تصاعدت انتقادات أحزاب الموالاة في تونس للرئيس قيس سعيد وتوجهاته قبيل الانتخابات التشريعية المقرر تنظيمها في 17 ديسمبر (كانون الأول) المقبل، لا سيما بعد إصداره القانون الانتخابي من دون السماح للأحزاب بالمشاركة في صياغته.
ووجهت حركة "الشعب" و"حزب البعث الاشتراكي" وحركة "تونس إلى الأمام" انتقادات حادة للقانون الانتخابي بحيث قاد عدد التزكيات المطلوب وهو 400 بالتناصف بين النساء والرجال إلى بقاء دوائر انتخابية من دون مرشحين وسط حديث متزايد عن استعمال للمال المشبوه في هذا الاستحقاق.
وكان الرئيس التونسي عدل القانون الانتخابي بحيث أصبح الاقتراع للأفراد بدل القوائم، إضافة إلى اشتراط جمع 400 تزكية من قبل المرشحين للانتخابات، علاوة على قطع التمويل العمومي الذي كان يقدم من أجل قيام المرشحين بحملاتهم الانتخابية.
انتقادات متزايدة
وقال القيادي في "حركة الشعب" (قومية، ناصرية) المنصف بوزازي إن "الحركة ستتصدى لقيس سعيد إذا هدد مسار 25 يوليو/ تموز"، في إشارة إلى المسار الذي بدأه الرئيس التونسي العام الماضي وأيدته الحركة بقوة، وتابع بحسب تصريحات بثتها إذاعة "ديوان أف أم" المحلية أن "حركة الشعب من أكثر الأحزاب التي تقاوم من أجل توجيه المسار نحو بوصلته الحقيقية".
وتزامنت تصريحات بوزازي مع إصدار حركة "تونس إلى الأمام" الموالية لسعيد بياناً انتقدت فيه القانون الانتخابي معتبرة أن "صياغته تمت بشكل فردي"، وقالت إن "القانون الانتخابي تضمن ثغرات بعدما جرت صياغته بشكل فردي بقرارات كان لها تأثير واضح في واقع الترشح بحيث غاب تمييز المرأة والشباب طبقاً لما نص عليه الدستور، فكانت نسبة ترشحات المرأة والشباب ضئيلة ومثلت التزكيات وما نتج منها من تسرب المال المشبوه حاجزاً أمام تعدد الترشحات".
وذهبت الحركة إلى أبعد من ذلك فاعتبرت أنها "سجلت تباطؤاً في تحويل القرارات إلى إنجازات فعلية إذ اقتصر الأمر على التحقيقات المتكررة مع أطراف مشبوهة وتعطلت عملية المحاسبة واستمر الفساد بأنواعه واستفحلت ظاهرة الإفلات من العقاب وغابت أو تكاد الإنجازات الاجتماعية، فارتفعت الأسعار وفقدت بعض المواد الأساسية بفعل ممارسات ذوي المصلحة في عودة المنظومة القديمة في ظل حكومة لم ترتق نتائج نشاطها إلى تحويل الوعود إلى إنجازات".
وتعكس هذه المواقف تذمراً في معسكر الأحزاب الموالية لسعيد الذي يقود منذ 25 يوليو 2021 مساراً انتقالياً لإعادة تشكيل المشهد السياسي من جديد.
ويثير هذا التذمر تأويلات مختلفة للأسباب الكامنة خلفه، خصوصاً في ظل استمرار حال الاستقطاب بين الرئيس سعيد وقوى المعارضة التي تقاطع استحقاق 17 ديسمبر المقبل.
وكان عضو "الهيئة الاستشارية من أجل جمهورية جديدة" أمين محفوظ استبق إعلانات الأحزاب المذكورة بتوجيه انتقادات لاذعة لسعيد معتبراً أنه "يؤسس لديكتاتورية جديدة"، كما دعا الأحزاب إلى صياغة دستور جديد في خطوة بدت لافتة في توقيتها ودلالتها إذ تعطي انطباعاً بتنامي المعارضة ضد سعيد.
يذكر أن محفوظ أستاذ في القانون الدستوري، عينه الرئيس عضواً في الهيئة التي أعدت مسودة دستور في يوليو الماضي، لكنه انقلب عليه بسبب إصداره دستوراً آخر غير ذلك الذي أنجزته الهيئة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
"بكائيات" وخوف من فقدان المواقع
في المقابل لا يزال بعضهم مستمراً في دعمه للرئيس، لا سيما مع التقدم المحرز في خريطة الطريق التي وضعها العام الماضي والتي ستنتهي بإفراز برلمان جديد من غرفتين، مجلس نواب ومجلس أعلى للجهات والأقاليم. وقالت النائبة السابقة المؤيدة لسعيد فاطمة المسدي والمرشحة للانتخابات التشريعية في تصريح إلى "اندبندنت عربية" إن "ما تقوم به بعض الأحزاب هو بكائيات ولطميات، العمل السياسي يتطلب إعداد برامج ومشاريع والتحرك"، وأضافت "لم أر شخصياً حركة الشعب مثلاً يوم الاحتجاجات في 25 يوليو 2021 لأنه عندما نتحدث فإن علينا أن نتحدث عن مسار برمته، لكن الأهم من هذا أن هذه الأحزاب تشعر بأنها مهددة في كيانها باعتبار أن القانون الانتخابي الجديد يشجع الترشح والاقتراع للأفراد وليس القوائم".
وواصلت "هناك أحزاب أفرغت تقريباً، إذ لا قيادات لها في الجهات تتمتع بثقل شعبي. الأحزاب متوجسة على كينونتها وهذا حقها وهي تحن إلى قانون الأحزاب والانتخابات القديم الذي أعتقد بأنه سلبي للغاية، إذ كرس المال الفاسد وزعامة الفرد الواحد. لذلك يجب أن تتغير منظومة الأحزاب، لكن هناك من يقف ضد هذا التغيير اليوم، لا سيما بعض القيادات الحزبية التي باتت تخشى على موقعها".
وأضحى سعيد، وهو أستاذ قانون دستوري متقاعد، في مرمى اتهامات متصاعدة في شأن سعيه إلى إرساء "ديكتاتورية جديدة" وهو ما ينفيه الرئيس التونسي الذي يعد بحماية الحريات والحقوق وتصحيح مسار ثورة 14 يناير (كانون الأول) 2011.
ضبابية تزيد من الشكوك
في المقابل تذهب قراءات أخرى إلى اعتبار أن سعيد الذي وصل إلى الرئاسة كمستقل لم يقم ببناء تحالفات سياسية متينة إذ يواصل قيادة مساره بمفرده. ودعم "الاتحاد العام التونسي للشغل" و"الحزب الدستوري الحر" و"حركة الشعب" و"التيار الشعبي" الإجراءات التي اتخذها في 25 يوليو 2021 وهي إجراءات أطاحت حكم "حركة النهضة" الإسلامية التي كانت تهيمن آنذاك على البرلمان وتقود الحكومة برئاسة هشام المشيشي. لكن خريطة التحالفات تغيرت الآن، فـ"الحزب الدستوري الحر" أضحى من أشد معارضي سعيد، فيما تستمر العلاقة بين الرئيس التونسي و"اتحاد الشغل" تراوح مكانها بين التصعيد والمهادنة.
أما "حركة الشعب" وبقية الأحزاب السياسية، فبقيت مساندة له، لكنها توجه له بين الحين والآخر انتقادات من أجل تصحيح المسار الذي يقوده بحسب زعمها، لكن سعيد يتجاهل هذه الأحزاب بشكل كبير.
وقال الباحث السياسي بوبكر الصغير إن "الرئيس سعيد لم يسعى إلى توفير حزام سياسي صلب حوله بقدر ما كان حريصاً على أن يصنع مشهداً سياسياً وحده من دون إشراك أطراف أخرى. وهناك نوع من القطيعة مع النخب والأطراف الفاعلة سواء في مجالات الثقافة والمجتمع وحتى النقابات". وبيّن الصغير أن "هناك وضعاً آخر يتعلق بأن مشروع 25 يوليو لم يبنَ منذ البداية على رؤية سياسية واضحة بقدر ما كان مشروعاً مؤلفاً من سلسلة حلقات وحلول تأتي بالتتابع وفق الأجندة التي وضعها الرئيس الذي لم يعرض منذ البداية مشروعه بصورة واضحة أو ملامحه الكبرى في الأقل، التي لم تتضح حتى للأطراف المساندة له".
ورأى الصغير أنه "في كل مرة كان يصدر فيها قانون أو مرسوم رئاسي، كان ذلك يكرس حالاً من الضبابية التي تشكك في قناعات المساندين له، علاوة على أن الكلفة السياسية للمسار الذي يقوده رئيس الجمهورية ستكون باهظة وقد يكون لها انعكاس حتى على شعبية سعيد نفسه التي بدأت تتآكل بحسب عمليات سبر الآراء".
واستنتج الصغير أن "المشكلة تكمن أساساً في طبيعة مشروع الرئيس وطريقة تكريسه منذ البداية، مما خلق تشتتاً في صفوف مسانديه وهو تشتت بلغ حد التصادم بين تلك الأطراف التي أصبح كل طرف منها يدعي أنه هو من يحتكر حقيقة المشروعية في دعم الرئيس ومساندته وهو ما سيكون له ثمن".
|وشهدت فترة صعود سعيد إلى الحكم مفارقات إذ دعمته "حركة النهضة" و"ائتلاف الكرامة" وأحزاب يسارية وقومية في الدور الثاني للرئاسيات عام 2019 أمام المرشح نبيل القروي آنذاك، لكن هذه الأطراف انقلبت عليه إثر تحركه في 25 يوليو 2021.
وبعد 25 يوليو دعمته أحزاب سياسية باتت اليوم تشتكي من خياراته، لكنه لم يطلب مساندتها، ويعتبر أنه يقود مشروعاً متكاملاً وهو مشروع البناء القاعدي أي إفراز مؤسسات منتخبة من المحلي إلى المركزي.
وتدعم سعيد في سبيل تطبيق هذا المشروع على أرض الواقع جماعات شبابية غاضبة من الأحزاب السياسية التي أدارت الحكم في تونس في العقد الماضي.
ومن غير الواضح ما إذا كان سعيد سينجح في تنفيذ مشروعه السياسي، لكنه في صدد استغلال انقسام المعارضة على نفسها واستمرار القطيعة بينها وبين الشارع لبلوغ ذلك.