لم يعد مستغرباً أن يتحدث مؤلف أو أديب عربي عن ضعف المردود المادي لعملية التأليف واستحالة التفرغ للكتابة، إلا أن الحديث يصبح أكثر أهمية عندما يصدر من أحد أكثر الروائيين المعاصرين شهرة وانتشاراً، وعلى رغم مؤلفاته الكثيرة،
إذ صرح الروائي السعودي عبده خال أن إجمال ما تدره عليه رواياته التي كتبها منذ التسعينيات لا تتجاوز الـ 4 آلاف ريال سعودي سنوياً (نحو 1000 دولار).
ويعد خال أحد أكثر الروائيين المعاصرين انتشاراً، بخاصة بعد نيله الجائزة العالمية للرواية العربية "بوكر" عام 2010 عن روايته "ترمي بشرر".
بلا جزيرة أو يخت
وحكى الروائي "البوكري" قصة فوزه بالجائزة أثناء وجوده في معرض الرياض الدولي للكتاب وعن تأثير الجوائز في مسيرته، إلا أن أكثر فصول الحديث إثارة كان الجانب المتعلق بانعكاس الجائزة عليه مادياً.
وتساءل خال، هل الجائزة في قيمتها المادية أم المعنوية؟ مجيباً "أعتقد أن القيمة الحقيقية هي في جانبها المادي، لأن 60 ألف دولار ترفع الكاتب بشكل كبير" بالنظر إلى وضعه المادي، مضيفاً "وهذا يطرح سؤالاً هل الكاتب يكتب للجائزة أم للفن نفسه؟".
وطالب بمخرج لهذه الأزمة بالبحث عن وسائل بديلة لتكريم الروائيين عبر رواياتهم نفسها، "فلو أن الجوائز تجد نوافذ أخرى لتكريم الأدباء من خلال كتبهم لا الهدايا التي تقدمها لهم بين فترة وأخرى، أنا الآن لدي 13 رواية، لو كنت أوروبياً لكنت اشتريت جزيرة ويختاً وسيارة جديدة، أو على الأقل كانت سأملك القدرة على فعل ذلك، إلا أن تلك الروايات لا تدر علي أكثر من 4 آلاف ريال سنوياً"، مقترحاً تنظيماً جديداً يجعل دور النشر العربية تساعد الكتاب من طريق حصة مجزية من مبيعات الكتاب، بدلاً من أن يبقى "متسولاً للجوائز".
ويملك عبده خال 13 رواية نشرت خلال العقود الثلاثة الماضية، إضافة إلى رواية جديدة قدمت في معرض هذا العام في الرياض "وشائج ماء"، وكتابين آخرين لحكايات الأساطير في تهامة والحجاز.
"بوكر" أعطتني رفعة أمام زوجتي
وقال عبده خال إنه كان في الرياض للمشاركة في مهرجان الجنادرية عندما أعلنت القائمة الطويلة لـ "بوكر" 2010، وأضاف "طرق علي صديقي حمود أبو طالب باب الغرفة في الفندق ليخبرني أن اسمي دخل القائمة الطويلة، ولم أكن مدركاً أهمية الجائزة حينها فأكملت نومي"، لكن لما ترشحت "ترمي بشرر" للقائمة القصيرة بدأ يشعر بقيمتها "بدأت حينها أشعر أن شيئاً ما قادم، فقد أتى فريق من الجائزة إلى منزلي وصوروا معي ومع عائلتي وزوجتي، حينها بدأت أشعر بقيمة للجائزة لأنهم أعطوني شأناً ورفعة داخل منزلي وأمام زوجتي".
لكن على رغم ذلك ظل إدراكه لأهميتها محدوداً حتى لما صعد على المسرح للتعريف بنفسه كأحد المشرحين الستة قبل إعلان النتائج، "عرفونا بالجمهور فرداً فرداً، لاحظت أن أعصاب المرشحين الآخرين مشدودة، فيما كنت الوحيد غير المبالي الذي لا يستشعر أهمية اللحظة، لذا حاولت التخفيف من حدة الموقف وطلبت عملة نقدية ولعبت (صورة وكتابة) مع المشرحين الآخرين كلاً على حدة، وقلت لكل منهم صورة تعني أني سآخذ الجائزة والكتابة يعني أنك ستفوز، وقد كانت صورة في كل المرات التي لعبت فيها".
وعندما أعلنوا فوزه تشنج المشاركون وردد بعضهم مشككاً في أحقيته "كيف يفوز سعودي بوجود هذه الأسماء الكبيرة؟"، فرد عليهم "يا أخي لقد لعبنا قبل إعلان النتائج بالعملة وفزت عليكم وأعطوني الجائزة، فلماذا أنتم مستاؤون؟".
وكان المرشحون في ذلك العام هم: جمال ناجي وربعي المدهون ومنصورة عزالدين ومحمد المنسي قنديل وربيع جابر.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
إلا أن الانتشار الذي حققه بعد الجائزة جعله يفهم سبب تشنجهم وتمسكهم بالفوز.
ويصف خال ما حصل له بعد الجائزة بـ "الفرشة" التي امتدت وأوصلته إلى انتشار لم يتوقعه عبر وسائل الإعلام العالمية، وشهرته العربية وسفره إلى كثير من دول العالم للحديث عن الرواية وبعض المال.
أنا من أعطى الجائزة قيمتها
وعلى رغم ذلك إلا أنه يؤكد أن الجائزة أضرت به أكثر مما أفادته، "فقبل الـ ’بوكر‘ كنت أكتب ما أريد وأنشر خارج السعودية، وبالتالي أملك الحرية والشجاعة لكتابة ما أشاء، حتى إذا ما فزت بالجائزة تنبه الناس لي ولما أكتب، فحدث شيء من المراجعة العكسية لكتاباتي"، مؤكداً أنه حافظ على حريته لكنه خسر الشجاعة.
وأشار الروائي السعودي إلى مشكلة أخرى تسببها الجوائز وهي أن الكاتب يكون حراً حتى إذا ما وضع تحت دائرة العتاب وتقييمه بطريقة "أنت فائز بجائزة عالمية فكيف تكتب شيئاً كهذا أو بهذه الصيغة"، لذلك حرصت أن "أكتب لوعة الغاوية كي أكسر حدة أن تكون محاصراً بجائزة أخرى"، بوصفها رواية لا تشبه متطلبات الجوائز.
وأكد أن الجائزة ليست مسؤولية، "أنا الذي أعطيتها القيمة وليس العكس، ويجب ألا تتحول إلى قيد بالنسبة إليّ، وحالما أتتبع المسؤولية بصفتي فائزاً بجائزة البوكر وعليّ أن أكتب بناء على ذلك، فهذا يعني أني صرت سجيناً للجائزة، فالجائزة ليست مسؤولية، والمسؤولية أنا وليست الجائزة، وأنا من منح الجائزة قيمها وليس العكس".
وأكد "لم أحصل على الجائزة إلا بعد روايتي السابعة، وكنت أكتب قبل ذلك من دون أن استشعر بأني أريد جائزة في مقابل ما أكتب، ولذلك فليس عليّ أن أتربص أو أثابر كي أحصل عليها".