يبدأ أعضاء حزب المحافظين في أنحاء بريطانيا، وعددهم نحو 160 ألفاً، يوم السبت 6 يوليو (تموز)، التصويت العام لاختيار واحد من المتنافسين الرئيسين على زعامة الحزب ورئاسة الحكومة خلفاً لرئيسة الوزراء المستقيلة تريزا ماي. وبحلول 22 يوليو (تموز) تكون نتيجة التصويت العام قد أعلنت وعُرف اسم رئيس الحكومة البريطانية الجديد.
حتى الآن، تشير كل استطلاعات الرأي إلى تقدم بوريس جونسون على منافسه جيريمي هانت، في سباق خلافة ماي. وكان جونسون فاز بضعف عدد الأصوات التي حصل عليها هانت في الاقتراعات السرية لنواب حزب المحافظين في مجلس العموم (البرلمان البريطاني) الشهر الماضي.
ويتوقع كثير من المراقبين أن يكون فوز جونسون في التصويت العام أكبر منه في تصويت النواب، كما يُلاحظ أن وسائل الإعلام ذات التوجه اليساري والليبرالي عموما تصعّد من انتقاداتها للمرشح الأوفر حظاً للفوز، بطريقة تشبه إلى حد كبير موقف الإعلام الأميركي من مرشح الرئاسة دونالد ترمب في انتخابات 2016، التي فاز بها ترمب.
وبدأ المرشحان المتنافسان طرح الوعود الانتخابية، وأغلبها يتعلق بالموقف من الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي (بريكست)، وخطط دعم الخدمات العامة والتخفيف عن كاهل المواطنين، وهو ما اضطر وزير الخزانة، فيليب هاموند، إلى تحذير كلا المرشحَين من أن "المبلغ الاحتياطي" الذي خصّصه لمواجهة تبعات "بريكست"، وهو 26 مليار جنيه إسترليني، لن يتبقى منه شيء لتمويل وعودهما بالإنفاق العام في حالة "بريكست" من دون اتفاق.
الفارق بين المرشحَين
في تعليق لأحد كبار المحللين السياسيين في الإعلام البريطاني، لاحظ أن رسامي الكاريكاتير الموهوبين يجدون صعوبة في رسم شخصية جيريمي هانت، بينما يرسمون بسهولة بوريس جونسون. واعتبر ذلك دليلا على "وضوح" شخصية جونسون مقابل شخصية هانت "الباهتة".
يعكس ذلك الفارق الأهم بين المرشحَين لرئاسة الحكومة، إذ يمثّل هانت استمراراً للوضع الراهن، الذي لا يعتبره كثير من البريطانيين جيدا، بل إن بعض كتّابهم ومعلّقيهم يصفونه بأنه أسوأ فترة في تاريخ الحياة السياسية البريطانية.
في المقابل، يعتبر جونسون تمرداً على الوضع الراهن، ويمكن استنتاج ذلك بسهولة من فترة شغله منصب عمدة لندن، ومن عمله وزيراً للخارجية في حكومة المحافظين أخيرا. وبمتابعة تصريحاته منذ بدء السباق على زعامة الحزب الحاكم تجد أنها مقبولة أكثر من جيل الشباب في بريطانيا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يتذكر الملايين من سكان لندن السنوات الثماني التي تولّى فيها منصب عمدة المدينة تشجيعه المواطنين على استخدام المواصلات العامة بقراره نشر مزيد من رجال الشرطة عند محطات "الباصات"، وكيف أدخل مشروع الدراجات في الشوارع، بخاصة وسط المدينة، برعاية بنك "باركليز"، حتى عُرف باسم "درّاجة بوريس".
ومنذ تلك الفترة، ما بين 2008 و2016، انتشرت في أغلب شوارع لندن حارات خاصة بالدراجات تشجع على ركوب الناس للدراجات وتحافظ على سلامة القيادة في الطرقات كذلك، وما تلك إلا واحدة من كثير من ملامح تولي الرجل المسؤولية في منصب عام.
في المقابل، يتذكر البريطانيون لجيريمي هانت أنه حين كان وزيراً للثقافة والإعلام في حكومة ديفيد كاميرون لم يكن مقبولاً، لا من الصحافة والإعلام، ولا من الجماهير. وعندما تولى وزارة الصحة بعد ذلك، قبل أن يتولى حقيبة الخارجية أخيرا وحتى الآن، انتقده العاملون في التأمين الصحي الحكومي لخفضه الميزانية، وانتقده الجمهور لاقتراحاته بأن يسلك الناس سلوكا صحيا يقلل الضغط على النظام الصحي.
الدولة "المربّية"
فيما لم يسمع البريطانيون من جيريمي هانت سوى تعهداته دعم المتضررين من "بريكست" بإنفاق عام كبير من قبل الحكومة، تتوالى تعهدات بوريس جونسون التفصيلية حول مشروعات الخدمات العامة. وفي الوقت نفسه تعهد جونسون الحفاظ على القاعدة المهمة لدى حكومات المحافظين المتتالية، وهي "المسؤولية المالية"، أي الحفاظ على معدل منخفض من اقتراض الحكومة لتمويل الإنفاق، وبالتالي الحفاظ على عجز الميزانية في حدود منخفضة.
يتعهد بوريس جونسون كذلك إنهاء دور "الدولة المربّية Nanny State"، أي التي تفرض على المواطنين سلوكهم وطريقة حياتهم. ويتسق هذا الطرح مع التوجه الرأسمالي العام باقتصار دور الدولة على التنظيم عبر اللوائح والقوانين، وليس الدفع باتجاه أسلوب معين للعيش عبر سياسات ضرائبية أو برسوم وغرامات على المخالفين.
ويتوقع كثيرون أن يغيّر جونسون شكل الحكومة في حال فوزه بالحكم، مقلّصاً عدد الوزارات ودامجاً إدارات مختلفة مع بعضها لتقليل الترهّل البيروقراطي. لذا، يرى كثير من أعضاء حزب المحافظين أن جونسون هو القادر على قيادة الحزب للفوز في انتخابات عامة على حزب العمال المعارض بزعامة جيريمي كوربن.
كذلك، يُنظر لجونسون على أنه الأفضل لقيادة "بريكست" بموقفه الواضح ضد البيروقراطية الحكومية للمفوضية الأوروبية. والمثير أن الأوروبيين يفضلون جونسون رئيساً للحكومة، كما بدا من تصريحات عدد من المسؤولين الأوروبيين، رغم موقفه الأقرب لـ"بريكست" من دون اتفاق.
وصرح جونسون أيضا بأنه قد يلغي الضريبة المفروضة على الأغذية والمشروبات المحتوية على السكر باعتبارها تضرّ بالطبقات الفقيرة أساسا. وكانت "ضريبة السكر" فرضت العام الماضي من قبل الحكومة كإجراء لمكافحة زيادة نسبة البدانة والسمنة في بريطانيا وكذلك الأمراض المرتبطة بهما،
حتى أن البعض يتوقع أن يعيد جونسون كرئيس للوزراء النظر في بقية الضرائب والرسوم المشهورة بوصف "ضرائب الخطايا Sin Tax"، أي تلك المفروضة على منتجات التبغ والكحول. والهدف الحكومي من زيادة تلك الرسوم سنويا بمعدلات أضعاف نسبة التضخم في البلاد هو دفع الناس للابتعاد عن التدخين والكحول لتقليل الضغط على النظام الصحي من الأمراض التي يسببها الشرب والتدخين.
إلا أن بوريس جونسون يرى أن الحكومة لا يجب أن تعمل كـ"مربّية"، وهو ما يلاقي ترحيبا شديدا بخاصة في أوساط الأجيال الأصغر سناً في بريطانيا.
الجيش والشرطة
لا يعني التقليل من دور الحكومة أن تفقد الدولة سلطتها، بل على العكس، تعهّد بوريس جونسون زيادة ميزانية وزارة الدفاع بنسبة 25%، كما تعهد إضافة 20 ألفا لقوة الشرطة البريطانية. وإذا كانت الزيادة في أعداد الشرطة تكلف 1.1 مليار جنيه إسترليني، فإن جونسون تعهد زيادة ميزانية التعليم بما يصل إلى 4.6 مليار جنيه إسترليني حتى 2023.
تحديد دور الحكومة لا يعني الانتقاص من هيبة الدولة وقدرتها على فرض النظام والأمن في الداخل والدفاع عن مصالح بريطانيا في الخارج وحماية حدودها. وهو دور الجيش والشرطة الذي وعد جونسون بدعمه وتوفير التمويل الحكومي اللازم لتقويته.
كما يتوقع أن تمنح حكومة جونسون الشرطة البريطانية صلاحيات أوسع لتوقيف الناس وتفتيشهم في إطار تشديد مكافحة الجريمة والإرهاب. وإذا كان ذلك يزعج الليبراليين واليساريين إلا أنه يثير حماس بقية البريطانيين القلقين من ارتفاع معدلات الجريمة العنيفة في شوارع مدنهم.
صحيح أن الإعلام بدأ في التصعيد ضد نغمة "الإجراءات الشعبوية" التي يعد بها جونسون، إلا أن هذا لا يؤثر كثيرا في عمليات الاقتراع، حيث يصوّت المواطن البريطاني دوما لمن يضمن له أمن الشارع وسلامة المواصلات والصحة والتعليم، بالطبع مع قلة الضرائب وزيادة الدخل.
ترمب البريطاني
بعيدا عن سخرية الإعلام البريطاني من قَصّة شعر بوريس جونسون، وتشبيهها بشعر الرئيس الأميركي دونالد ترمب، فإن أوجه الشبه بين الشخصيتين كثيرة جدا، وأغلبها لصالح تقدم جونسون وتفضيل البريطانيين له رئيساً لحكومتهم. ووصل الأمر بالبعض إلى وصف جونسون بأنه "ترمب البريطاني".
ثم هناك جذر مشترك للرجلين، وهو "الاهتمام الإعلامي"، حتى أصبحا من المشاهير. فشهرة ترمب لا تعود إلى كونه رجل أعمال في مجال العقارات، وإنما أكثر لبرنامجه التلفزيوني الشهير الذي جعل منه نجماً ذائع الصيت. كذلك بدأ جونسون علاقته بالحياة العامة مراسلاً وصحافياً، وقبل سنوات أنتج سلسلة برامج وثائقية تلفزيونية.
وعلى عكس ما نقرأ ونسمع ونشاهد في الإعلام، فإن نسبة كبيرة من البريطانيين تحبذ هذا التشابه الذي يصبّ لصالح أفضلية جونسون كرئيس الحكومة المقبل بنهاية الشهر. حتى الانتقادات التي توجه لبوريس جونسون تزيده شعبية، في الأقل بين أعضاء حزبه.
فموقفه من الهجرة والمهاجرين الذي لا يعجب الليبراليين هو موقف أغلبية البريطانيين العاديين. حتى موقفه الذي يصفه البعض بأنه "معادٍ للإسلام" هو موقف أغلبية الشعب البريطاني، بخاصة بعد أحداث الإرهاب التي تعرضت لها لندن ومانشستر.
أما من ينتقدون مواقف جونسون في السياسة الخارجية، وأنه مرة خلط بين اليمن ولبنان في اجتماع للحكومة حتى صححته تريزا ماي، فانتقادهم يزيد من رصيده لدى الجماهير التي ترى أنه يركز أكثر على الداخل ومصلحة المواطن البريطاني، بالضبط كما يحدث مع ترمب.