Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

قصر "سيئون" بحضرموت يستعيد حضوره بمنحة سعودية

يعتبر أحد صروح الحضارة اليمنية وبني قبل نحو 500 عام

يعد قصر سيئون من أبرز المعالم التاريخية والأثرية في وادي حضرموت، كما يعد من أكبر القصور الطينية في العالم (أ ف ب)

حال من الانتشاء والأمل تعتري القمم المخذولة والأطلال المنكسرة التي تزين جوانب قصر سيئون التاريخي بمحافظة حضرموت (شرق اليمن)، باقتراب يد سعودية تعيد الحياة والأمل إلى ربوعه المدهشة بعد أن طاولها الخذلان والإهمال خلال العقود التي مضت.

وفي خطوة قوبلت بارتياح يمني واسع كونها تنتصر للتاريخ وللإرث الإنساني الزاخر، أعلن البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن أمس التوقيع على اتفاق مشروع إعادة تأهيل قصر سيئون التاريخي في حضرموت بالشراكة مع منظمة "يونيسكو"، بعد مطالبات لترميم المبنى التاريخي الذي سقطت أجزاء من أسواره أخيراً جراء الأمطار الغزيرة التي شهدتها البلاد خلال الأشهر الماضية، وتضرر المبنى الذي يعد من أهم المعالم الأثرية في اليمن.

صون التراث العربي الأصيل

وأمس وقع على اتفاق المشروع المشرف العام على البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن السفير محمد آل جابر، وممثل "يونيسكو" لدى دول الخليج العربية واليمن صلاح الدين زكي خالد.

ووفقاً لآل جابر، فالمشروع يهدف إلى المساهمة في دعم الحكومة اليمنية لحماية الآثار والمناطق التاريخية المعرضة للخطر، و"ذلك استمراراً لدعم المملكة للأشقاء في اليمن، وصوناً للتراث اليمني والعربي الأصيل"، وامتداداً "لدور المملكة الريادي واهتمامها، في العمل على حفظ وصون التراث المادي وغير المادي في اليمن، وإسهاماً في دعم الحكومة لحماية الآثار والمناطق التاريخية المعرضة للخطر في اليمن".

على الطراز ذاته

وفي مسعى للحفاظ على الطراز المعماري الفريد للقصر التاريخي الذي بني قبل نحو 500 عام من الطين ومواد البناء التقليدية حينها، أوضح بيان البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن، أن "أعمال الترميم ستنفذ عبر أياد عاملة يمنية، وبالتعاون مع الهيئة العامة للآثار والمتاحف في اليمن وبدعم لوجستي وفني من الصندوق الاجتماعي للتنمية في اليمن".

أما ممثل "يونيسكو" لدى دول الخليج العربية واليمن صلاح الدين زكي، فأكد أن المشروع سيعمل على إحياء دور قصر سيئون كمتحف ومركز للحياة الثقافية للمجتمع المحلي، فضلاً عن توفير فرص عمل للشباب اليمني.

وذكر أن منظمة "يونيسكو" تهدف من خلال المشروع، إلى تعزيز دور الثقافة من أجل بناء قدرات المجتمعات المحلية في اليمن، على التكيف والصمود والتعافي في ظل الحرب المستمرة والكوارث الطبيعية.

في تحد مع الزمن

ويعد قصر سيئون من أبرز المعالم التاريخية والأثرية في وادي حضرموت، كما يعد من أكبر القصور الطينية في العالم، ويتكون من سبعة طوابق و45 غرفة وعديد من الملاحق وصالات الضيوف والأفنية وإصطبلات الخيول وبساتين النخيل والفواكه، ولهذا فهو يحظى برمزية وأهمية ثقافية كبيرة تمثل كثيراً لقيم التراث اليمني والإنساني العالمي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يقول سفير اليمن لدى منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "يونيسكو" محمد جميح، إن المندوبية الدائمة للجمهورية اليمنية لدى "يونيسكو" تلقت خلال الفترة الماضية، تقريراً عن وضع قصر سيئون، والآثار التي تركتها الأمطار والتغيرات المناخية وعوامل التعرية والإهمال وأثرت بشكل مباشر في حال القصر. ولهذا "تواصلت مع البرنامج السعودي لتنمية وإعادة إعمار اليمن من جهة ومع يونيسكو من جهة أخرى لدراسة ما يمكن عمله، وبدورها طلبت المنظمة الدولية خطة عمل تفصيلية لترميم القصر الذي يعد تحفة فنية رائعة".

وأضاف السفير اليمني خلال حديثه لـ"اندبندنت عربية"، "باشر الزملاء في مكتب الهيئة العامة للآثار والمتاحف في سيئون إعداد الخطة، وتم إرسالها لليونيسكو التي وافقت عليها وبعد إقرار اليونيسكو للخطة وافق الجانب السعودي على تمويلها".

ماذا يمكن أن نفعل؟

يوضح جميح أن بداية المشروع كانت عبارة عن رسالة وصلتني من السفير آل جابر عبر تطبيق الواتساب يتساءل فيها "ماذا يمكن أن نفعل؟"، "ومن حينها باشرنا بإعداد خطة إعادة الترميم بمساعدة اليونيسكو، بعد أن استغرقت إجراءات الموافقة بعض الوقت لحين التوقيع على اتفاق ترميم القصر في العاصمة السعودية الرياض يوم الأربعاء، بحضور وزير الثقافة معمر الإرياني، والمشرف العام على البرنامج السعودي لتنمية وإعادة إعمار اليمن السفير محمد آل جابر، ومدير مكتب اليونيسكو لدول الخليج واليمن صلاح خالد".

أما عن موعد البدء في المشروع قال السفير إنه لم يتبق إلا أن تتعاقد "يونيسكو" ممثلة بمكتبها لدول الخليج واليمن مع جهة منفذة في اليمن لتنفيذ المشروع وفقاً للنمط المعماري، ليحافظ القصر على حضوره المشرق ومكانته الكبيرة في قلوب اليمنيين كرمز ثقافي فريد ونادر.

عد المؤرخون قصور اليمن القديمة بأنها أول ناطحات سحاب في العالم، أي أنها ظهرت قبل المباني الحديثة بستة آلاف عام منذ أيام مملكة سبأ وما قبلها في عهد النبي نوح، كما هو حال قصر غمدان التاريخي بصنعاء، الذي بناه سام بن نوح (مؤسس صنعاء)، إذ يعده المؤرخون أقدم قصور العالم وأندرها.

الدور السعودي

مراقبون قالوا إن المشروع يأتي في إطار مساعدة الحكومة لحماية التراث اليمني من الاندثار، امتداداً إلى دور المملكة العربية السعودية الريادي في المحافظة على تاريخ وآثار الجزيرة العربية والدول العربية والإسلامية، وهو ما دفع وزير الإعلام والثقافة والسياحة معمر الأرياني للثناء على الدور السعودي في بلاده، ومنه "الجهود المبذولة في مشروع ترميم قصر سيئون".

وأشار الأرياني إلى أن مشروع ترميم قصر سيئون ضمن 224 مشروعاً ومبادرة تنموية نفذها البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن في سبعة قطاعات أساسية، هي التعليم والصحة والمياه والطاقة والنقل والزراعة والثروة السمكية وبناء قدرات المؤسسات الحكومية، إضافة إلى البرامج التنموية.

مقر الدولة الكثيرية

ولجمال بنائه الفريد وعلوه الشاهق، اتخذت الدولة الكثيرية التي حكمت وادي حضرموت لفترة خلت، من القصر مقراً رئيساً لحكم سلاطين الدولة، بدأه السلطان بدر أبو طويرق (من سلاطين آل كثير) مقراً لإقامته عام 922 هجري بعد أن جدد منزله وبنى مسجداً إلى جواره، ومن حينها أصبحت مدينة سيئون عاصمة للدولة الكثيرية.

وبقيام ثورة الاستقلال ضد الاستعمار البريطاني والحكم السلاطيني في جنوب اليمن، التي نتج منها سقوط الدولة الكثيرية عام 1967م أطلق على القصر اسم قصر الثورة واستخدم مركزاً للشرطة ومقراً للمؤسسات الأمنية ومقراً لمتحف سيئون.

 وخلال عامي 2000 و2001 شهد القصر ترميمات شاملة بتوجيهات من الرئيس اليمني علي عبدالله صالح.

بني القصر من الطين إذ تزدهر في وادي حضرموت العمارة الطينية إلى اليوم، وذلك لملاءمتها جو الوادي الذي يتميز بالحرارة والجفاف والدفء في الشتاء.

ويتكون من خمسة طوابق وغرفتي نوم منفردتين تطلان على مزارع ووديان المنطقة، يستخدم الدور الأول قاعة للاجتماعات العامة والمراسيم، أما الدور الثاني فكان مستودعاً للمؤن والأسلحة ومحل إقامة للخدم، بينما الدور الثالث خاص بالمجلس السلطاني والمكتب الخاص، وخصص الدوران الرابع والخامس لإقامة العائلة السلطانية والضيوف من النساء.

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات