في الوقت الذي تواصل فيه البنوك المركزية على مستوى العالم تشديد سياستها النقدية والمالية في إطار احتواء موجة التضخم القياسية يواصل البنك المركزي الروسي خفض أسعار الفائدة للمرة الرابعة على التوالي خلال العام الحالي.
ووفق بيان أعلن البنك المركزي الروسي خفض سعر الفائدة الأساسي بواقع 0.5 في المئة إلى 7.5 في المئة سنوياً. وأفاد بأن مجلس إدارته قرر خفض سعر الفائدة الرئيس بمقدار 50 نقطة أساس إلى 7.5 في المئة سنوياً، مشيراً إلى أن معدل النمو الحالي لأسعار المستهلكين لا يزال منخفضاً مما يسهم في مزيد من تباطؤ التضخم.
وأشار "المركزي الروسي" إلى أن معدل التضخم في البلاد خلال عام 2022 سيكون بنطاق 11 إلى 13 في المئة، حيث انخفض هذا المعدل على أساس سنوي في التاسع من سبتمبر (أيلول) الحالي إلى 14.1 في المئة، مقارنة بنحو 14.3 في المئة خلال شهر أغسطس (آب) الماضي.
وأوضح البنك أنه سيتخذ مزيداً من القرارات في شأن سعر الفائدة الرئيس، مع الأخذ في الاعتبار ديناميات التضخم وعملية إعادة هيكلة الاقتصاد الروسي. وأشار إلى أن البيانات المرتبطة بالناتج المحلي الإجمالي الروسي للربع الثاني ومؤشرات التشغيل تظهر أن حركة النشاط التجاري أفضل مما كان متوقعاً في يوليو (تموز) 2022.
وارتفع سعر صرف الدولار مقابل الروبل في التعاملات الأخيرة بعد قرار البنك المركزي الروسي بخفض سعر الفائدة الأساسي، إذ صعد بواقع 20 كوبيكا (الروبل = 100 كوبيك) إلى 60.01 روبل، فيما صعد سعر صرف اليورو الأوروبي بواقع 10 كوبيكات إلى مستوى 59.88 روبل.
اجتماع استثنائي
في نهاية مايو (أيار) الماضي أعلن البنك المركزي الروسي خفض أسعار الفائدة، إذ أدى انتعاش الروبل مقابل سلة العملات العالمية مدعوماً بعائدات النفط والغاز القوية والدعم الحكومي إلى تخفيف بعض الضغط عن اقتصادها غير المستقر.
وخلال اجتماع استثنائي خفض البنك المركزي الروسي أسعار الفائدة من 14 إلى 11 في المئة. وقال إن مزيداً من التخفيضات قد تتبعها، بعد أن تم رفعها إلى 20 في المئة في أعقاب الاحتياح الروسي لأوكرانيا في فبراير (شباط)، وذلك عندما حاول البنك احتواء العقوبات الغربية.
وقال البنك المركزي الروسي في بيان إن "ضغط التضخم يخف على خلفية ديناميكيات سعر صرف الروبل، وكذلك الانخفاض الملحوظ في توقعات التضخم للأسر والشركات". وأوضح أنه من المتوقع أن تنخفض نسبة التضخم من 17.5 في المئة في مايو إلى ما بين 5 و7 في المئة هذا العام.
وكان الروبل قد انخفض إلى مستوى قياسي بلغ نحو 135 مقابل الدولار الأميركي في أعقاب الحرب ضد أوكرانيا حين جمد الغرب نحو نصف احتياطات روسيا من العملات الأجنبية التي تقدر بـ 600 مليار دولار، كما غادرت مئات من الشركات العالمية المتعددة الجنسيات، وحظرت روسيا من شراء الخدمات التكنولوجية الغربية الرئيسة، لكن العملة الروسية انتعشت منذ ذلك الحين وهي الأفضل أداء عالمياً هذا العام مدعومة بضوابط على رأس المال تهدف إلى إجبار الشركات والمستثمرين على شراء الروبل وارتفاع أسعار الطاقة العالمية، كما يشتري دولار أميركي واحد الآن نحو 58 روبلاً.
حرب معلومات
على الرغم من الجهود الغربية للحد من واردات الطاقة الروسية، لكنها كانت بطيئة الحركة في وقت عزز فيه ارتفاع أسعار النفط والغاز خزائن الكرملين.
وفي مذكرة بحثية حديثة قال كبير اقتصاديي الأسواق الناشئة في "كابيتال إيكونوميكس" وليام جاكسون إن "النقطة الأساسية هي أن عائدات النفط والغاز المرتفعة توفر لصانعي السياسات شريان حياة، مما يسمح لهم بالرد على الإجراءات الاقتصادية الطارئة".
وأضاف "في ظل هذه الخلفية يبدو أن مزيداً من التيسير في ضوابط رأس المال وتخفيضات إضافية في أسعار الفائدة أمر محتمل".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأمضى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سنوات قبل الحرب في محاولة لبناء "اقتصاد حصين" مراكماً الاحتياطات التي يمكن استعمالها في حالة الطوارئ، لكن الاقتصاد الروسي لا يقوم على أساس متين وهذه الضوابط على رأس المال واحتياطات الطوارئ يمكن أن تستمر فقط لفترة محدودة، حيث تعني القيود الأميركية الجديدة أن روسيا قد تتخلف قريباً عن سداد ديونها الخارجية للمرة الأولى منذ أكثر من قرن.
وقال كبير استراتيجيي الأسواق الناشئة في "بلوباي" لإدارة الأصول تيموثي آش إن خفض بوتين سعر الفائدة كان جزءاً من حملة علاقات عامة. وأوضح أن روسيا والدول الغربية يخوضون حرب معلومات والروبل جزء من هذه الحرب.
وتوقع صندوق النقد الدولي أن تواجه روسيا ركوداً عنيفاً خلال عام الحالي، ورجح أن ينكمش الناتج المحلي الإجمالي لموسكو بنسبة 8.5 في المئة، وذلك نتيجة العقوبات القاسية المفروضة من قبل الدول الغربية على الاقتصاد الروسي.
ومع ذلك، لا يزال يتعين على تلك العقوبات أن تضرب بعمق في قلب موارد الوقود الأحفوري لروسيا، وعلى رغم أن موسكو تواجه صعوبة في بيع نفطها وفحمها، لكن أكبر زبائنها في مجال الطاقة، أي الاتحاد الأوروبي، لا يزال غير قادر على الاتفاق على حظر نفطي وفرض حظر تام على واردات الغاز الطبيعي الروسي ليس مطروحاً حتى على الطاولة.
تجاوز الأرقام المعلنة
كانت دراسة أجراها باحثون من جامعة "يال" قد أظهرت أن تأثير العقوبات الغربية على الاقتصاد الروسي أكبر بكثير مما تظهره الأرقام الرسمية، مؤكدة أن "التحول إلى الصين" يبدو غير واقعي.
وقال معدو التقرير الصادر عن كلية "يال" للإدارة إن "نتائج تحليلنا الاقتصادي الشامل لروسيا قوية ولا جدل فيها، وتوصلت إلى أنه لم تنجح العقوبات ويتراجع النشاط فحسب، بل إنها شلت الاقتصاد الروسي تماماً على كل المستويات".
ولفت الباحثون إلى أنهم لاحظوا وجود خطاب سردي مفاده بأن العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الدول الغربية على روسيا منذ الهجوم على أوكرانيا أدت إلى "حرب استنزاف اقتصادية تعيث فساداً في الغرب بالنظر إلى المرونة المفترضة للاقتصاد الروسي". أضافوا "هذا خطأ ببساطة"، متحدثين عن نشر "إحصائيات ينتقيها" الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
ووفقاً لتحليلاتهم، فإن "خروج الشركات من روسيا والعقوبات تشل الاقتصاد الروسي على المديين القصير والطويل"، ومن ثم فإن العقوبات الاقتصادية تمنع كثيراً من الشركات والدول من الاستمرار في التجارة مع روسيا التي تجد صعوبة في الحصول على قطع غيار ومواد أولية أو تقنيات أساسية معينة.
وفي الوقت نفسه رسم الباحثون صورة قاتمة بقولهم إنه "على الرغم من أوهام الاكتفاء الذاتي وتعويض الواردات توقف الإنتاج المحلي الروسي تماماً وليست لديه القدرة على تعويض الشركات والمنتجات والمهارات المفقودة".
وللتغلب على نقاط الضعف هذه يلجأ الرئيس فلاديمير بوتين "إلى تدخلات مالية ونقدية غير مستدامة"، والوضع المالي للكرملين "يائس أكثر بكثير مما هو معترف به"، أما بالنسبة إلى التحول نحو الصين، فإنه يقوم على الأرجح على "افتراضات متفائلة غير واقعية، إذ تمثل روسيا شريكاً تجارياً ثانوياً للصين، ولا يمكن لمعظم الشركات الصينية المخاطرة بانتهاك العقوبات الأميركية".
كذلك أشاروا إلى أن الشركات الصينية "تفتقر إلى عديد من تقنيات التنقيب والإنتاج اللازمة لصيانة منشآت النفط والغاز الروسية والمحافظة على إمداداتها".