مع استمرار تشديد السياسة النقدية لمواجهة التضخم المرتفع، فقد مالكو المنازل في الولايات المتحدة الأميركية نحو 1.5 تريليون دولار من قيمة منازلهم منذ شهر مايو (أيار) الماضي، مع استمرار تراجع أسعار العقارات.
ووفق بيانات "بلاك نايت" فقد ارتفعت قيمة ملكية أصحاب المنازل إلى ذروتها عند مستوى 11.5 تريليون دولار خلال نهاية مايو الماضي، مع صعود الأسعار 45 في المئة منذ بداية جائحة كورونا وما شهدته الأسعار ارتفاعات ضخمة خلال الفترة الماضية.
لكن مع نهاية شهر سبتمبر (أيلول) الماضي كانت أسعار المنازل في الولايات المتحدة مرتفعة بنسبة 41 في المئة منذ بداية الوباء، بعد تراجع للأسعار طوال ثلاثة أشهر متتالية لتصل قيمة ملكية العقارات والمنازل في السوق الأميركية إلى نحو 9 تريليونات دولار فقط، ليفقد الملاك نحو 1.5 تريليون دولار خلال أربعة أشهر.
وأشار التقرير إلى أنه مع توقعات بمزيد من هبوط الأسعار، فإن قيمة ملكية أصحاب المنازل لا تزال قوية، إذ تظل مرتفعة بواقع 5 تريليونات دولار أو ما يعادل 46 في المئة، وهو أعلى مستويات ما قبل الوباء.
أعلى معدل خلال 16 عاماً
وقبل أيام ووفق بيانات جمعية المصرفيين للرهن العقاري، قفزت معدلات الرهن العقاري في السوق الأميركية إلى أعلى مستوى لها خلال 16 عاماً عند 6.81 في المئة، مما يمدد الارتفاع السريع في كلف الاقتراض الذي شهد توجيه ضربة أكبر لسوق الإسكان، في ظل قيام البنك المركزي الأميركي برفع أسعار الفائدة أربع مرات منذ بداية العام الحالي.
وارتفع معدل العقد على الرهن العقاري الثابت لمدة 30 عاماً بمقدار ستة نقاط أساس خلال الأسبوع الأول من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، مسجلاً زيادة للمرة الثامنة على التوالي.
وتسبب ذلك في انخفاض مقياس طلبات شراء أو إعادة تمويل منزل بنسبة اثنين في المئة، وهو ثامن انخفاض خلال تسعة أسابيع إلى أدنى مستوى منذ عام 1997.
وزاد معدل الرهن العقاري في السوق الأميركية بما يقرب من 1.4 نقطة مئوية منذ نهاية يوليو (تموز) الماضي مع ارتفاع عوائد سندات الخزانة استجابة لمحاربة التضخم من جانب مجلس الاحتياط الفيدرالي.
واستمر العائد على سندات الخزانة لأجل 10 سنوات في الارتفاع هذا الأسبوع، مما يشير إلى أن معدلات الرهن العقاري ستتبع هذا الصعود.
وارتفع المعدل الثابت الفعال لمدة 30 عاماً، والذي يتضمن تأثيرات المضاعفات إلى 7.09 في المئة خلال الفترة المنتهية في السابع من أكتوبر الماضي، وهو أيضاً أعلى معدل منذ عام 2006.
كما انخفض مؤشر "إم بي إي" لطلبات شراء المنازل في الولايات المتحدة بنسبة 2.1 في المئة إلى 170.5 نقطة، وهو أدنى مستوى منذ عام 2015، في حين انخفض مقياس إعادة التمويل بنسبة 1.8 في المئة مسجلاً أدنى مستوى له خلال 22 عاماً.
رفع أسعار الفائدة 4 مرات
وبداية الشهر الحالي وافق "الاحتياط الفيدرالي" الأميركي على رفع سعر الفائدة للمرة الرابعة على التوالي بمقدار 75 نقطة أساس، وهو ما يمثل الخطوة الأكثر صرامة في سياسة البنك منذ ثمانينيات القرن الماضي كجزء من معركته الشرسة لخفض التضخم الحاد الذي يعانيه الاقتصاد.
ومن المرجح أن يعمق الألم الاقتصادي لملايين الشركات والأسر الأميركية من خلال زيادة كلفة الاقتراض.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأدت الزيادة الرابعة على التوالي إلى رفع معدل الإقراض القياسي للبنك المركزي إلى نطاق مستهدف جديد يتراوح بين 3.75 وأربعة في المئة، وهو أعلى معدل منذ يناير (كانون الثاني) عام 2008، مع احتمال أن يتسبب ذلك في ركود.
وفي حين شدد رئيس "الاحتياط الفيدرالي" جيروم باول على أن التضخم المستمر والمتجذر من شأنه أن يجلب معاناة اقتصادية أكبر من الركود، فقد أقر أيضاً بالصعوبات الاقتصادية التي تنجم عن تشديد السياسة النقدية.
وتشير البيانات الرسمية إلى ارتفاع معدل التضخم السنوي في السوق الأميركية خلال شهر سبتمبر الماضي إلى مستوى 8.2 في المئة، لكنه سجل وتيرة أقل في مقابل الأرقام الخاصة بشهر أغسطس (آب) الماضي الذي سجل فيه مستوى 8.3 في المئة.
ووفق بيانات مكتب إحصاءات العمل الأميركي فقد جاء ارتفاع التضخم خلال شهر سبتمبر الماضي، مدفوعاً بزيادة أسعار الطاقة بنسبة 19.8 في المئة على أساس سنوي، كما قفزت أسعار الغذاء بنسبة 11.2 في المئة.
وسجل التضخم الأساس في الولايات المتحدة أعلى مستوى منذ 40 عاماً في سبتمبر، على رغم تباطؤ نمو مؤشر أسعار المستهلكين.
وخلال سبتمبر الماضي ارتفع التضخم الشهري بنسبة 0.4 في المئة مقارنة بأرقام أغسطس.
احتمالات الركود 100 في المئة
وفي الوقت نفسه تتزايد حدة التوقعات الخاصة بدخول الاقتصاد الأميركي موجة من الركود، ففي مذكرة بحثية حديثة كشف بنك "غولدمان ساكس" أنه لا يزال من غير المحتمل أن يدخل الاقتصاد الأميركي في حال من الركود في غضون عام، على رغم استمرار رفع معدلات الفائدة بقوة لوقف خطر التضخم.
وذكر أن احتمالات ركود الاقتصاد الأميركي خلال الـ 12 شهراً المقبلة تبلغ نحو 35 في المئة.
وتعتبر هذه التوقعات أقل حدة من ترجيحات محللين آخرين، إذ كشف مسح حديث لصحيفة "وول ستريت جورنال" أن احتمالات الركود في العام المقبل تصل إلى 63 في المئة، بينما توقع نموذج خاص بوكالة "بلومبيرغ إيكونومكس" احتمال حدوث ركود بنسبة 100 في المئة.
وأوضح "غولدمان ساكس" أن "احتمال الركود يسجل 35 في المئة، وهي نسبة أكثر من ضعف فرص الركود في أية فترة مداها 12 شهراً، بسبب التضخم الذي يتجاوز التوقعات وتشديد السياسة النقدية من جانب الاحتياط الفيدرالي، ونحن نعيش في عالم يسوده عدم اليقين بشكل استثنائي من حيث السياسة الأميركية والتطورات الجيوسياسية".
وحذر تقرير سابق لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد) من أن تحركات السياسة النقدية في الاقتصادات المتقدمة تهدد بدفع العالم نحو ركود عالمي وكساد مطول، مما يلحق أضراراً أسوأ من الأزمة المالية عام 2008 والصدمة الناجمة عن جائحة كورونا.
وأوضح أن الزيادات السريعة في أسعار الفائدة والتشديد المالي في الاقتصادات المتقدمة إلى جانب تداعيات جائحة كورونا والحرب الروسية في أوكرانيا، حولت بالفعل التباطؤ العالمي إلى انكماش مع عدم ترجيح حدوث الهبوط الناعم المنشود.
وأفاد التقرير أنه خلال عقد من أسعار الفائدة المنخفضة للغاية فشلت البنوك المركزية باستمرار في تحقيق أهداف التضخم وفشلت في توليد نمو اقتصادي أكثر صحة، مضيفاً أن أي اعتقاد بأنها تستطيع خفض الأسعار من خلال الاعتماد على أسعار فائدة أعلى من دون أن يؤدي ذلك إلى ركود هو مقامرة غير حكيمة.
وبين أنه في وقت يشهد انخفاضاً في الأجور الحقيقية واضطراباً مالياً وعدم كفاية في الدعم والتنسيق متعددي الأطراف، فإن التشديد النقدي المفرط قد يفضي إلى فترة من الكساد وعدم الاستقرار الاقتصادي.
ورجح أن ينمو الاقتصاد العالمي بنسبة 2.5 في المئة خلال عام 2022، في حين من المتوقع أن يتباطأ النمو عام 2023 إلى مستوى 2.2 في المئة.
وذكر أن التباطؤ المتزامن يضرب جميع المناطق لكنه يدق جرس الإنذار للبلدان النامية، إذ من المتوقع أن ينخفض متوسط معدل النمو إلى أقل من ثلاثة في المئة مما يزيد الضغط على المالية العامة والخاصة ويضر بآفاق التوظيف.