تلقت حكومة مصطفى الكاظمي ضربة موجعة بإقرار المحكمة الاتحادية العليا وقف تأسيس شركة النفط الوطنية العراقية، والحؤول دون خطوات تأسيسها ومنع تكليف وزير النفط الحالي إحسان عبد الجبار بإدارتها، وهو الذي يتولى عدداً من الوظائف الرفيعة من بينها وزارة المالية ورئيس المجلس الوزاري للطاقة فضلاً عن ترؤسه لشركة النفط الوطنية. كل هذه الأدوار لوزير في مقتبل عمره الوظيفي، استفزت بطريقة فاقعة عراقيين كثراً. ويأتي قرار الإلغاء بعد أن شرعت شركة النفط المذكورة بالتعاقد مع شركات عالمية كبرى.
أعلى سلطة
لكن المحكمة الاتحادية وهي أعلى سلطة في البلاد أقرت في مقدمة قرارها، بأن "عدم إيجاد السبل الكفيلة للحفاظ على المال العام الذي يمثل في حقيقته ملكاً لجميع أبناء الشعب من قبل الجهات المكلفة قانوناً بذلك يمثل خرقاً لأحكام المادة 27/ أولاً، من الدستور وعدم تحقيق ذلك يؤدي إلى غياب العدالة الاجتماعية وغياب الانتماء الوطني تجاه الدولة".
بهذه المقدمة الطويلة للقرار فإن المحكمة الاتحادية حكمت بعدم صحة الفقرتين 2 و3 من قراري مجلس الوزراء رقم 109 لعام 2020 والقرار 211 لعام 2021 الخاصتين بإكمال خطوات تأسيس شركة النفط الوطنية وتكليف وزير النفط إحسان عبدالجبار برئاستها وعدم دستوريتهما، بل ذهبت إلى القول إنه "بخلاف ذلك يعني سلب السلطة التشريعية جزءاً من اختصاصاتها الدستورية". وأسقطت المحكمة إجراءات الحكومة مع شركة توتال الفرنسية البالغة قيمتها عشرة مليارات دولار، التي جرى توقيعها في بغداد بحضور الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وأتت على حساب شركات "بتروفاك" البريطانية التي تعمل في حقل الأرطاوي إلى جانب شركة "لوك أويل" الروسية، و"إكسون موبيل" الأميركية.
في السياق، أشار الكاتب سلام عادل إلى أن "حكم المحكمة هذا ملزم وسيؤدي بالضرورة إلى إلغاء ذلك الاتفاق"، مضيفاً أن "الحكومة تصرفت بنزعة مخالفة للقوانين والسياقات ومنها اتخاذ عشرات القرارات المخالفة لصلاحيات حكومة تصريف الأمور اليومية التي ما زالت سارية منذ العام الماضي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
نائبان طالبا بالإلغاء
وكان وراء المطالبة بإلغاء شركة النفط الوطنية نائبان في البرلمان رفعا دعوى قانونية منذ عدة أشهر، واحدة تطالب المحكمة الدستورية العليا ببطلان تأسيس شركة النفط الوطنية التي يعود تاريخ أول تأسيس لها إلى عام 1961 لكنها دُمجت مع وزارة النفط لاحقاً حين زار الرئيس العراقي السابق صدام حسين الوزارة مطلع الثمانينيات وطرح ضرورة هيكلة الوزارة من جديد.
وتعليقاً على ذلك، قال الدكتور عصام الجلبي وزير النفط الأسبق لـ "اندبندنت عربية"، "لم يتم حل الشركة بل دُمجت مع الوزارة من الناحية الإدارية، وسبب الدمج لم يكن سياسياً، وإنما جزء من حملة الدولة لإعادة الهيكلة وإلغاء الطبقات بين أعلى الهرم في الوزارات والجهات التنفيذية. وكانت هناك لجنة برئاسة الدكتور خليل الشماع، الاقتصادي المعروف، أعادت النظر في هيكلية الكثير من الوزارات من بينها وزارة النفط. ومنذ زمن سلفي قاسم العريبي رفضنا مقترحات الشماع وأصررنا على بقاء الهيكلية نفسها، إلى حين زيارة الرئيس السابق لمركز الوزارة في 7 أبريل (نيسان) 1987 وقبيل خروجه طرح موضوع الهيكلة مصراً على التغيير".
واستدرك الوزير الجلبي "قدمت شخصياً بعد أيام مقترح إلغاء المؤسسات النفطية ودمجها بالوزارة. ومنحت شركة النفط الوطنية، كل من شركة نفط الشمال وشركة نفط الجنوب وشركة الاستكشافات كافة صلاحياتها الإدارية والمالية. وصدر القرار في أبريل 1987 أي بعد ثلاثة أسابيع من تعييني وزيراً، واستمرت شركات الشمال والجنوب ثم الوسط والاستكشافات بعملها من دون تغيير مطلقاً، كذلك منشآت التصفية والغاز والتوزيع وأصبح ارتباطها بالوزير مباشرةً".
فشل الحكومات النفطي
ورأى الجلبي أن "الحكومات والإدارات فشلت بعد عام 2003 وإلى حد الآن، على رغم أن بعضها كان مهنياً، ولكن الجميع جاؤوا من خلال المحاصصة والكتل الحزبية، بالتالي انتشر الفساد واعتُمدت المحسوبية، وأصبحت السلطة لمكاتب الأحزاب الاقتصادية، ما أدى إلى فشل الوزارة في إنجاز المشاريع الرئيسة وبخاصة المصافي، واستمر حرق الغاز وأصبح التصدير من خلال منفذ واحد فقط عبر الخليج العربي، وهذا مهدد بالانهيار لتآكله وعدم صيانته، علماً أن عمر المنشآت تجاوز الخمسين عاماً تكللت بعدم تطوير خطوط الأنابيب الناقلة".
بعد التغيير الذي أحدثه عام 2003 في العراق، قال الخبير الأميركي هاري فوغكر Harry Vogker المشرف على وزارة النفط العراقية من قبل سلطة الاحتلال، إنه نصح وزير النفط في حينها، إبراهيم بحر العلوم، بأن إلغاء قرار مجلس قيادة الثورة المتخَذ في 17 أبريل 1987 يعني إعادة شركة النفط الوطنية لسابق عهدها ولا حاجة لأي قرارات أخرى، لكن المشرفين العراقيين على وزارة النفط رفضوا ذلك لأنهم كانوا يخططون لأمور أخرى وفشلوا بموضوع إعادة الشركة وتفعيلها.
هيكلة وزارة النفط ضرورة
يحتاج القطاع النفطي في العراق إلى إعادة هيكلته، إذ لم يعد الأسلوب التقليدي الذي درجت عليه الوزارة منذ تأسيسها قبل نصف قرن مستوفية لمستلزمات الإشراف العام على نشاطاتها من دون توزيع جديد لتلك الهيكلية وتفعيل نشاطاتها برسم الخطط الاستراتيجية في مجالات الاستكشافات وتطوير الحقول والإنتاج والتصدير واستثمار الغاز الذي يُحرق حالياً، كذلك الصناعات التحويلية والإشراف والمساهمة في مجلس النفط والغاز ورسم السياسات النفطية والعلاقات الخارجية ورسم استراتيجية التطوير والتدريب مع ضرورة قصوى لانبثاق شركات التشغيل. ويقول وزير نفطي عراقي سابق إنه "لا بد من انبثاق شركة النفط الوطنية والغاز الوطنية والتصفية، لتكون شركات قابضة مستقلة ومموَلة ذاتياً".