أعلنت الحكومة الهولندية انضمامها إلى جهود القوى الدولية لتحديث قوات البيشمركة الكُردية، إلى جانب كُل من الولايات المُتحدة وألمانيا والمملكة المُتحدة، التي اتخذت مُنذ قُرابة العام الكثير من الإجراءات التشريعية والتنظيمية والمالية لبدء مشروع ضخم خاص بإعادة هيكلة هذه القوات وتنظيمها وتدريبها، التي تُعتبر بمثابة جيش خاص بإقليم كُردستان العراق، ويعترف الدستور العراقي بها كواحدة من مؤسسات المنظومة الدفاعية العراقية.
خطوات متكاملة
تأكيدات الحكومة الهولندية جاءت على لسان القنصل الهولندي العام في إقليم كُردستان العراق، الذي أكد لوسائل إعلام محلية كُردية زيادة بِلاده زخم توجهها وتوافقها مع الدول الأخرى لتحديث هذه القوات.
المشروع المُقدم من هذه الدول مُختلف عما تقدمه من مساعدات مالية وعسكرية وتدريبات تقليدية لهذه القوات، بل يتقصّد المشروع المطروح، الذي يتألف من 35 نقطة متكاملة، وعُرض على برلمان إقليم كُردستان في نوفمبر (تشرين ثاني) من العام الماضي وحاز موافقته، يتقصّد ما يُمكن اعتباره إعادة تأسيس هذه القوات. بدء تشكيل هياكله ومؤسساته التنظيمية، بالذات كالكُليات العسكرية الاختصاصية التي يجب أن تخرّج ضباط هذه القوات، مروراً بالعقيدة القتالية والرمزية لها، وليس انتهاء بنوعية التدريب والأسلحة التي ستُقدم لها بشكل دوري من قِبل هذه الدول.
ارتفعت أهمية قوات البيشمركة طوال السنوات الأخيرة لسببين رئيسين، فهي أولاً استطاعت أن تحمي إقليم كُردستان العراق كمنطقة شديدة الأمان ضمن عموم العراق الذي شهد أشكالاً كثيرة من الحروب الأهلية الداخلية، وقد امتد ذلك الهدوء الذي وفّرته قوات البيشمركة حتى مرحلة امتداد الاضطرابات إلى أغلب دول المنطقة. كذلك فإن قوات البيشمركة شاركت بزخم إلى جانب الجيش العراقي وقوات التحالف الدولي في معارك محاربة الإرهاب، وكانت واحدة من أكثر القوى العسكرية انضباطاً والتزاماً بما يصدر لها من قِبل قادتها السياسيين. هذان الأمران اللذان دفعا القوى الدولية لاعتبار البيشمركة قوة شريكة في مسألة استقرار الشرق الأوسط.
الأمين العام لقوات البيشمركة جبار ياور كان قد عقّب على مضامين المشروع المُقدم من هذه الدول، مؤكداً إصرار الجانب الكُردي تنفيذها بحذافيرها، لأن ذلك يدخل في صالح حالة الاستقرار والتنمية الاقتصادية والسياسية في الإقليم. مُدير الإعلام والثقافة في وزارة البيشمركة اللواء بابكر فقي كان قد أعلن أن خمس نقاط من أصل الـ 35 نقطة التي في المشروع الدولي قد تم تنفيذها فعلياً، وأن وزارته بصدد تنفيذ 12 أخرى راهناً. لكن استدرك قائلاً إن تنفيذ كامل نقاط المشروع يحتاج إلى فترة تمتد من ثلاث إلى خمس سنوات.
مُعضلتان جوهريتان
تأسست قوات البيشمركة أوائل الستينيات من القرن المُنصرم، كجناح عسكري للحركة القومية الكُردية، بالذات الحزب الديمقراطي الكُردستاني، الذي كان يقود كفاحاً مُسلحاً مناهضاً للسُلطات المركزية العراقية. لكن المعنى العام للكلمة، والتي تعني حرفياً الفدائيين باللغة الكُردية، تطورت تدريجاً لتشمل الأجنحة العسكرية لمُعظم الأحزاب الكُردية كافة طوال العقود التي تلت ذلك. حيث تحولت هذه الأجنحة بعد نجاح انتفاضة العام 1991 الكُردية إلى مثابة جيش نظامي، ذي مؤسسات وتراتبية عسكرية وقواعد تنظيمية خاصة به.
على أن هذه القوات، والتي يُقدّر تعدادها بقُرابة مئة ألف مُقاتل، بقيت تعاني الكثير من المُعضلات، التي حالت دون تطورها الطبيعي وارتقائها إلى مستوى الجيوش النِظامية.
فأحداث الحرب الأهلية الداخلية الكُردية في أواسط التسعينيات لا تزال ذات تأثير في تنظيمات هذه القوات وعقيدتها، التي وإن كانت مُنذ العام 2003 منضوية تحت وزارة واحدة تابعة لحكومة إقليم كُردستان العراق، إلا أنها مُنقسمة فعلياً بين الحزبين الكُرديين الرئيسين، الاتحاد الوطني والديمقراطي الكُردستاني، بالذات في منظومة الولاء السياسي.
كذلك فإن قوات البيشمركة تعاني عدم وضوح العلاقة في ما بينها وبين الحكومة المركزية العراقية. فعلى الرغم من أن الدستور العراقي يعترف بها كجزء من منظومة الدفاع العراقية، إلا أن تلك العبارة الغامضة كانت ذا أثر سلبي على علاقة الحكومة العراقية مع هذه القوات طوال السنوات الماضية. فالأولى لم تسعَ إلى حل هذه القوات، أو أنها لم تستطع كما يرى المراقبون الكرد، إلا أنها سعت إلى إضعافها بكُل شكل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
فقوات البيشمركة لم يتم التعامل معها باعتبارها مؤسسة سيادية عراقية، وعلى المستويات كافة. فالجيش العراقي لم يُقدم لها أي حصة واضحة من سلة مُشتريات الأسلحة العراقية، التي بلغت قيمتها عشرات مليارات الدولارات، على الرُغم من أن الحكومة المركزية العراقية كانت تستقطع جزءاً من حصة الإقليم من الميزانية المركزية لأجل تلك المُشتريات، التي كانت تعتبرها مصاريف سيادية.
الأمر نفسه يصح على دفع رواتب قادة قوات البيشمركة وعناصرها، ونوعية الأسلحة التي سمحت الحكومة المركزية لقوات البيشمركة باستحواذها، والتي تخلو تماماً من أية منظومة دفاعية صاروخية أو سلاح للطيران.
مشروع مُضاد
في الوقت ذاته الذي يكتسب مشروع تحديث قوات البيشمركة من قِبل القوى الدولية زخماً خاصاً، فإن دعوات صدرت عن بعض القوى السياسية العراقية طالبت بأن يتم التعامل مع قوات البيشمركة كما يتم التعامل مع فصائل الحشد الشعبي. خصوصاً بعد صدور الأمر الديواني الأخير من رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي، والذي ركّز على ضبط فصائل الحشد الشعبي وفصلها عن القوى السياسية الراعية لها، إلى جانب تابعيتها التامة إلى هيئة الأركان العامة للجيش العراقي.
زعيم ائتلاف النصر ورئيس الوزراء العراقي الأسبق حيدر العبادي ظهر وكأنه يقود هذه الحملة، إذ قال في بيان خاص أن تُعامل قوات البيشمركة مُعاملة فصائل الحشد الشعبي. مُعتبراً أن ذلك يدخل في مسار تعزيز الدولة وقوتها وسيادتها، بحسب البيان الصادر عن العبادي، الذي أضاف: "استثناء أية قوة خارج إطار التنظيم والسيطرة والتوجيه الحكومي سيرسخ تشظي الدولة وانقسام سلطاتها وذهاب هيبتها وسيادته". وعلى خُطى العبادي، طالب عدد من البرلمانيين العراقيين، وبالذات البرلمانيون التُركمان، بأن يتم ضبط قوات البيشمركة ضمن تنظيمات الجيش العراقي وتابعيته.
لكن المتابعين الكرد قلّلوا من أهمية بيان ائتلاف النصر، الذي تقلص تعداده إلى أقل من عشرة نواب، بعدما كان الكُتلة البرلمانية الثانية من حيث الحجم، لكن مُعظم أعضائها انضموا إلى كُتل أخرى، والقضية بالنسبة إلى العبادي هي مناهضة إقليم كُردستان العراقي، الذي كانت قواه السياسية المانع الأول أمام تجديد رئاسته لوزراء العراق.