تجربة تجمع بين الحديث والمعاصر يقدمها معرض "الأبد هو الآن" من أمام أهرامات الجيزة في مصر للعام الثاني على التوالي، حيث يعرض توليفة فنية متميزة تجمع فنانين من ثقافات مختلفة يقدمون رؤيتهم الفنية لأعمال معاصرة تكون أهرامات الجيزة العظيمة جزءاً من تكوينها الفني.
أقيم المعرض العام الماضي في نسخته الأولى، وكانت سابقة جديدة أن تقام فعالية بهذا الشكل في منطقة الأهرامات لتلقى نجاحاً غير مسبوق، ويقدر عدد المشاهدين للمعرض طوال فترة إقامته بـ500 ألف شخص.
للعام الثاني على التوالي يقام المعرض بمشاركة متميزة من فنانين عرب وعالميين، لكنه هذا العام يتواكب مع استضافة مصر "مؤتمر المناخ" (COP 27)، مما استدعى إضافة البعد البيئي في الأعمال المقدمة وإلقاء الضوء على قضايا التنمية المستدامة.
مجد الحضارات القديمة
المعرض يقام تحت رعاية وزارة السياحة والآثار المصرية، ووزارة الخارجية، واللجنة الوطنية المصرية لمنظمة "اليونيسكو"، وهيئة تنشيط السياحة، بمشاركة 12 فناناً من 11 دولة من مختلف أنحاء العالم، وكانت نادين عبدالغفار مؤسسة "آرت دي إيجيبت" المنظمة للمعرض صرحت في بيان صحافي قائلة "لقد حفزنا نجاحنا العالمي العام الماضي على تطوير خطط جديدة ستذهل العالم مرة أخرى، لقد عملنا بجد على مر السنوات، ونحن فخورون بأن نقدم هذا المعرض الضخم للمرة الثانية في منطقة الأهرامات، أحد مواقع التراث العالمي لــ"اليونيسكو"، فهو موقع عالمي التأثير، ونحن نعمل على استلهام مجد الحضارات القديمة والربط بين القديم والجديد، والماضي والمستقبل، من خلال الأعمال الفنية التي يقدمها فنانون دوليون وإقليميون في تلك المنطقة التاريخية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضافت أن الأعمال التي سيشارك بها الفنانون هذا العام ستطرح من خلالها أسئلة مثل كيف يرى الفنانون العلاقة بين عالمنا القديم والمستقبل التكنولوجي؟ وما الآصرة التي تجمع بين المعالم الأبدية والبيئات المهددة بالانقراض؟ وما طبيعة علاقتنا بالأرض وسط العالم الرقمي المتنامي؟ وكيف يصبح الفنانون وكلاء التغيير؟ وكيف يمكننا إعادة تشكيل المستقبل؟
وأشارت إلى أن المعرض هذا العام يتزامن مع استضافة مصر مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ (27 COP) في شرم الشيخ، فهو إذاً يواكب عصر الأزمة البيئية، لذا فإن كثيراً من الفنانين المشاركين أكدوا مخاوفهم في شأن الاستدامة البيئية، وكثير من الأعمال المقدمة هذا العام معتمدة على مواد متنوعة من الألياف الزجاجية والصلب والحجر والرخام، وكلها من مصادر محلية تم إنتاجها في مصر، حيث سيجري عرض تلك الأعمال الفنية المعاصرة في الأهرامات من خلال تجربة مفعمة بالفن ومقترنة بمواد صديقة للبيئة.
وأضافت أن المعرض يتصور مستقبلاً يرتكز على معرفة عميقة بالماضي، و"الأبد هو الآن" ليس مجرد إحياء للتاريخ، بل لتقديم إرث فني معاصر في مكان ذي أهمية تاريخية عالمياً.
فنانون من دول مختلفة
تركز النسخة الثانية من المعرض على فكرة الوقت، والخلود، والأرض، والتاريخ، والبيئة، وأيضاً الإنسانية، ويشارك فيه فنانون من ثقافات مختلفة، فمن مصر يشارك كل من أحمد قرعلي وتيريز أنطوان، ومن العالم العربي التونسي آل سيد والإماراتية زينب الهاشمي والسعودي محمد الفرج، كما يشارك الإسباني Spy والإيطالي إيميليو فيرو والإسبانية الأميركية ناتالي كلارك والكاميروني باسكال تايو والسويدي من أصول سورية جوان يوسف والفرنسي جي أر، وأخيراً مشروع مواز مع "ليتر أوف لايت"، وهو عبارة عن مصابيح شمسية مصنوعة يدوياً تم تجميعها من قبل تعاونات نسائية من مدينة آسفي التراثية التابعة لـ"اليونيسكو" بالمغرب بالتعاون مع متطوعين.
يقول الفنان السعودي محمد الفرج لـ"اندبندنت عربية"، "الممارسات الفنية في اللحظة الراهنة متداخلة بحكم تغير الأدوات والتقنيات وسهولة الحصول على المعرفة، وهذا يزيد من أهميتها، وبخاصة في مثل هذا المعرض الذي قدم أعمالاً باستخدام تقنيات مختلفة ومواد متنوعة لفنانين من ثقافات متمايزة، والأهرامات من أكثر الأشياء التي تجسد فكرة الطموح الإنساني، فكيف تم بناء هذا المعمار الهائل بكل مراحله من قطع الأحجار ونقلها ونحتها، وعرض عملي بجانب الأهرامات جعلني أفكر في قيمة الوقت وفي فكرة الأثر الذي نتركه، وفي علاقة الحضارة بالعمل والعمال، فالمكان مليء بالإلهام، وفكرة أن يعرض فنان عمله بجانب الأهرامات هو فخر وشرف، إضافة للفخر بالعمل مع فريق عمل متميز في جميع مراحل التجهيز".
ويضيف "عملي المشارك اسمه (حارس الريح)، وهو كبسولة من المواد التي جمعتها من زيارة سابقة لمصر التقيت فيها مزارعين وعمالاً وصيادين، وجمعت منهم بعض المواد التي كونت عن طريقها هذا الشكل الذي يتفاعل مع الريح ويصدر صفيراً يعبر عن نتاج قصص وحيوات وأرواح هؤلاء الناس الذين أعطوني هذه الأشياء التي استخدمتها في العمل، وهي من مواد مثل البلاستيك والحديد وخيوط الصيد وجريد النخل، وحاولت أن يكون العمل إلى جانب كونه بصرياً وسمعياً أن يوصل شعور الاصطدام بين الأشياء الصناعية والطبيعية في الوقت نفسه، وأن يكون تجربة حسية متكاملة".
هرم بمفردات أخرى
حال فنية متميزة تجمع بين التراث الإسلامي وحضارة مصر القديمة مثلها واحد من الأعمال المشاركة في المعرض للفنان المصري أحمد قرعلي الذي يقول "مصر بلد لها تاريخ فني عظيم على مدار العصور، وهي تستحق أن تقود الحركة الفنية، وهذه الفعاليات المتنوعة أخيراً تمثل محاولة للتفاعل مع الإرث الثقافي والمعماري بمشاركة فنانين من مصر وخارجها وتقديمهم رؤى فنية تتفاعل مع المنطقة بكل مفرداتها، وهذا المعرض يمثل محاولة لتسليط الضوء على الحركة الفنية في مصر".
وعن رؤيته لتفاعل الجمهور الكبير مع مثل هذه النوعية من الفعاليات يشير إلى أن "الإقبال الكبير من الجماهير يدل على أن الناس متعطشة للفن، والخروج بأعمال فنية من الإطار المألوف وعرضها في مثل هذه الفعاليات حقق نجاحاً كبيراً، وإن كان الشكل التقليدي للمعارض، وهو الغاليرهات وقاعات الفنون مطلوب أيضاً ويقبل عليه الجمهور، فهناك تكامل بين كل منهما، وفي النهاية فإن الجمهور المصري واعٍ ومهتم بالفن لأن الفنون المختلفة تمثل جزءاً من تركيبة الناس والمجتمع على مدار التاريخ".
وحول عمله الفني المشارك يقول قرعلي "هو بعنوان (هرم بمفردات أخرى)، وفلسفته العامة قائمة على فكرة أن العمارة الإسلامية كانت في أوج ازدهارها في حقبة المماليك، ثم بدأت في التراجع، فماذا لو استمر هذا التألق في البنيان بالبهاء والصنعة والدقة نفسها؟ وكيف كانت ستبدو المباني في العصر الحالي؟ وكيف سيكون شكل الهرم لو كان بني بهذه المفردات المعمارية؟ هذا هو ما حاولت أن أجسده في العمل".
روح معاصرة لحتحور
الحضارة المصرية القديمة شكلت مصدراً أساسياً لإلهام الفنانين المشاركين في المعرض. تقول الفنانة الإسبانية الأميركية نتالي كلارك "أن يعرض الفنان واحداً من أعماله أمام واحدة من عجائب الدنيا السبع فهذا يمثل تحدياً وشيئاً ملهماً وشرفاً عظيماً، وأن أكون ضمن مجموعة من الفنانين يمثلون ثقافات مختلفة ومدارس فنية متنوعة يقدمونها في أعمالهم، فهذا شيء على قدر كبير من الأهمية للفنان، وأعتقد أن أي وسيلة يمكن استخدامها لتعريف الناس بخطورة قضايا التغير المناخي والإجابة عن تساؤلاتهم وطرح أفكارهم من خلال الفن شيء عظيم، فالفن لغة بصرية عالمية، وبإمكاننا أن نعطيه صوتاً قوياً من خلال الفعاليات والمحافل الدولية، فنحن نتعلم من اختلافاتنا أن ما يجمعنا ليس كوننا متشابهين، ويمكن أن يقوم الفن بهذا الدور بجدارة".
وعن فلسفة عملها المشارك في المعرض تقول كلارك "تمثل قطعة (روح حتحور) الإلهة الأنثوية، والعمل يمثل تكريم الآلهة القديمة في سياق معاصر، ويمكن القول إن حتحور كانت أكثر النساء المصريات المحبوبات في العالم القديم، فقد مثلت كل ما هو أنثوي مثل الجمال والخصوبة، وكانت على شكل البقرة التي تحمل الشمس في قرنيها، حيث كانت الشمس تشرق من تحت العالم في الصباح وتنير الدنيا، وروح حتحور هي تجريد لجوهرها، فهي جميلة، أنيقة، رشيقة، ولكنها قوية، وجدير بالذكر أنني استخدمت في العمل مواد تبدو في ظاهرها ذكورية للغاية، حيث ترتفع الأبواق المتشابكة المصنوعة من الفولاذ من هضبة الجيزة العظيمة وتحمل بداخلها شمساً رخامية".
وتضيف "تأثرت كثيراً بعدد اللاتي تفاعلن معي ومع عملي من الفتيات الصغيرات، مروراً بكل الأجيال التي تضامنت مع فكرة تمكين المرأة واستحضار قوتها الداخلية التي نحن في أمس الحاجة إليها حالياً".