أظهرت الأرقام الرسمية انكماش الاقتصاد البريطاني في الربع الثالث مما يمهد الطريق للركود بحلول نهاية العام. وحذر وزير الخزانة البريطاني جيرمي هانت من "طريق صعب أمام الشعب البريطاني"، وقال إن "القرارات الصعبة" ستكون ضرورية لتجاوز هذه الفترة واستعادة الثقة.
وانكمش الاقتصاد البريطاني بنسبة 0.2 في المئة في الأشهر الثلاثة حتى سبتمبر (أيلول) الماضي، بعد توسع بنسبة 0.2 في المئة في الربع الثاني. ولم يكن الانخفاض سيئاً مثل توقعات الاقتصاديين بانخفاض 0.5 في المئة، لكن هبوطاً آخر في الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام سيعني أن المملكة المتحدة في حالة ركود.
ويتوقع الاقتصاديون حدوث ركود بحلول نهاية العام، مدفوعاً بتضخم في خانة العشرات وارتفاع أسعار الفائدة وأزمة تكاليف المعيشة. وانخفض الناتج المحلي الإجمالي الشهري للبلاد بين أغسطس (آب) وسبتمبر بنسبة 0.6 في المئة، وفقاً لمكتب الإحصاء الوطني. وتم تعديل رقم الناتج المحلي الإجمالي لشهر أغسطس من سالب 0.3 في المئة إلى 0.1 في المئة.
وتضرر النمو الاقتصادي في سبتمبر بسبب جنازة الملكة عندما أغلقت مجموعة من الشركات. وقال مكتب الإحصاءات الوطنية إن "نحو نصف الانخفاض في الناتج المحلي الإجمالي لشهر سبتمبر يُمكن أن يعزى إلى عطلة البنوك الإضافية". وكان انخفاض الناتج المحلي الإجمالي مدفوعاً بتقلص الناتج في قطاع الخدمات، الذي يمثل نحو ثلاثة أرباع الاقتصاد وتعرض للضغط بسبب ارتفاع التضخم وانخفاض الدخل الحقيقي.
آفاق قاتمة
وتأتي الآفاق الاقتصادية القاتمة قبل بيان الخريف، الخميس المقبل، حيث يُتوقَع أن يعلن هانت عن زيادات ضريبية بقيمة عشرات مليارات الجنيهات وخفض الإنفاق. وسيكون انخفاض الإنفاق الحكومي والعبء الضريبي المتزايد على الأسر والشركات بمثابة عائق إضافي للنمو العام المقبل.
وقالت مجموعات الضغط التجارية إن "بيانات الناتج المحلي الإجمالي المتشائمة يجب أن تكون بمثابة جرس إنذار للحكومة حول حجم الصعوبات التي يواجهها أعضاؤها".
ووصف مارتن ماك تاغ، رئيس اتحاد الشركات الصغيرة، الأمر بأنه بمثابة "أخبار مروعة للشركات الصغيرة التي تُواجه ضغوط ركود متزايدة منذ شهور". وأضاف أن "المستويات المنخفضة للاحتياطيات والموارد تعني أن الشركات الصغيرة أكثر عرضة للكساد وفي وقت تتدهور فيه الثقة في كل من المستهلكين والشركات. يجب على الحكومة أن تثبت أنها أدركت حجم القضية".
وقال ديفيد بهاريير رئيس قسم الأبحاث في غرف التجارة البريطانية "تُظهر أبحاثنا بوضوح أن ثقة الأعمال التجارية قد تراجعت بشكل كبير في الأشهر الأخيرة. التضخم المدفوع بتكاليف الطاقة وتعطل سلسلة التوريد، هو إلى حد بعيد عامل القلق الرئيس، مما يقضي على هوامش عديد من الشركات الصغيرة والمتوسطة".
وقال بهاريير إن "بيان الخريف لوزير الخزانة يجب أن يُطمئن الأسواق المالية بعد الاضطرابات الأخيرة التي فرضتها على نفسها بنفسها. لكن الشركات بحاجة إلى رؤية خطة اقتصادية طويلة الأجل تستثمر في الأفراد والمهارات والبنية التحتية وتحسن بشكل جذري علاقاتنا التجارية مع الأسواق الرئيسة، ليس أقلها في جميع أنحاء أوروبا".
وتحدث جيريمي هانت عن "قرارات مثيرة للإعجاب" في المستقبل حيث وعد بمحاولة جعل أي ركود تواجهه المملكة المتحدة "أبطأ وأسرع" مما كان يمكن أن يكون. وقال إنه سيكون هناك "طريق صعب" وأن البلاد بحاجة إلى "خطة توضح كيف سنجتاز هذه الفترة الصعبة". وتساءل حول كيفية جعل الركود "سطحياً وسريعاً، حتى نتمكن من حماية الشركات التي تكافح حقاً". وأضاف "لكن أمنح العائلات أيضاً بعض الأمل في أننا سنصل إلى الجانب الآخر مع حماية الأشخاص الأكثر ضعفاً".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
دولة تسدد ديونها
وبدا أن هانت يلقي باللوم على الوضع الاقتصادي لبريطانيا على عاتق وزير الخزانة السابق كواسي كوارتنغ ورئيسة الوزراء السابقة ليز تراس، إذ صرح "كل ما يمكنني قوله هو أنه عندما أصدرنا بياناً مالياً لا يُظهر كيف كنا سنخفض ديوننا على المدى المتوسط، كان رد فعل الأسواق سيئاً للغاية، ولذلك تعلمنا أنه لا يمكنك تمويل أي من الإنفاق أو الاقتراض من دون إظهار كيف ستدفع مقابل ذلك وهذا ما سأفعله". وأضاف "إذا لم نمنح هذا اليقين للعالم، فإن ما سنراه أسعار فائدة أعلى وتضخماً أعلى ومزيداً من عدم الاستقرار ومزيداً من المخاوف للعائلات والشركات. من المهم جداً أن نظهر للعالم أننا دولة تسدد ديونها".
وتابع "إذا كنا سنخفض الديون على المدى المتوسط ونمنح الناس الثقة، فنحن ندفع ثمن طريقنا كدولة، إذن نعم، هناك فجوة كبيرة جداً في مواردنا المالية الوطنية. أفضل شيء يمكنني القيام به بصفتي وزير هو وضع خطة تعمل على خفض التضخم وتقليل الضغط التصاعدي على أسعار الفائدة".
كواسي يلوم تراس
من جهته، ألقى كواسي كوارتنغ باللوم على ليز تراس في "المبالغة والسرعة في إصلاحاتها الاقتصادية الجذرية"، كاشفاً عن تحذيره إياها من أن ذلك سيؤدي إلى سقوطها.
وفي أول مقابلة له منذ إقالته من منصبه كوزير للخزانة، صرح كوارتنغ بأنه نصح تراس كرئيسة للوزراء بـ"الإبطاء" واتخاذ "نهج منهجي واستراتيجي" لتعزيز النمو. وقال إن تراس رفضت مما دفعه إلى تحذيرها "سيكون أمامك شهران فقط إذا واصلت على هذا المنوال". وفي النهاية استقالت بعد 44 يوماً لها في المنصب.