حمّل صحافيون ونشطاء حقوقيون السلطات الأمنية وزعيم حزب "الاتحاد الوطني" بافل طالباني المسؤولية عن حياة صحافيين اثنين بعد اعتقالهما من قبل قوة تابعة لمكافحة الإرهاب في محافظة السليمانية، في حين أعلنت كتلة "الحزب الديمقراطي" بزعامة مسعود بارزاني إدانتها لتعرض أحد أعضائها إلى إهانة على يد أفراد أمنيين تابعين لحزب طالباني.
وكان رئيس منظمة "ستوب" للرصد والتنمية فرمان رشاد أعلن تعرض رئيس تحرير وكالة "بوار نيوز" الإعلامية سرتيب قشقاي ومدير هيئة تحريرها إبراهيم علي إلى "اعتقال بأسلوب مافيوي من قبل الأجهزة الأمنية في محافظة السليمانية، بعد تعرض سيارتهم إلى إطلاق للنار"، داعياً إلى الإسراع في إخطار الجهات ذات العلاقة في إقليم كردستان وخارجه لحماية الصحافيين اللذين أصبحت حياتهما في خطر.
ودعا عشرات الصحافيين والنشطاء المدنيين في بيان إلى "وقف ترهيب واعتقال الصحافيين"، قائلين إن "الحفاظ على حياة الصحافيين المعتقلين مسؤولية الأجهزة الأمنية في السليمانية ورئيس حزب "الاتحاد الوطني" بافل طالباني شخصياً، لأن عملية اختطافهما عمل غير حضاري، وبداية جديدة أكثر خطورة من الانتهاكات السابقة التي ارتكبتها السلطات ضد الصحافيين والأصوات الحرة من أجل فرض سلطة قمعية وإسكات الأصوات الناقمة"، محملين "المؤسسات القضائية في الإقليم مسؤولية سوء المعاملة التي يتعرض لها الصحافيون، إذ يتم تحريف ملفهم في ميزان العدالة بقرار حزبي".
اعتقال تعسفي
إدارة الوكالة قالت في بيان إن "مسؤولين في الأجهزة الأمنية أعلنوا أن قوة من جهاز مكافحة الإرهاب التابع لحزب الاتحاد الوطني اعتقلت الصحافيين مساء الأحد الماضي قرب قضاء دوكان بمحافظة السليمانية بعد عودتهم من أربيل، وتم احتجازهم في سجن انفرادي".
وأوضحت أن "المسؤولين الأمنيين ذكروا أن عملية الاعتقال تمت بناء على أمر قضائي من دون الكشف عن مضمونه"، فيما لم يصدر أي رد من مديرية الأمن على هذه المزاعم.
وشددت الوكالة على رفضها "اتباع هذا الأسلوب مجدداً في اعتقال صحافيينا وكل الصحافيين في الإقليم من دون سابق إنذار، ونؤكد استعدادنا لمثول أي من صحافيينا أمام القضاء في حال أية دعوى قضائية ضدهم، لكن نشر جهاز أمن السليمانية صور المعتقلين لا يبرئ ساحته من الخرق الذي حصل في وقت يقضي الصحافي ليلته في الحجز بحجة عدم وجود قاضي خفر، وهي محاولة أخرى لتضييق الحريات الصحافية"، داعية "الجهات ذات العلاقة والمنظمات والبعثات الدولية إلى التدخل لوضع حد لهذه الانتهاكات ضد الصحافيين".
انتهاك وانتقائية
لكن عضو لجنة الثقافة والمجتمع المدني النيابية بورهان قانع كشف عن متابعة اللجنة ملف الصحافيين المعتقلين، وقال "تحدثنا مع المدير العام لأمن السليمانية وأكدنا أهمية أن يتعاملوا معهما وفقاً لقانون العمل الصحافي رقم (35) لعام 2007، الذي لا يسمح باعتقال أو توقيف الصحافي بناء على نشاطه المهني". وأضاف أنه تلقى "تطمينات بأن يتم التعامل مع الصحافيين وفقاً للقانون".
وذكرت وكالة "بوار" في بيان آخر لها الإثنين، التاسع من أكتوبر (تشرين الأول)، أن "جميع منصاتنا في شبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي وبخاصة ’فيسبوك‘ تتعرض إلى هجمات إلكترونية مكثفة تزامناً مع اعتقال صحافيينا"، مشيرة إلى أن "هذه الأفعال تأتي في إطار حملة تجري لإسكاتنا، وعليه نحمل رئاسات الإقليم الثلاث والأجهزة الأمنية مسؤولية الحفاظ على حياة الصحافيين".
وفي مطلع شهر أغسطس (آب) الماضي اتهمت منظمة "هيومن رايتس ووتش" المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان السلطات الكردية "باعتقال عشرات الصحافيين والنشطاء والسياسيين قبل احتجاجات كان مخططاً لها"، محذرة من أن "استخدام القمع التعسفي لقمع الاحتجاجات وترهيب النشطاء والصحافيين سيفاقم مظالم سكان الإقليم". وأكدت أنها "وثقت تصاعد استهداف وسائل الإعلام المستقلة والصحافيين المستقلين في الإقليم خلال السنوات الأخيرة، في ظل استخدام مجموعة من الأحكام القانونية المتعلقة بالتشهير والتحريض ضد المنتقدين، بمن فيهم صحافيون ونشطاء وأصوات معارضة أخرى".
من جهته، أعلن مدير مكتب نقابة الصحافيين في السليمانية كاروان أنور خلال مؤتمر صحافي مشترك مع لجنة حقوق الإنسان النيابية ومركز "ميترو" للدفاع عن حقوق الصحافيين، بعد تفقدهم أحوال الصحافيين، أن "أمر الاعتقال استند إلى القانون العراقي القديم وليس قانون الصحافة رقم (35) والمشرع في الإقليم عام 2007، من دون توجيه إخطار مسبق، وهذا مع الأسف يتكرر بحق بعض الصحافيين العاملين في الإقليم".
دعاوى حكومية
وفي السياق قالت رئيسة لجنة حقوق الإنسان النيابية بدرية إسماعيل "لقد تأكدنا من صدور دعويين قضائيتين ضد الصحافيين المعتقلين، واحدة من قبل جهاز مكافحة الإرهاب والثانية من قبل وزير المالية، وكلاهما تتعلق بدعاوى النشر"، مستدركة "أريد أن أطمئن أسرتي الصحافيين بأن صحتهما على ما يرام، ونأمل في أن يطلق سراحهما في أقرب وقت".
لكن رئيس مركز "ميترو" دياري محمد لم يخف شكوكه إزاء أسلوب تنفيذ عملية الاعتقال قائلاً إن "هذا من مهمات الشرطة وليس من مهمة جهاز متخصص في مكافحة الإرهاب، ثم إن الأخير هو صاحب الدعوى فكيف يمكنه تنفيذ أمر الاعتقال؟".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتشير بيانات مركز "ميترو" المعني بحرية الصحافة إلى رصد نحو 353 حالة انتهاك ضد 260 صحافياً ومؤسسة إعلامية خلال عام 2021، مع التحذير من تزايد حالات اعتماد قانون العقوبات العراقي القديم تجاه حرية التعبير".
وعاد المركز في أغسطس ليعلن رصد "78 حالة انتهاك ضد 60 صحافياً ووسيلة إعلامية" قبل وبعد احتجاجات دعا إليها حزب "الجيل الجديد" المعارض، ولاحقاً دعت القنصلية الأميركية في أربيل بعد لقاء مع عدد من صحافيي الإقليم إلى "عدم مضايقة الصحافيين والسماح لهم بحرية العمل بعيداً من المضايقات والترهيب والاعتقالات التعسفية".
كما أشار تقرير صدر عن منظمة "مراسلون" المعنية بحقوق الصحافيين في الإقليم في يوليو (تموز) الماضي إلى "رصد 71 حالة انتهاك بحق 140 صحافياً"، وذكر أن "الحالات تنوعت بين الاعتقال والمنع من التغطية والتمييز بين المؤسسات الإعلامية".
من جهتها تقول السلطات إن حرية التعبير مكفولة بموجب القوانين النافذة، "لكن بعض الأشخاص يستغلونها للتشهير أو بدافع إثارة الأزمات"، وأعرب رئيس الحكومة مسرور بارزاني خلال احتفال أقيم الأسبوع الماضي لمناسبة مرور عام على "إطلاق خطة الإقليم لحقوق الإنسان" التي تمتد لخمس سنوات، عن التزام حكومته "الدفاع عن القيم الديمقراطية وحقوق الإنسان والتسامح في إطار الدستور والقوانين والمواثيق والمعاهدات الدولية"، وأردف أن "الإقليم بالمقارنة مع عدد من الدول حقق تقدماً على مستوى التشريعات المتعلقة بحماية الأقليات والعنف الأسري وحقوق الإنسان، وكذلك في مجال حرية الصحافة".
مزاعم بإهانة برلماني
ومن جهة أخرى أعلن النائب عن كتلة "الديمقراطي" في برلمان الإقليم هلكوت لاله تعرضه "لمضايقة وإهانة من قبل عناصر في نقطة تفتيش ناحية عرب بمنطقة شارزور التابعة للسليمانية"، وتابع أن "الأمر بدا مقصوداً عن سابق إصرار، على رغم إبلاغي لهم بأنني أحظى بحصانة برلمانية وبكوني شخصية معروفة في المنطقة".
ويعيش الإقليم حالاً من الانقسام الإداري بخاصة على المستويين المالي والعسكري، نتيجة للخلافات المزمنة بين الحزبين الحاكمين "الديمقراطي" بزعامة مسعود بارزاني و"الاتحاد الوطني" بزعامة بافل طالباني، اللذين لا يزالان يعانيان آثار حرب أهلية خاضاها منتصف تسعينيات القرن الماضي.
النائب لاله أوضح أنه تعامل "بهدوء مع عناصر الأمن لكيلا تتفاقم المشكلة، وتجبناً لحصول حرب أهلية، كوني شخصية لها وزنها في الحزب الديمقراطي، وكذلك من الناحية العشائرية في المنطقة، فأنا تاريخياً مقرب من عائلة ملا مصطفى بارزاني مؤسس الحزب".
وأضاف، "اتصلت بأحد المسؤولين الأمنيين في السليمانية وهو من حزب الاتحاد لكي يتدخل، وبعد أن تحقق من الأمر قال لي إن هناك خطأ غير مقصود بسبب الإجراءات، وأنه باسم الحزب وجهاز الأمن يعتذر مما حصل".
وتابع "حياتي في خطر وسبق أن تعرضت إلى تهديد بالقتل، لكن لا يمكنني أن اتهم شخصاً أو جهة محددة".
كتلة "الديمقراطي" دانت الحادثة قائلة إن "إهانة زملائنا أمر مرفوض ولن نبقى صامتين من دون اتخاذ موقف"، مبينة أن "السيد لاله تعرض للإذال"، وطالبت "رئاسة البرلمان باتخاذ موقف وإجراء تحقيق جدي في الحادثة".
في المقابل، نفى المتحدث باسم مديرية أمن السليمانية ياسين سميع مزاعم لاله قائلاً إن "الحدث لم يكن بالصورة التي نقلها السيد النائب، بل إن أفراد نقطة التفتيش قاموا بواجبهم الروتيني اليومي، ومعلوم أن للنواب حصانة ولديهم مكانتهم، لكن يتوجب على النائب أن يعرف بنفسه كإجراء طبيعي، ويبدو أنه حصل سوء فهم ولم يكن هناك أي توجه مسبق لمضايقة السيد النائب، وكاميرات المراقبة تثبت ذلك".