تسعى الجزائر من خلال احتضانها أعمال القمة العربية، في دورتها الحادية والثلاثين، إلى جعلها قمة استثنائية لتزامنها مع إحياء الذكرى 68 للثورة الجزائرية، كما تتقاطع مع متغيرات عالمية طارئة قد تكون لها تداعيات مباشرة على المنطقة العربية، علاوة على ما تفرضه هذه التحولات من ضرورة التوجه نحو تشكيل كيانات قوية قادرة على مجابهة التحديات الجديدة.
والمتابع لمختلف هذه القمم العربية على مدى سنوات، يلاحظ عمق الانقسامات العربية، وفشل القمة في مختلف دوراتها السابقة في خلق كيان عربي موحد ومتماسك أو سوق عربية مشتركة أو عملة موحدة، بينما لا تزال الحدود تمثل عائقاً كبيراً بين الأقطار العربية، ومنها ما هو مصدر توتر إلى اليوم.
الاتحاد الأوروبي موحد ومتضامن مع أوكرانيا
وبينما لم تفلح الدورات السابقة للقمة العربية في إنشاء آليات ناجعة للتعاون العربي في المجال الاقتصادي، فإن الاتحاد الأوروبي الذي يضم 28 دولة وتأسس بناء على اتفاقية ماستريخت الموقعة عام 1991، توصل إلى وضع مؤسسات مشتركة، وعملة موحدة (اليورو)، وسياسة زراعية موحدة وصولاً إلى حرية التنقل بين دول الاتحاد الأوروبي من أجل تكامل اقتصادي أكثر نجاعة.
وفَرض الزعماء الأوروبيون أخيراً في إطار التضامن مع أوكرانيا في مواجهة روسيا، حزمة من العقوبات على موسكو، كما دعم الاتحاد الأوروبي أوكرانيا بتسعة مليارات يورو.
وقبل الاتحاد الأوروبي، نشأت مجموعة الدول الصناعية السبع في عام 1973، وأصبحت منذ ذلك التاريخ ملتقى رسمياً مهماً لمناقشة وتنسيق الحلول المتعلقة بالقضايا العالمية الكبرى، بخاصة في ميادين التجارة والأمن والاقتصاد والتغيرات المناخية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وحققت المجموعة نجاحات ملحوظة أبرزها إنشاء صندوق دولي لمكافحة أمراض الإيدز والسل والملاريا، الذي أنقذ حياة نحو 27 مليون شخص منذ عام 2002.
من جهة أخرى، وفي محاولة للتصدي للنفوذ الصيني المتنامي في قارة أميركا اللاتينية، طرح الرئيس الأميركي جو بايدن، شراكة اقتصادية جديدة مع بلدان أميركا اللاتينية، خلال قمة الأميركتين في لوس أنجليس في يونيو (حزيران) 2022.
مؤسسات العمل العربي المشترك معطلة
في المقابل، لم تنجح مؤسسات جامعة الدول العربية، وهي من أقدم وأعرق المنظمات الدولية التي نشأت عام 1945، أي مباشرة بعد الحرب العالمية الثانية، في إرساء آليات قوية تلتزمها الدول الأعضاء في التكامل العربي اقتصادياً ومالياً وعسكرياً.
يرى شاكر الحوكي أستاذ العلوم السياسية في الجامعة التونسية، رئيس الجمعية العربية للعلوم السياسية والقانونية، في تصريح لـ "اندبندنت عربية"، أن "لا مجال للمقارنة بين القمة العربية في مختلف دوراتها والقمم التي تعقد في الكيانات الاقتصادية والسياسية الأخرى، من حيث الفاعلية والرهانات المطروحة".
ويعتبر الحوكي أن "البيانات الختامية للقمم العربية لا تتجاوز التنديد والوصف ولا تتوصل إلى قرارات لها صبغة تنفيذية أو إلزامية"، لافتاً أن "الأزمات الكبرى التي هزت البلدان العربية كحرب الخليج، والأزمة السورية، والخلاف الجزائري المغربي، قصم ظهر العمل العربي المشترك".
ويستدرك أستاذ العلوم السياسية "على رغم الصعوبات، فإن هناك رهانات جديدة يمكن العمل على تحقيقها بالنظر إلى المتغيرات الدولية الحاصلة وحاجة الدول الكبرى إلى السوق العربية إنتاجاً واستهلاكاً".
ويضيف الحوكي إن "العمل العربي المشترك بقي محدوداً، ويعود ذلك إلى المؤسسات التي لم تستطع استيعاب الخلافات العربية، كما أنها تفتقد إلى الآليات الضرورية نظراً لاختلاف الخلفيات السياسية بين الدول والأنظمة العربية، علاوة على تبني الدول العربية لسياسات تقليدية لا تلتزم في أغلبها قيماً مشتركة كحقوق الإنسان والديمقراطية، علاوة على أنها متفاوتة في الوزن الاقتصادي".
وخلُص أستاذ العلوم السياسية أن "الدول العربية في منعطف تاريخي اليوم، إلا أنها لا تحسن التقاط اللحظة، ولا تعتبر من التاريخ، بخاصة وأن العالم اليوم يعيش تحولات جيوسياسية مهمة يمكن أن تسمح للدول العربية بأن تعيد تموقعها في الخريطة العالمية، نظراً لإمكاناتها الضخمة".
الجزائر لاعب إقليمي قادر على الإنجاز
من جهته، يعتبر رئيس مؤسسة ابن رشد للدراسات العربية والأفريقية، كمال بن يونس، في تصريح خاص، أن "القمة العربية التي ستعقد في الجزائر لها رمزية، لأن الجزائر لاعب إقليمي مهم، ولها أنصار في كل العالم، بما في ذلك في أفريقيا كما تتزامن مع ذكرى الثورة الجزائرية، علاوة على حاجة العالم إلى المحروقات الجزائرية، وهو ما تكشفه الزيارات الفرنسية الرسمية أخيراً إلى الجزائر".
ويعتبر أن "إعادة بناء النظام العالمي والإقليمي سيؤثر في مختلف القمم والتكتلات في العالم، الذي يمر بأزمة ناتجة من الحرب الروسية الأوكرانية، بما في ذلك الشعوب العربية".
ويشدد رئيس منتدى بن رشد للدراسات العربية والأفريقية، على أن "العمل العربي المشترك في أزمة منذ التسعينيات، على رغم محاولات رص الصف العربي ورأب الصدع، إلا أن القمة المقبلة تمثل فرصة لتفعيل العمل العربي المشترك، بخاصة وأن الجزائر استبقت القمة بتحقيق مصالحة فلسطينية - فلسطينية للتأكيد على أنها تلعب دوراً إقليمياً لا يستهان به في المنطقة العربية على غرار الأزمة في ليبيا ومساعيها لإيجاد تسوية بخصوص سد النهضة بين مصر وإثيوبيا".
ويرى بن يونس أن "العمل العربي المشترك في الميدان الأمني والمجال الاستخباراتي حقق نتائج طيبة، وهناك تنسيق أمني واستخباراتي وعسكري بين الدول العربية".
وحول التكامل الاقتصادي يرى أنه "نسبي ويعتمد أساساً على التعاون البيني مثلما هو الشأن بين تونس وليبيا، أو مصر والسودان"، لافتاً إلى أن "اقتصاديات أغلب الدول العربية مرتبطة بدول الشمال في أوروبا، بينما ترتبط دول الخليج إما بالولايات المتحدة أو الصين".
من جهة ثانية، يأمل العرب أن تمثل قمة الجزائر منعرجاً في تاريخ جامعة الدول العربية، وفي مسار العمل العربي المشترك من أجل أن تحوز الدول العربية المكانة التي تستحقها في الخريطة العالمية الجديدة، فهل تصنع هذه القمة ربيع العرب؟.