يحق للمواطن العراقي بحسب الدستور التعلم بشكل مجاني في المدارس الحكومية ومن دون أي مقابل، لكن هذا القطاع الحيوي أهمل لا سيما بعد الاحتلال الأميركي للعراق بعد 2003، حتى باتت المدرسة الواحدة تعتمد نظام الدوام الثلاثي المزدوج، حيث يذهب إليها طلاب ثلاث مدارس في اليوم الواحد وبأوقات مختلفة. هذا الامر قُلل نسبياً إلا أنه لم يختف بشكل نهائي بسبب حاجة العراق إلى آلاف المدارس.
نقص في الكوادر التدريسية والكتب
وتكتظ غالبية المدارس الحكومية بالطلاب، بينما تقوم العوائل الأخرى المتمكنة مادياً بتسجيل أولادها في المدارس الأهلية كحل لمشكلة الازدحام الطلابي، والذي تعزو إليه عدم فهم الطلاب إلى المواد الدراسية الداخلة في المنهج الدراسي، إضافة إلى الإهمال الذي تشهده المدارس الحكومية ونقص في الكوادر التدريسية والكتب، حيث ربطت نقابة المعلمين، الخلل بتكرار مشكلة تأخر طباعة الكتب المدرسية للطلبة، وإمكانية عدم وجودها بالأساس خلال العام الدراسي الجديد.
وقال نقيب المعلمين العراقيين عباس السوداني في تصريح، إن "مشكلة طباعة الكتب المدرسية تتكرر بصورة مستمرة، بسبب التحضيرات التي تعدها وزارة التربية في هذا الشأن".
وتابع "وزارة التربية تعتمد على الموازنة الاتحادية في طباعة الكتب، ونظراً لتأخر إقرارها حصل هذا الخلل"، مشيراً إلى ضرورة "عدم اعتماد وزارة التربية على الموازنة، لأنها تختلف عن الوزارات الأخرى، وتأخير طبع الكتب حتى ولو كان أسبوعاً واحداً فقط، فسيكون له تأثير في العملية التربوية والطلبة".
ولفت إلى أن "ربط طباعة الكتب بالموازنة الاتحادية أمر خاطئ، وأن التخصيصات المالية لطباعة الكتب يجب أن تكون بعيدة من الموازنة".
العراق يحتاج إلى 9 آلاف مدرسة
في المقابل، أعلن وزير التربية العراقي علي حميد الدليمي، أن العراق يحتاج إلى 9 آلاف مدرسة للتخلص من الدوام المزدوج.
وقال بيان صادر عن الوزارة، إن الدليمي تحدث في مقابلة صحافية عن أبرز التحديات التي تواجه عمل وزارته، "هناك نقص حاد في الأبنية المدرسية وعدد الأبنية في الواقع هو 16 ألفاً و800، أما عدد المدارس فوصل إلى 25 ألف مدرسة وأكثر بقليل أيضاً، أي أننا نحتاج إلى ما يقرب الـ9 آلاف مبنى مدرسي للتخلص من ازدواج الدوام المدرسي".
وتحتاج وزارة التربية "من 6 إلى 7 أعوام لحل مشكلة نقص الأبنية المدرسية. وبحسب الاتفاقية الصينية، يجب أن تتسلم الوزارة ألف مدرسة بعد تسعة أشهر من الآن"، وفقاً للوزير الذي لفت إلى أن "السنوات السابقة أثرت بشكل سلبي في قطاعي التربية والتعليم، لا سيما مع انشغال الحكومة آنذاك بعقود التسليح والحروب التي دخلتها، ما أثر في كل القطاعات والتربية بشكل خاص".
وبشأن خطة الوزارة قال الدليمي، وفقاً للبيان "لدينا العديد من الخطط التربوية ولكنها مرهونة بالموازنات المحددة للوزارة، والتي تختلف بسبب الظروف، واعتماد العراق بنسبة 95 في المئة على النفط والذي يتزايد وينقص"، مضيفاً أن وزارة التربية "تحتاج إلى موازنة خاصة لتلبية احتياجات المؤسسة التربوية".
وحول نسب التسجيل في المدارس العراقية، أوضح علي حميد الدليمي أن "أعداد التلاميذ الذين يتم تسجيلهم في كل عام دراسي يزداد بازدياد الولادات، إلا أن نسبة الالتحاق تكون 100 في المئة للصفوف الابتدائية وصولاً إلى مرحلة الخامس الابتدائي، حينها يبدأ التسرب من المدارس لأسباب اقتصادية واجتماعية وتربوية أيضاً".
وقال الوزير "نلاحظ في المرحلة المتوسطة أن نسبة التسرب تصل إلى 35 في المئة، وفي الإعدادية إلى 45 في المئة، فيما تكون نسبة التسرب في مدارس البنات أعلى من البنين"، مبيناً أن "وزارة التربية لديها بحدود 12 مليون طالب بحاجة لكتب وتخصيصات مدرسية، أي أننا بحاجة لـ70 مليون كتاب سنوياً كحد أدنى، الأمر الذي يرتبط بقضية التخصيصات وهل تكفي أم لا".
وفي ما يخص ظاهرة التعليم الأهلي التي انتشرت في العراق بصورة كبيرة، قال الدليمي إن الوزارة "توجهت نحو التعليم الأهلي بسبب نقص الأبنية المدرسية، وعلى الرغم من أن التعليم الأهلي يحتاج إلى دعم حكومي لتوفير مساحات مناسبة لهذه الأبنية، والتي تعد المشكلة الأكبر أمام المدارس الأهلية، اضطرت الوزارة إلى القبول بفتح المؤسسات الأهلية في عقارات ومبان بعد تغييرها وتأهيلها لتكون مدرسة".
وأشار إلى أن "موضوع الأجور يختلف بحسب الخدمة المقدمة، بمعنى أن المؤسسة التربوية الأهلية هي التي تحدد الأجور بالتوافق مع الأهالي، ومناهجها هي نفسها مناهج وزارة التربية، وما تخضع له الحكومية يسري على الأهلية أيضاً".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يخلق طبقية
وفي هذا الصدد، يلفت الباحث العراقي صالح لفتة إلى أن التعليم الأهلي خطوة جيدة لتطوير التعليم في العراق وخلق منافس للتعليم الحكومي، الذي يعاني من نقص الأبنية المدرسية والمختبرات والكوادر.
لكن التعليم الأهلي يعاني من بعض الأخطاء التي تحتاج إلى تقويم، مثل واقع الأبنية وحجمها وموقعها ومساحتها، وثانياً التكاليف المرتفعة التي تؤثر في إمكانيات المواطن، وتدفع بمواطني الطبقات الفقيرة لعدم زج أبنائهم في المدارس الأهلية، ما يجعل التعليم في المدارس الأهلية حكراً على أبناء الأغنياء، ما يخلق طبقية ستظهر آثارها تباعاً في المستقبل، بحسب صالح الذي أشار إلى أن التعليم الأهلي ممكن أن يستوعب الكثير من الخريجين، بتوفير فرص عمل للمدرسين والمعلمين ممن لم يحصل على تعيين في القطاع الحكومي. فإذا تم وضع سقف معين لرواتبهم تكون عادلة، وضمان راتب تقاعدي لمن يعمل في المدارس الأهلية عند وصوله لعمر محدد، بالتأكيد سيخف الضغط على الدولة من قبل خريجي كليات التربية والآداب والعلوم والكليات الساندة الأخرى.
وتابع، تجربة التعليم الأهلي والمدارس الأهلية تجربة جديدة في العراق، تحتاج الإشراف والمراقبة، وبعض القوانين الضرورية. وستكون تجربة ممتازة لا يمكن التخلي عنها وتسهم في إنجاح التعليم.
وكانت وزارة التربية العراقية، كشفت عن حاجة البلاد إلى نحو 10 آلاف مدرسة، من أجل فك الاختناق في الدوام المزدوج، معلنة أن هنالك أكثر من 25500 إدارة مدرسة، بينما لا تملك الوزارة هذا العدد من المدارس.
وكان العراق يمتلك في فترة ما قبل عام 1991، نظاماً تعليمياً يعتبر من أفضل أنظمة التعليم في المنطقة، وكذلك كانت نسبة القادرين على القراءة والكتابة في فترة السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين عالية. لكن التعليم عانى الكثير بسبب ما تعرض له العراق من حروب وحصار وانعدام الأمن، إذ وصلت نسبة الأمية حالياً إلى مستويات غير مسبوقة في تاريخ التعليم الحديث في البلاد، وتحاول الحكومة العراقية الحالية تدارك هذه الأزمة، بعد أن خصصت 10 في المئة للتعليم من ميزانيتها السنوية.
الأهالي توسعوا في الأهلي
إلى ذلك، يؤكد الباحث الاجتماعي وليد علاء، أن هناك توجهاً للكثير من العوائل في زج أبنائهم في المدارس الأهلية بدلاً من المدارس الحكومية، التي أهملت منذ وقت طويل، موضحاً أن العوائل المتمكنة مادياً تستطيع دفع تكاليف دراسة الطالب الواحد، التي تبدأ من 700 دولار وصولاً إلى 1500 دولار، بحسب المرحلة الدراسية، وبغض النظر عن تكاليف الأخرى والملحقة بالقطاع التربوي.
ويضيف أن الأهالي توسعوا في تسجيل أبنائهم خلال السنوات القليلة الماضية لضمان جودة التعليم هناك، وإن كانت التجربة حديثة، بعد أن كان التعليم الأهلي شبه معدوم خلال العقود الماضية.
المواطن البغدادي حسن سالم، أب لثلاثة أولاد، قال "ازدحام المدارس الحكومية في الطلاب أجبرني على تسجيل أولادي الثلاث في المدارس الأهلية، على الرغم من تكاليفهم السنوية المرتفعة، لكن هدفي ضمان سلامة تعليمهم بشكل صحيح".
ويضيف سالم، على الرغم من انتشار الكثير من المدارس الأهلية، إلا أن الكثير من العوائل لا تستطيع تسجيل أبنائها بسبب الأوضاع الاقتصادية.
وانتشرت خلال السنوات القليلة الماضية مئات المدارس الأهلية على شكل بيوت في المناطق التجارية والشعبية، ما خفف من الضغط على المدارس الحكومية، التي باتت لا تستوعب الكم الهائل من الطلاب المتزايد سنة تلو أخرى.