يبدو أن البورصة المصرية أكثر الرابحين من قرار تحرير سعر صرف الجنيه المصري في مقابل الدولار الأميركي (التعويم)، إذ تحركت صعوداً احتفالاً بالقرار، وربحت الأسهم المقيدة في سوق المال أكثر من 35 مليار جنيه (نحو 1.4 مليار دولار)، الخميس 27 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وهو اليوم نفسه الذي تحرك فيه الجنيه بحرية من دون قيود في مقابل العملة الأميركية الخضراء.
وختمت سوق المال المصرية آخر جلسات أكتوبر الماضي بارتفاع المؤشر الرئيس للسوق (EGAX30) بنحو 15 في المئة، مغلقاً عند مستوى 11372 نقطة في أعلى نسبة صعود شهري على الإطلاق منذ بداية العام.
وفي صباح الخميس الماضي قرر البنك المركزي المصري تحريك أسعار الفائدة بمقدار 200 نقطة أساس، وهو ما أعقبه اعتماد سعر صرف مرن للجنيه المصري في مقابل الدولار الأميركي، ليسجل سعر الصرف في منتصف الخميس الماضي نحو 23 جنيهاً في مقابل كل دولار، قبل أن يتخطى في الوقت الحالي حاجز 24 جنيهاً.
3.4 مليار دولار أرباح
ووفق التقرير الشهري للبورصة المصرية عن الشهر الماضي صعد رأس المال السوقي لأسهم الشركات المدرجة 12 في المئة، لتربح الأسهم نحو 83.3 مليار جنيه (3.4 مليار دولار) خلال تداولات أكتوبر، بعدما ارتفع رأس المال السوقي من مستوى 688 مليار جنيه (28.34 مليار دولار) في إغلاق تعاملات سبتمبر (أيلول) الماضي إلى نحو 771.3 مليار جنيه (31.76 مليار دولار) في إغلاق تداولات أكتوبر 2022.
وعلى صعيد المؤشرات قفز المؤشر الرئيس "إيجي إكس 30" 16.3 في المئة، رابحاً نحو 1605 نقاط، بعدما صعد من مستوى 9827 نقطة في إغلاقات تعاملات سبتمبر الماضي إلى نحو 11432 نقطة بنهاية أكتوبر.
وواصلت البورصة سلسلة الأرباح في أولى جلسات نوفمبر (تشرين الثاني) أمس الثلاثاء، بعدما ختمت على ارتفاع جماعي وربح رأسمالها السوقي 6.6 مليار جنيه (284 مليون دولار)، ليغلق عند مستوى 771.335 مليار جنيه (31.76 مليار دولار). كما ارتفع مؤشر الشركات الصغيرة والمتوسطة "إيجي إكس 70 متساوي الأوزان" 0.15 في المئة، ليغلق عند مستوى 2254 نقطة، وصعد مؤشر "إيجي إكس 100 متساوي الأوزان" 0.34 في المئة، ليغلق عند مستوى 3286 نقطة.
وقبل ست سنوات، وبعد أقل من أربع أشهر من قرار التعويم الأول (في الثالث من نوفمبر 2016 حرر البنك المركزي المصري أسعار الصرف) حققت سوق المال مكاسب قياسية، وارتفع مؤشرها الرئيس عقب القرار 36.5 في المئة خلال نوفمبر 2016، ثم 7.7 في المئة خلال ديسمبر (كانون الأول) 2016، ثم واصل الارتفاع في يناير (كانون الثاني) 2017 بنحو 2.65 في المئة بدعم من مشتريات الأجانب التي بلغت 7.4 مليار جنيه (289 مليون دولار) خلال الأشهر الثلاثة مجتمعة، بحسب بيانات صادرة عن البورصة آنذاك.
خلاف بين المحللين
واختلفت آراء المحللين في حديثهم إلى "اندبندنت عربية" حول دفع قرار "التعويم" سوق المال المصرية لتحقيق مكاسب وارتفاع المؤشرات، إذ قال المستشار الأسبق لهيئة الرقابة المالية مدحت نافع، "نظرياً أي قرار تعويم أو اتباع نظام صرف أكثر مرونة يجب أن يكون في صالح الأسواق والقطاعات الاقتصادية"، مضيفاً "سوق المال المصرية إحدى أبرز الأسواق والقطاعات الاقتصادية، إذ إن أي مستثمر محلي أو أجنبي إذا أقدم على الاستثمار البورصة يبحث في القيمة الحقيقية أو العادلة للدولار، ويتأكد من أنه سعر صرف حقيقي مرن قبل أن يضخ أمواله في السوق".
وأشار نافع إلى أنه "قبل ذلك كان المستثمر قلقاً من سعر صرف أو حال وجود سعري صرف أحدهما رسمي والآخر في الأسواق الموازية"، مؤكداً أن "ذلك من الأمور والقرارات التي تدفع البورصة إلى الأمام إذا تضافرت بقية العوامل الإيجابية".
من جهتها أكدت عضو مجلس إدارة البورصة رانيا يعقوب أن قرار "التعويم" في صالح السوق بشكل كبير، مشيرة إلى أن "خفض قيمة العملة يعني تراجع الأسعار، مما يشجع المستثمرين المحليين والأجانب والعرب على الشراء، ويعزز من قيمة الأصول في سوق المال".
وتوقعت يعقوب أن تواصل السوق سلسلة الأرباح والمكاسب خلال الأسبوع المقبل ولفترة كبيرة، مستدركة "لكن بشروط"، موضحة أن "الدولة عليها تقديم دعم كبير للسوق خلال الفترة المقبلة لاستغلال سلسلة الأرباح"، لافتة إلى أنه "آن الأوان لإلغاء ضريبة الأرباح الرأسمالية على أرباح البورصة بشكل سريع، علاوة على السرعة في طرح الشركات العاملة في السوق، لتشجيع المستثمرين المصريين والعرب والأجانب".
مجرد مقامرة
وفي المقابل قال المحلل في أسواق المال وائل النحاس إن "قرار التعويم ليس في صالح البورصة المصرية على الإطلاق"، موضحاً أن "ما يحدث في السوق الآن من ارتفاع المؤشرات وتحقيق الأسهم المقيدة أرباحاً نتيجة دخول المؤسسات المحلية لشراء الأسهم لتعويض خسارتهم مع تراجع قيمة العملة المحلية"، موضحاً أن "المؤسسات فور علمها باتخاذ قرار ’التعويم‘ دخلت بكثافة لتعويض خسائر العملة بشراء مكثف للأسهم"، مشيراً إلى أن "تلك التحركات ليست إيجابية للسوق"، واصفاً تلك العملية بـ"المقامرة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتابع النحاس "الأصول سواء في البورصة أو الأصول الملموسة يجب أن يعاد تقييمها من جديد عقب خفض قيمة العملة المحلية في مقابل الدولار الأميركي حتى تمتص قيمة الخفض سريعاً وتظهر بقيمتها الحقيقية"، لافتاً إلى أن "المستثمرين والمؤسسات عند رغبتهم في إعادة التقييم يتم دفع ضرائب لا تقل عن 25 في المئة، مما يجعلهم يعزفون عن إعادة التقييم، ويجب على الدولة أن تتكاتف لتحسين السوق المصرية، خصوصاً أن البورصة إحدى الأوراق التي تمت عليها المفاوضات مع صندوق النقد الدولي للحصول على تمويل بقيمة ثلاثة مليارات دولار من الصندوق، وستة مليارات دولار أخرى من شركاء تجاريين آخرين"، موضحاً أن "مطالب الصندوق تتلخص بضرورة تخارج الدولة من النشاط الاقتصادي عبر طرح شركاتها في البورصة"، ومستدركاً أن "هذا لم يحدث حتى الآن، بل إن الدولة ممثلة في الصندوق السيادي أعلنت منذ أيام التراجع عن طرح شركات عامة في سوق المال نظراً إلى ضعف السوق"، لافتاً إلى أن "هذا أمر سلبي وليس إيجابياً"، متوقعاً أن تعاود سوق المال التراجع خلال الفترة المقبلة.
تأجيل طرح شركات الجيش في البورصة
في غضون ذلك قال المدير التنفيذي لصندوق مصر السيادي أيمن سليمان الأحد الماضي، إن "ظروف البورصة غير مواتية لطرح شركتي ’صافي‘ و’وطنية‘ التابعتين للجيش في البورصة خلال العام الحالي 2022". وأوضح في تصريحات نقلتها وكالة "رويترز" أن "ظروف البورصة غير مواتية لطرح الشركتين خلال العام الحالي 2022"، بعد أن أعلنت الحكومة في يوليو (تموز) 2022 تأهيل الشركتين المملوكتين للجيش المصري تمهيداً لطرحهما في سوق المال.
ومنذ بداية العام الحالي تراجع رأس المال السوقي لأسهم الشركات المدرجة بالبورصة خلال تسعة أشهر بنسبة 10.2 في المئة، لتخسر الأسهم نحو 78.2 مليار جنيه (3.20 مليار دولار)، وذلك بعد أن هبط رأس المال السوقي من مستوى 765.6 مليار جنيه (31.51 مليار دولار) في إغلاق تعاملات العام الماضي، إلى نحو 688 مليار جنيه (28.34 مليار دولار) في إغلاق تداولات سبتمبر الماضي.