ما زالت الاتفاقية الموقعة بين حكومة الوحدة الليبية وتركيا في الأيام الماضية تشغل الساحة السياسية في ليبيا وتقلق محيطها الإقليمي، خصوصاً في شقها المتعلق بمنح امتيازات جديدة لأنقرة في قطاع الطاقة، وبدأت كل الأطراف المعارضة لها في الداخل والخارج في التحضير لمواجهة هذه الاتفاقية في ساحات القضاء المحلي والدولي.
الخطر الأكبر الذي تثيره هذه الاتفاقية، بحسب أطراف ليبية بارزة، هو إشعال فتيل حرب جديدة في ليبيا، بسبب وجود معظم حقول النفط والغاز في البلاد خارج مناطق سيطرة حكومة عبدالحميد الدبيبة، وإعلان الجيش في بنغازي الذي يقوده قائد الجيش خليفة حفتر رفضه الاتفاقية وتجهيزه مناورات عسكرية ضخمة في سبها بالجنوب، نقطة انطلاقه في حملته السابقة إلى طرابلس عام 2019.
فتيل حرب مقبلة
وقال الأكاديمي والباحث في العلاقات الدولية أحمد عبود إن "المذكرات الموقعة بين تركيا وكل من حكومة السراج وحكومة الدبيبة ستؤدي إلى إحياء الصراع في شرق المتوسط". وأوضح أن "تركيا تحاول الوصول إلى تنفيذ مشروعها المتمثل في (الوطن الأزرق)، لكن خلافاتها حول ترسيم المياه الاقتصادية الإقليمية مع كل دول شرق المتوسط حالت دون ذلك، فحاولت استغلال الهشاشة السياسية لحكومتي السراج والدبيبة لتحقيق مكاسب تساعدها على أن تكون في موقف قوة، باستغلال حقول النفط والغاز في ليبيا".
وحذر عبود من "اندلاع حرب بسبب المذكرة الليبية - التركية، بخاصة في ظل نقص مصادر الطاقة الذي تعانيه القارة الأوروبية التي تستعد لمواجهة شتاء قارس بسبب الحرب الروسية - الأوكرانية، وتعطل إمدادات الغاز إليها، وأيضاً في ظل تعطل خط الغاز الممتد بين ليبيا وإيطاليا بسبب عمل تخريبي في الفترة الماضية". ورأى أن "كل هذه المؤشرات تقول إن المنطقة مقبلة على اشتعال إقليمي ستكون وقوده الاتفاقية التركية - الليبية، التي قد تنتهي بسقوط المنطقة الغربية تحت سيطرة تركيا، خصوصاً أنها ستكون موجودة بالسواحل الليبية ولديها قوة عسكرية على الأرض".
وعبر المرشح الرئاسي سليمان البيوضي عن تخوفه أيضاً من أن تقود مذكرة التفاهم مع تركيا في شأن النفط والغاز في المنطقة الاقتصادية الليبية البلاد إلى كارثة حقيقية. وقال إن "هذا العبث يجب أن يتوقف، المساس بالثروات الوطنية بهذه الطريقة يمثل خطراً داهماً للأمن القومي الوطني، لقد تجاوزنا مسألة الخلاف السياسي وباتت ليبيا معرضة لكارثة كبرى".
ووجه الأكاديمي والباحث السياسي جبريل العبيدي رسالة تحذير إلى الليبيين في شأن الأزمة التي تمر بها البلاد، وتداعيات التدخلات الخارجية وتقاطع مصالح دول كبرى في بلادهم، قائلاً "من يظن أن الأزمة في ليبيا هي ليبية خالصة فهو مخطئ، ليبيا كعكة بترول وغاز لا يمكن تركها لليبيين، ولهذا الأزمة في بلادنا أصبحت دولية بأيد ليبية للأسف".
تحرك إلى ساحات القضاء
في السياق، بدأ بعض الشخصيات السياسية والحقوقية في ليبيا التجهيز لنقل ملف الاتفاقية الموقعة أخيراً بين تركيا وحكومة الوحدة في طرابلس إلى المحاكم الوطنية لإلغائها، قبل أن تقود البلاد إلى صراع بين أطراف محلية ودولية عدة. وأكدت المحامية وعضو ملتقى الحوار السياسي آمال بوقعيقيص أن" القضاء الإداري الليبي سيصدر حكماً بإلغاء مذكرة التفاهم مع تركيا." وأضافت "العقد شريعة المتعاقدين وكلمة العقد تنصرف على كل الاتفاقيات، وبعد أن صدرت خريطة طريق جنيف، وتم فيها تحديد مهام السلطة التنفيذية قبل فتح باب قبول قوائم الترشح للحكومة، ومن ضمن هذه القوائم كانت قائمة الدبيبة"، واعتبرت أن "هذا يعني ضمناً القبول بكل ما جاء في خريطة الطريق وحدود الصلاحيات الممنوحة فيها للحكومة، ومنها الالتزام بعدم عقد أي اتفاقات دولية ترتب التزامات طويلة الأجل على ليبيا، وبذلك فإن حكومة الدبيبة خالفت شروط تكليفها، والتي على أساسها وفي حينه تم منحها الثقة من مجلس النواب، ناهيك بمسائل عديدة أخرى". وتابعت أنه من "دون أدنى شك سيكون للقضاء الإداري الليبي حكمه الفصل بإلغاء قرار مذكرة التفاهم في شأن استثمار الطاقة الهيدروكربونية بين دولتي ليبيا وتركيا".
مباحثات إقليمية
في الأثناء بدأت دول إقليمية بارزة مباحثات مشتركة لدراسة اتخاذ الإجراءات اللازمة لحفظ حقوقها التي تتعدى عليها الاتفاقية بين طرابلس وأنقرة من وجهة نظرها، في مقدمتها مصر واليونان ومالطا وإيطاليا.
ففي مالطا أجرى الرئيس المالطي جورج فيلا محادثات ثنائية منفصلة مع الرئيسة اليونانية كاترينا ساكيلاروبولو ونظيره الألماني فرانك فالتر شتاينماير، الموجودين في بلاده، حول التطورات في البحر المتوسط وملف الهجرة والوضع في ليبيا.
وأشار فيلا بشكل ضمني خلال لقائه الرئيسة اليونانية إلى مذكرة التفاهم الموقعة بين حكومة الوحدة الموقتة وأنقرة حول التنقيب عن موارد الطاقة قبالة السواحل الليبية. وشدد على أن "القانون الدولي هو الوسيلة الوحيدة القابلة للتطبيق لحل النزاعات المتعلقة بالحدود في شرق البحر الأبيض المتوسط".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
من جانبها أعلنت الحكومة اليونانية أن "وزير الخارجية اليوناني نيكوس دندياس سيتوجه، الأحد التاسع من أكتوبر (تشرين الأول)، إلى القاهرة لإجراء مباحثات حول عدد من القضايا من بينها تطورات الوضع في ليبيا وملف الطاقة"، وأفادت في بيان بأن "الوزير سيعقد اجتماعاً ثنائياً مع نظيره المصري سامح شكري، تعقبه محادثات موسعة مع المسؤولين المصريين حول العلاقات الثنائية بين البلدين، إضافة إلى آخر التطورات في بحر إيجة والشرق الأوسط وليبيا". وأشار البيان إلى أن "هذه الزيارة للقاهرة تأتي في إطار العلاقات الاستراتيجية بين اليونان ومصر والاتصالات المنتظمة بين وزيري خارجية البلدين حول القضايا ذات الاهتمام المشترك".
إصرار من طرابلس وأنقرة
في المقابل، عبرت حكومة الوحدة عن تمسكها بالاتفاقية الموقعة مع نظيرتها التركية، بل اتخذت خطوات لتعزيزها باتفاقيات في مجالات أخرى، كشف عنها وزير الاقتصاد والتجارة الليبي محمد الحويج من إسطنبول، والتي رافقه فيها وفد اقتصادي بارز على رأسه محافظ مصرف ليبيا المركزي الصديق الكبير، ضمن مشاركته في فعاليات (الملتقى الاقتصادي التركي العربي)، بعد أيام من توقيعه مذكرة التفاهم المثيرة للجدل مع تركيا.
وفي كلمته بالملتقى، قال الحويج إن "تركيا كانت وما زالت الشريكة الأولى في مشاريع البناء والبنية التحتية والتجارة في الماضي والحاضر وأيضاً المستقبل، والرؤية المستقبلية لحكومة الوحدة هي السعي إلى تنويع مصادر الدخل بالدولة الليبية مع تركيا ودول العالم أجمع وعدم الاعتماد على دخل النفط فقط". وأضاف "ليبيا تسابق الزمن للنهوض والتعافي مما يحتاج إلى مزيد من التعاون الاقتصادي بين ليبيا وتركيا ودول الخليج ودول العالم"، مؤكداً أن "تركيا كانت في صدارة الشركاء، إذ زاد حجم التبادل التجاري في السنوات الأخيرة مع ليبيا، مما يشجع التعاون والاستثمار بين البلدين". وتابع الوزير "نعمل أيضاً للانتقال إلى تنمية التجارة من خلال سلاسل التوريد والتصدير والخدمات عبر تجارة العبور، وتملك ليبيا موقعاً جغرافياً استراتيجياً مهماً في المنطقة بين أوروبا وأفريقيا ودول العالم، وتجارة العبور تسهل نقل البضائع من تركيا إلى أفريقيا". وأشار إلى أن "ليبيا فيها ثروات هائلة بحاجة للتنقيب والمسح الجيولوجي لاكتشاف الثروات المعدنية والموارد النادرة لإقامة المشاريع الضخمة المختلفة لتبادل المنفعة".