كان الطابور طويلاً جداً وامتد حتى متنزه سانت جيمس مروراً بالـ"مول" [الطريق الرئيس الواصل إلى قصر باكنغهام] وعبر غرين بارك وصولاً إلى ساحة بيكاديلي. للبعض استغرق الأمر ساعتين للتنقل عبره فيما استسلم بعض آخر قبل وقت طويل من الوصول إلى المقدمة، لكن بالنسبة إلى الذين أصروا البقاء، كان الأمر يستحق العناء على حد قولهم.
هكذا كان المشهد مع توافد عشرات الآلاف إلى قصر باكنغهام، الأحد، لتقديم التعازي في الملكة. أتوا حاملين الأزهار ورسائل الشكر والعرفان لما قدمته من خدمة طوال 70 عاماً. كان الانتظار تحت قبة السماء الزرقاء مهيباً ببعض الحزن تارة، وببعض البهجة تارة أخرى، لكن الإيجابي في الأمر أن ما من شيء سيفسد ببضع ساعات من الانتظار.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
"نحن بريطانيون" قال مستشار النقل جيمس بونهيل ذو الـ25 عاماً، مضيفاً "نحن نجيد الانتظار في الطوابير. ما الذي يعنيه عناء انتظار ساعتين أمام تجربة تاريخية كهذه؟ لأنتظرت أكثر لو اضطررت. سيتحدثون عن هذا اليوم لقرون ويمكننا حينئذ القول إننا كنا موجودين هنا، هذا رائع جداً".
حتى إن البعض رأى في الانتظار جزءاً من عيش التجربة برمتها.
راني شيرغيل (52 سنة) وهي مهندسة في تكنولوجيا المعلوماتية، قالت "كنا نسير ببطء من جهة الـ"مول" [باتجاه قصر باكنغهام] ولأننا كنا بالآلاف ممن يقومون بالرحلة نفسها، بدا الأمر وكأنه رحلة حج. تحول الأمر بالنسبة إلي إلى تجربة مجتمعية. كان الجو العام مليئاً بأشخاص يتحدثون ويضحكون ويستذكرون الملكة. أعتقد أن هذا يناسب إرثها. لقد جمعت الناس معاً لأجلها مرة أخيرة. الأمر مثالي بالفعل".
شيرغيل أحضرت الأزهار على رغم أنها لم تستطع الحصول على أزهار باللون الأبيض والأصفر، وهما اللونان اللذان يعتقد أنهما كانا المفضلين عند الملكة. وقالت "أخبرني بائع الأزهار أن الجميع كان يطلب الشيء نفسه".
وأتت اللحظة الرئيسة في ذلك اليوم بالنسبة إلى كثيرين عندما انتشرت الشرطة فجأة في كل مكان وعلت الهتافات "ها قد أتى، ها قد أتى" ليطل الموكب الذي يقل الملك تشارلز الثالث عبر الـ"مول" وصولاً إلى باحات القصر. لم يفعل كثير وهو جالس في المقعد الخلفي للسيارة، ما عساه أن يفعل؟ بيد أنه ابتسم ولوح بيده وكان هذا كافياً. إنه بين جمهوره في نهاية المطاف.
"بوسعنا القول إننا رأينا الملك. وهذا بحد ذاته أمر كبير" تقول كاري فاراداي وهي موظفة إسكان تبلغ 42 سنة. كاري كانت قد أحضرت وزوجها ناثان ابنتيهما دارسي (13 سنة) وإيرين (10 سنوات) لتشهدا على هذا اليوم التاريخي. أرادا أن يصطحبا ابنهما كوين أيضاً ذا السنوات الثلاث، لكنه كان مهتماً بشكل منطقي ربما باللعب على جهازه اللوحي أكثر من تتويج الملك. وأضافت كاري "اعتقدت أنه من المهم لهم أن يأتوا. فأيام كهذه لن تتكرر غالباً، وهو أمر سيتذكرونه في ما بعد ويخبرون أولادهم وأحفادهم في شأنه".
وأخبرتنا أنها شعرت ببعض الذنب أثناء مرور الملك "كنا متحمسين للغاية، ولكننا أمام شخص فقد والدته للتو، ولهذا انتابتني مشاعر متناقضة، بيد أنني أعتقد أن دعم الحشود سيمده ببعض المواساة على الأرجح".
بتذكر أن الحياة ستستمر وما من شيء يوقفها حتى أكثر حالات الموت رهبة بدا أن مزيداً من الأحاديث تدور فعلاً حول العاهل الجديد بدلاً من والدته الراحلة. بدا الجميع متفقاً أنه سيكون ملكاً جيداً.
"حسناً، لقد تعلم على يد الأفضل أليس كذلك؟" تردف المدرسة المتقاعدة مورين سباركس البالغة من العمر 71 سنة. وأشارت إلى أن كثيرين يعتبرون أن أعظم ملوك هذا البلاد - إليزابيث وفيكتوريا والآن إليزابيث الثانية - كانوا جميعاً من النساء. وقالت مبتسمة "إنه في وضع غير موات بطبيعة الحال، ولكنني أعتقد أنه قام ببداية مثالية. تميز خطابه بالوقار والهيبة في هذا الوقت العصيب".
في الواقع لقد كانت تفكر في تلك العبارة المكررة التي يتناقلها الجميع بأن الملكة كانت الثابت الوحيد في البلاد في ظل فترة من التغيير الهائل. وقالت "أعتقد أن هذا الأمر صحيح، ولكن كان لدينا تشارلز أيضاً على مدى 70 عاماً. ولهذا أعتقد أنه إذا قام بالأمر على النحو الصحيح، سيكون الأمر سلساً جداً بالنسبة إليه في أن يكون ملكاً. أظن أن الثبات سيبقى موجوداً".
وفيما تحرك الناس بعيداً من القصر دخلوا إلى "غرين بارك"، إذ يمكن رؤية بحر من الأزهار يغطي الأرض. تراكمت باقات الأزهار بشكل كبير لتملأ رائحتها المكان كله، لكن أعداد الناس الهائلة والطوابير الضخمة هنا كان لا بد لها من طرح التساؤل التالي، إن كان هناك كثير ممن يودون إلقاء نظرة الوداع الأخيرة على الملكة فهل سيكون كافياً تسجية الجثمان لمدة أربعة أيام؟
© The Independent