فرصة ذهبية حصلت عليها مصر باستضافتها "مؤتمر المناخ" (COP 27)، فإلى جانب أهمية المؤتمر الأساسية في مناقشة قضايا البيئة فإنه يجعل مدينة شرم الشيخ التي تستضيفه في ملتقى الضوء واحدة من أكثر المدن السياحية شهرة، وبخاصة مع توافد هذا العدد من رؤساء الدول والمسؤولين والوفود القادمة من كل أنحاء العالم للمشاركة في المؤتمر.
بالتواكب مع "COP 27" شهدت فنادق مدينة شرم الشيخ حالاً من الرواج الكبير وصلت إلى الإشغال الكامل، حيث تم حجز أكثر من 18 ألف غرفة فندقية بالمدينة وفقاً لتصريحات غادة شلبي نائبة وزير السياحة والآثار، وهي خطوة تسعى الدولة المصرية إلى استمرارها بزيادة التدفقات السياحية مع بدء الموسم الشتوي.
وتبذل مصر جهوداً كبيرة للترويج السياحي في الفترة المقبلة بعد حال الركود التي ألمت بالقطاع بسبب فيروس كورونا وما تلاه من تداعيات للحرب الروسية– الأوكرانية، مع الأخذ في الاعتبار أن الدولتين المتحاربتين كانتا من أكثر البلدان المصدرة للوفود السياحية إلى مصر، وبخاصة مدن البحر الأحمر مثل الغردقة وشرم الشيخ ومرسى علم.
وكان مصطفى مدبولي رئيس الوزراء المصري صرح بأن الحكومة تستهدف زيادة إيرادات السياحة إلى 30 مليار دولار سنوياً في خلال السنوات الثلاث المقبلة بما يمثل أكثر من الضعف تقريباً، حيث يقدر العائد من السياحة حالياً بنحو 12 مليار دولار.
وأشار مدبولي إلى أن السياحة تعد من الركائز الأساسية للاقتصاد القومي، إذ تسهم في تعزيز النمو وزيادة دخل الأفراد وحصيلة الدولة من العملة الصعبة، ويتشابك قطاع السياحة مع أكثر من 70 قطاعاً من القطاعات الإنتاجية والخدمية.
دعاية سياحية
استغلت مصر توافد الأعداد الكبيرة على المؤتمر ووجهت إليهم دعايتها للمقاصد السياحية المختلفة منذ بداية وصولهم، حيث تم عرض عدد من الصور لبعض الأماكن السياحية والأثرية المتنوعة التي يتمتع بها المقصد السياحي المصري على شاشات العرض التعريفية بمطاري القاهرة وشرم الشيخ.
وكان عمرو القاضي الرئيس التنفيذي لهيئة تنشيط السياحة المصرية أكد في تصريحات لوسائل إعلام محلية أنه تم اختيار شركتين سياحيتين لتقديم برامج سياحية اختيارية للوفود المشاركة بالمؤتمر، ووضع البرامج السياحية على موقع الحجز الخاص به، كما أن القائمين على الشركتين سيضعون منشوراتهم في أماكن إقامة الوفود بفنادق شرم الشيخ في حال أراد أي منهم الذهاب في رحلات خارج جنوب سيناء بمناطق مثل القاهرة أو سانت كاترين أو الأقصر وأسوان أو أي مقصد سياحي آخر، إضافة إلى إمكانية تنفيذ رحلات داخل شرم الشيخ نفسها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضاف أنه تم عرض مجموعة من الأفلام الترويجية الدعائية للسياحة المصرية على شاشات عرض بالمنطقة الخضراء أمام قاعة مؤتمرات شرم الشيخ.
وفي سياق متصل، تعلن وزارة السياحة والآثار بشكل مستمر عن زيارات وتوافد كثير من المشاركين في المؤتمر على المواقع الأثرية المصرية المختلفة، وعلى رأسها أهرامات الجيزة التي حرص على زيارتها، أخيراً، رئيس فنزويلا وأسرته والكاردينال بيترو بارولين رئيس وزراء الفاتيكان والملك توبو السادس ملك تونغا وقرينته، بينما استقبل المتحف القومي للحضارة المصرية نائب رئيس جمهورية إندونيسيا والوفد المرافق له، والسيدة يوريكو كويكي محافظ طوكيو والوفد المرافق لها، واستقبلت منطقة سانت كاترين وفوداً من المشاركين في المؤتمر على رأسهم أندري إناستسياديس السيدة الأولى لجمهورية قبرص وحرم سفير دولة إندونيسيا لدى مصر.
وفي مدينة شرم الشيخ استقبل متحف شرم الشيخ الذي ينظم حالياً معرضاً مؤقتاً بعنوان "مصر وإرثها البيئي" يعرض 20 قطعة أثرية تلقي الضوء على اهتمام المصري القديم بالبيئة وحفاظه عليها، وحرص كثير من الوفود المشاركة في المؤتمر على زيارة المتحف ومن بينهم رئيس دولة جزر القمر وقرينته.
محط أنظار العالم
وعن مؤتمر "COP 27" وكيفية استغلال مصر هذه الفرصة في الدعاية لمقاصدها السياحية المختلفة يقول الخبير السياحي محمد كارم لـ"اندبندنت عربية" إن "مؤتمر المناخ في ذاته دعاية غير مدفوعة لمصر، فقد جعل أنظار العالم أجمع تتجه نحو شرم الشيخ، وجعلنا على رأس الأخبار في وسائل الإعلام المختلفة، إضافة إلى وجود هذا الكم من رؤساء الدول والوفود المشاركة في المؤتمر، فالوضع الحالي لا يتعلق فقط بمناقشة قضايا البيئة، بل ويبرز المقومات السياحية لمدينة شرم الشيخ، بخاصة لارتباطها بقضايا البيئة حالياً وبكونها أصبحت تطبق كثيراً من الاشتراطات البيئية في مجال السياحة".
ويضيف "التدفقات السياحية في الفترة المقبلة بعد المؤتمر من المتوقع أن تزداد، وبخاصة بعد إعلان "ناشيونال جيوغرافيك" مصر ضمن 25 وجهة سياحية عالمية جديرة بالتوجه إليها، وبالفعل هناك إشغال كامل في مدينة شرم الشيخ ومدن أخرى مثل الغردقة والأقصر وأسوان خلال الفترة الحالية، مما يبشر بموسم سياحي متميز".
رهان على الشتاء
يشار إلى أن مصر يمكنها المراهنة على موسم الشتاء المقبل في ضوء أزمات الطاقة المتوقعة في أوروبا وما ستسببه من مشكلات في ظل برودة الطقس هناك، حيث تتميز مصر بطقس دافئ خصوصاً في مدن منطقة البحر الأحمر والأقصر وأسوان، وبدأت شركات السياحة في الدعاية لهذه الفترة بتقديم برامج متميزة وأسعار منافسة يمكن أن تزيد من التدفقات السياحية بصورة ملحوظة.
عن هذا الأمر يشير كارم إلى أنه "يمكن استغلال هذا الوضع، لكنه سيقتصر على نوعية معينة من السائحين مثل كبار السن أو من يعملون في مهن حرة أو أصحاب الأعمال، ولكنه لن يشمل كل قطاعات السائحين الذين يرتبطون بعمل، لأن ذروة الشتاء لا تعتبر فترة إجازات في أوروبا، وهذا لا ينفي أن هناك نوعية معينة من السياح يمكن أن يناسبها هذا الوضع بالفعل، والموسم الذي أتوقع أن يكون مزدهراً في مصر هو فترة إجازات الكريسماس التي تعتبر أساسية للإجازات في أوروبا وهي ترتبط أيضاً ببدايات الشتاء".
ويضيف "بشكل عام أرى أن مصر يجب أن تستغل الوضع الحالي، وتسعى لفتح أسواق جديدة في أماكن مثل أميركا اللاتينية وآسيا، وعدم الاعتماد فقط على السياحة القادمة من أوروبا، لأن كل المؤشرات حالياً تشير إلى توقع موسم سياحي متميز، إضافة إلى ذلك يجب التركيز على إقامة فعاليات مختلفة جاذبة للسياحة مثل (مهرجان مراقبة الطيور المهاجرة) المخطط إقامته لأول مرة في مدينة بورسعيد خلال ديسمبر (كانون الأول)، مما سيلقي الضوء على المدينة ويضعها على خريطة السياحة بجانب المدن السياحية الشهيرة في مصر".
على هامش المؤتمر
قامت وزارة السياحة والآثار بتنظيم مأدبة عشاء على هامش المؤتمر، وألقى خلالها أحمد عيسى وزير السياحة والآثار كلمة رحب فيها بضيوف مدينة السلام. وأشار إلى التطور الكبير الذي شهدته شرم الشيخ على مدار السنوات الماضية، وبخاصة التطور في قطاع السياحة، وكان من بين الحضور المدير التنفيذي لمنظمة السياحة العالمية وعديد من وزراء السياحة المشاركين في المؤتمر، الذين تم إطلاعهم على أهم المستجدات في شأن المقاصد السياحية المصرية.
وشاركت غادة شلبي نائب وزير السياحة والآثار لشؤون السياحة، كمتحدث في اجتماع لجنة السياحة والاستدامة "CTS" التابعة لمنظمة السياحة العالمية، الذي عقد في المنطقة الخضراء بمدينة شرم الشيخ. وأشارت إلى أن مصر تتمتع بمقومات سياحية متنوعة تعتمد أغلبها بشكل كبير على الموارد الطبيعية، وهو ما يجعلها تبذل قصارى الجهد للحفاظ عليها وحمايتها من التغيرات المناخية، لافتة إلى أهمية السياحة في توفير فرص العمل وتمكين الأسر والمرأة.
رواج تجاري مصاحب
توافد كل هذه الأعداد من ضيوف "مؤتمر المناخ" على مدينة شرم الشيخ لا بد وأن يواكبه انتعاش ورواج على مستوى الخدمات المقدمة بالمدينة مثل البازارات والمطاعم والمحال التجارية مما ينعكس بصورة مباشرة على الآلاف من العاملين في مثل هذه القطاعات.
يقول رامي فايز عضو غرفة المنشآت السياحية بمرسى علم بمحافظة البحر الأحمر، إن انعقاد "مؤتمر المناخ" في مدينة شرم الشيخ أسهم في رفع نسب الإشغال الفندقي إلى 100 في المئة، مشيراً إلى أن سعر الغرفة تضاعف بنحو 10 مرات بعد أن ارتفع من نحو 70 دولاراً في الليلة الواحدة إلى 700.
ولفت إلى أن ذلك الرواج على الرغم من أنه مؤقت في ظل انعقاد المؤتمر لنحو 10 أيام، فإنه أسهم في إنعاش الحركة السياحية لأصحاب البازارات والكافيهات والخدمات المعاونة بالمدينة السياحية.
مصر في بورصة لندن
في توقيت مواكب لـ"مؤتمر المناخ" حرص أحمد عيسى وزير السياحة والآثار على المشاركة في فعاليات بورصة لندن الدولية للسياحة (WTM 2022)، التي انطلقت فعالياتها نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، حيث حرص على لقاء مجموعة من كبرى شركات الطيران التي تستهدف المقصد السياحي المصري، وتم خلال هذه اللقاءات مناقشة سبل تعزيز التعاون لاستقدام مزيد من الحركة السياحية الوافدة إلى مصر خلال الفترة المقبلة، والتقى الوزير ممثلي وسائل الإعلام العالمية. وأشار إلى أن أنه سيتم قريباً إطلاق الحملة الترويجية الجديدة لمصر، وتهدف إلى إبراز المقصد السياحي المصري بصورة ذهنية جديدة، وتسليط الضوء على التنوع والثراء في المنتجات السياحية، مشيراً إلى أن السوق البريطانية تعد إحدى أهم الأسواق المصدرة للسياحة إلى مصر.