبة 0.1 في المئة.
محاربة الركود ورفع الفائدة الأميركية
وتسارع اليوان في انخفاضه مقابل الدولار الأميركي هذا العام، حيث تراجعت التوقعات الاقتصادية للصين وتباعدت السياسات النقدية في الولايات المتحدة والصين بشكل متزايد، بينما أعلن بنك الاحتياطي الفيدرالي الحرب على التضخم وواصل رفع أسعار الفائدة، وضعت السلطات الصينية محاربة الركود كأولوية لها وخفضت أسعار الفائدة بشدة.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، خفض بنك الشعب الصيني أسعار الفائدة بشكل غير متوقع، بعد أن أظهرت بيانات جديدة أن الاقتصاد يفقد قوته الشهر الماضي بسبب تجدد عمليات الإغلاق الخاصة بفيروس كورونا وتعمق التباطؤ العقاري، كما يشعر المحللون بالقلق من تأثير موجة الحر والجفاف التي حطمت الرقم القياسي في الصين في النمو. وبالفعل، واجهت عديد من الشركات الدولية بما في ذلك "تيسلا" و"تويوتا" اضطراباً في المصانع بسبب انقطاع التيار الكهربائي.
وفيما انخفض اليوان في الخارج بنسبة ثلاثة في المئة مقابل الدولار الأميركي هذا الشهر وانخفض بنسبة 9.4 في المئة منذ مارس (آذار) الماضي، قال محللو "سيتي بنك" إن تراجع اليوان منذ مارس كان مدفوعاً بفك وضع اليوان الصعودي وتدفقات رأس المال الكبيرة إلى الخارج، إذ كان التجار قلقين من تضرر النمو من قيود "صفر كوفيد".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
هناك دافع آخر من جانب الحكومة، حيث كانت السلطات الصينية تتسامح مع ضعف اليوان "التدرجي"، والذي يمكن أن يفيد المصدرين من خلال جعل أسعار سلعهم أكثر تنافسية. وكتب المحللون، "في حين أن هذا من غير المرجح أن يدفع السلطات إلى متابعة ضعف نشط للعملة، فمن المرجح أن تسمح لقوى السوق التي تدفع الرنمينبي بضعف أو تدني الأداء". ورجحوا أن يصل اليوان في النهاية إلى مستوى 6.95 مقابل الدولار الأميركي.
نمو متراجع وكلفة باهظة لارتفاع أسعار الطاقة
وفق استطلاع حديث، فمن المتوقع أن ينمو الاقتصاد الصيني بنسبة 3.5 في المئة فقط خلال العام الحالي، بانخفاض عن التوقعات السابقة البالغة 3.9 في المئة، كما تراجعت توقعات النمو للأرباع الثلاثة الأولى من العام المقبل، بمقدار 0.1 - 0.4 نقطة مئوية، على الرغم من أن متوسط النمو لعام 2023 بأكمله ظل من دون تغيير عند 5.2 في المئة.وفي تقرير حديث كشف البنك الدولي عن أن الاقتصاد الصيني لم يسجل أي تراجع منذ 46 عاماً، لكن تشير التوقعات إلى أن ارتفاع أسعار الطاقة أيضاً يمثل إحدى العقبات، التي واجهت الاقتصاد الصيني، وهو اقتصاد قائم على الصناعة وإحدى مدخلاته الأساسية هي الطاقة، ولا سيما بعد تركيز الحكومة على تقليل الانبعاثات الكربونية، مما يعني عدم اعتمادها على الفحم، الذي كان أحد الأعمدة الداعمة لاقتصادها على مدى العقود الماضية، بخاصة أن فاتورة استيراد النفط في 2021 تخطت 257 مليار دولار. وأوضح أن مزيداً من الارتفاع في أسعار الطاقة يعني مزيداً من الارتفاع في كلفة السلع، بالتالي عدم تحقيق التنافسية المطلوبة في الأسواق العالمية.
وذكر التقرير أن أولى خطوات العلاج التي اتجهت الصين إليها بعد بيانات الركود الأخيرة هي خفض معدلات الفائدة، لدعم الاقتصاد بمزيد من الإنفاق والتشجيع على الاستهلاك، إلا أن خفض الفائدة، الذي من المتوقع استمراره خلال الفترة المقبلة، سيؤدي بالعملة الصينية إلى مزيد من الانخفاض بعد سلسلة من التراجع المستمر لسعر الصرف منذ منتصف 2020 إلى أبريل (نيسان) الماضي، وانخفاضه 0.64 في المئة مقابل الدولار في يوليو (تموز) الماضي فقط.
سعر الصرف
وعلى الرغم من أن انخفاض سعر صرف اليوان يفيد في الحصول على قدرة تنافسية للصادرات الصينية، فإنه في الوقت ذاته مع انخفاضه عن الحدود المعقولة سيشكل عبئاً على أسعار الواردات على المستوى المحلي، بالتالي معدلات التضخم وارتفاع الديون الخارجية. وقبل أزمة الركود الأخيرة اتجهت الصين إلى خفض الحيازات الصينية من السندات الأميركية في انخفاض تدرجي منذ 2014 حين بلغت ذروتها بنحو 1.3 تريليون دولار، لتصبح الآن 981 مليار دولار، مما يعني تراجعاً بأكثر من 21 في المئة خلال ثمانية أعوام، كما أن ذلك تزامن مع تراجع الاحتياطات النقدية الصينية من أعلى نقطة لها في منتصف 2014، التي لامست حينها أربعة تريليونات دولار، ثم وصلت إلى ثلاثة تريليونات دولار في يناير (كانون الثاني) 2017، مما يعني انخفاضاً بنسبة 25 في المئة خلال ثلاثة أعوام فقط.