أصدر "بنك انجلترا" (المركزي البريطاني) بياناً عاجلاً في شكل طارئ أكد فيه استعداده لرفع أسعار الفائدة بأكبر قدر ممكن في حال الضرورة، وذلك بعد ثلاثة أيام من بيان البنك المركزي عقب اجتماعه الشهري الذي رفع فيه نسبة الفائدة نصف نقطة مئوية (0.5 في المئة) لتصبح نسبة الفائدة الأساس في بريطانيا 2.25 في المئة.
واضطر البنك المركزي إلى إصدار بيانه في محاولة لطمأنة الأسواق بعدما هوت العملة البريطانية، ليصل سعر صرف الجنيه الاسترليني أمام الدولار إلى أدنى مستوى على الإطلاق عند دولار وثلاثة سنتات للجنيه، في حين كان أدنى مستوى هبط إليه الجنيه الاسترليني عام 1985 عند سعر صرف دولار وخمسة سنتات للجنيه.
وكانت الأسواق استبقت بيان "بنك انجلترا" الطارئ بتوقع أن يقدم البنك على رفع سعر الفائدة بشكل استثنائي بنسبة واحد في المئة مرة واحدة الأسبوع المقبل، وليس انتظار الاجتماع الشهري للجنة السياسات النقدية في البنك بعد أسابيع.
إلا أن بيان البنك لم يشر إلى ذلك على رغم أنه أكد استعداده لتغيير سعر الفائدة بقدر ما يتطلبه الوضع، والمقصود أن البنك سينتظر تحرك الأسواق خلال الأيام المقبلة، وما إذا كان الانهيار في سعر صرف الجنيه الاسترليني سيستمر أم أن العملة ستستقر قيمتها ولو حتى على انخفاض.
نقطة خطر
وينظر إلى تساوي الجنيه بالدولار على أنه نقطة خطر، ليس فقط بالنسبة إلى السياسة النقدية والمالية للبلاد، وإنما أيضاً في اتجاه أبعاد سياسية خطرة قد تؤدي إلى انهيار الحكومة أمام تمرد نواب حزبها في البرلمان عليها، بخاصة إذا هبط الجنيه الاسترليني لأقل من دولار.
وتوقع المحللون في بنك "نومورا" الاستثماري الياباني أن يصل الجنيه الاسترليني إلى التساوي مع الدولار بنهاية شهر نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضاف المحللون، بحسب ما ذكرت وكالة "رويترز"، أن الاسترليني يمكن أن يواصل الهبوط إلى ما دون جنيه للدولار في ما بعد، ومع أن الجنيه الاسترليني يشهد هبوطاً في قيمته منذ بداية العام نتيجة ارتفاع قيمة الدولار الأميركي وارتفاع معدلات التضخم وتدهور الاقتصاد البريطاني وزيادة كلفة المعيشة بأكثر مما هو الحال في بقية الدول المماثلة، إلا أن منحى الهبوط السريع ازداد حدة بنهاية تعاملات الأسبوع عقب إعلان وزير الخزانة البريطاني كوازي كوارتنغ الموازنة التكميلية التي تضمنت خفضاً للضرائب على أصحاب الدخول العالية لم يسبق له مثيل منذ نصف قرن.
وبحسب بيان موازنة حكومة رئيسة الوزراء ليز تراس للبرلمان الجمعة، سيتم تمويل خفض الضرائب باقتراض الحكومة ما يزيد على 47 مليار دولار (45 مليار جنيه استرليني)، ويضاف ذلك إلى حاجة الحكومة لاقتراض ما يزيد على 155 مليار دولار (150 مليار جنيه استرليني) لتمويل حزمة دعم أسعار الطاقة لتجميد سقف فواتير الاستهلاك.
الثقة المفقودة
ووصف معظم الاقتصاديين والمحللين سياسة حكومة تراس بالمقامرة، مشككين في أن خفض الضرائب على الأغنياء سيؤدي إلى نمو الاقتصاد.
واتهم السياسيون في بريطانيا من أحزاب المعارضة وحتى من نواب حزب المحافظين الحاكم حكومة ليز تراس بأنها تقود البلاد إلى "انهيار اقتصادي"، كما بدأت الصحف تتحدث عن استعداد نواب المحافظين لطرح الثقة في الحكومة لوقف تدميرها الاقتصاد.
وبدأت الأسواق العالمية تفقد الثقة في قدرة حكومة ليز تراس ووزير خزانتها كوازي كوارتنغ على تمويل الإنفاق العام، بخاصة بعد إعلان خفض الضرائب والتمويل عبر الاقتراض. وشهدت العملة البريطانية عمليات بيع مكثفة في الأسواق حول العالم مما هوى بقيمتها أمام الدولار والعملة الأوروبية الموحدة اليورو، وغيرها من العملات الرئيسة.
كذلك شهدت أسواق السندات حملة خروج للمستثمرين منها في عمليات بيع للسندات قصيرة ومتوسطة الأجل هوت بأسعارها ورفعت العائد عليها.
وتجاوز العائد على سندات الدين السيادي البريطاني قصير الأجل لمدة عامين حاجز أربعة أضعاف ما كانت عليه قبل عام، لتصل النسبة في تعاملات الإثنين (26 سبتمبر) إلى 4.1 في المئة.
ويتوقع أن يواصل العائد على السندات الارتفاع، مما يعني مطالبة المستثمرين الدوليين بكلفة أكبر في مقابل شرائهم سندات دين عام بريطانية، وهو ما يهدد قدرة الخزانة العامة على الاقتراض من الأسواق الدولية لتمويل خطط خفض الضرائب ودعم أسعار الطاقة.
ويرى محللون في المؤسسات المالية والاستشارية العالمية أن "بنك إنجلترا" لم يرفع سعر الفائدة بالقدر الكافي لمواجهة ارتفاع معدلات التضخم التي وصلت إلى مستويات غير مسبوقة منذ نحو نصف قرن.
ويأخذ البنك في الاعتبار الوضع العام للاقتصاد الذي أشار في بيانه الخميس إلى أنه في حال ركود، ومن شأن زيادة أسعار الفائدة بقوة أن تحد من النشاط الاقتصادي وتعمق الركود، لذا رفع البنك نسبة الفائدة بمقدار 0.5 في المئة بدلاً من 0.75 في المئة كما كان متوقعاً في ظل معدلات التضخم المرتفعة.
ومن غير الواضح متى سيقدم "بنك إنجلترا" على التدخل في السوق لوقف انهيار الإسترليني، وكانت صحف عطلة نهاية الأسبوع البريطانية نقلت عن نواب في حزب المحافظين الحاكم أن الخط الأحمر بالنسبة إليهم هو هبوط الجنيه الاسترليني إلى ما دون دولار واحد، وأن ذلك سيدفعهم إلى طرح الثقة في الحكومة وليس فقط الامتناع من التصويت لمصلحتها في البرلمان.