سارعت وزارة العمل الجزائرية إلى نشر الشروط الجديدة لإنشاء اتحاد نقابي، وشددت على أن كل المنظمات التي قدمت ملفات التصريح بتأسيس فيدرالية أو اتحاد أو كونفيدرالية قبل صدور القانون رقم 22 – 06 المؤرخ في 25 أبريل (نيسان) 2022، واعتباراً لعدم وجود أثر رجعي في القانون الجديد، مطالبة بإيداع تصريح بالتأسيس مرفقاً بملف جديد لدى مديرية علاقات العمل مع الاحترام الصارم للأحكام الجديدة الصادرة في مجال تأسيس المنظمات النقابية.
وتجنباً للتأويلات والتعبئة ضد الخطوة، أوضحت الوزارة أن القانون الجديد مكن من تحيين وتوضيح وتعزيز الحريات النقابية وممارسة الحق النقابي وفقاً لمعايير العمل الدولية، لا سيما من خلال تحديد الإطار القانوني لتأسيس الفيدراليات والاتحادات والكونفيدراليات النقابية من أجل الدفاع عن المصالح المادية والمعنوية لأعضائها.
ودعت الوزارة المعنيين إلى الاستعلام لدى مصالحها عن كيفيات وإجراءات الحصول على وصولات تسجيل التصريح بتأسيسها، مفندة كل المعلومات غير الصحيحة التي يمكن لبعض المنظمات النقابية أن تتداولها، التي تفيد بـ"رفض مصالحنا المتخصصة تسليم وصولات تسجيل الفيدراليات أو الاتحادات أو الكونفيدراليات".
وفي حين تم تحديد مفاهيم الفيدرالية بأنها تتشكل من ثلاث منظمات نقابية على الأقل، والاتحاد أو الكونفيدرالية من فيدراليتين على الأقل أو خمس منظمات نقابية على الأقل، ذكرت الوزارة أن من بين شروط تصريح التأسيس نسخ من وصولات التسجيل للنقابات والقائمة الاسمية لأعضاء الهيئات القيادية والإدارية وتوقيعهم وحالتهم المدنية ومهنتهم وعناوين مساكنهم، ونسخ من محاضر الجمعيات العامة، ونسخ من محضر الجمعية التأسيسية موقع عليه من مسؤولي النقابات الأعضاء.
وقالت إن التعديلات تهدف أساساً إلى زيادة تعزيز الحوار الاجتماعي، وتسمح بإعطاء ديناميكية جديدة للتشاور والحوار الاجتماعي بما يتناسب مع رهانات التحولات الاجتماعية والاقتصادية لبلدنا والحفاظ على حقوق الإجراء والنشاط الاقتصادي والوظائف.
فك الارتباط بالسياسة
في السياق يرى الباحث في كلية العلوم الاجتماعية دحو بن مصطفى، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، أن هذه إجراءات ضمن مقاربة شاملة هدفها الأول إعادة تشكيل المشهد السياسي والاجتماعي، وفك الارتباط بين التشكيلات النقابية والمهنية والأحزاب السياسية والشخصيات التي تورطت مع النظام السابق.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال بن مصطفى إن هناك قناعة راسخة لدى صناع القرار السياسي بأن النقابات تشكل جزءاً من الدولة العميقة أو الجماعات الضاغطة التي كانت مستفيدة من الريع ولها مصلحة في عرقلة الإصلاحات.
وأضاف أن المسعى يندرج في سياق تصفية الحرس القديم من جميع الهياكل والمؤسسات لفتح الطريق أمام جيل جديد من الشباب، و"بذلك يمكنني القول إنها عملية تصفية ممنهجة لإحداث التغيير بشكل قانوني وسلس من أجل قطيعة مع الممارسات السابقة والولاءات التقليدية، ولاجتثاث أسباب أي اضطراب اجتماعي مستقبلاً".
وأشار بن مصطفى إلى أنه واقعياً وعملياً النقابات إما أن تؤدي دوراً وظيفياً بمفهوم أنطونيو غرامشي، أو رقابياً بتحليل ميشال فوكو في كتابه "راقب وعاقب"، والنقابات الجزائرية التي كانت تابعة للحزب الواحد ثم للأحزاب لعبت دوراً سياسياً مبرمجاً، لكنها مع التحولات الحاصلة صارت عائقاً أمام التغيير مع خطر توظيفها لزعزعة الاستقرار أو تثبيت مصالح جماعات الريع، ويبدو أنه انتهت صلاحيتها، لافتاً إلى أن هناك رغبة في إحداث القطيعة مع النظام السابق عبر تفكيك أدواته وإضعاف قوته.
النقابات المستقلة بريئة
في المقابل رد إلياس مرابط رئيس نقابة مستقلة على كل الاتهامات الموجهة للنقابات، ودافع في تصريح خاص لـ"اندبندنت عربية"، بأنه منذ سنوات قبل الحراك و"نحن كنقابات مستقلة لم نسلم من اتهامات وزراء ورؤساء حكومات تارة بالخيانة والتشكيك في وطنيتنا، وأخرى بتنفيذ أجندات خارجية، ومرات بالولاء لجهات أجنبية، لكن نحن مستمرون في النشاط بينما هؤلاء يوجدون وراء القضبان".
وقال مرابط إن نشاط النقابيين كان يستهدف كسر هيمنة "الاتحاد العام للعمال الجزائريين" (نقابة حكومية)، الذي استحوذ على العمل النقابي واستفرد بمشاركته في جلسات الحوار مع الحكومة.
وأضاف أن النقابات المستقلة لم تتوقف عن المطالبة بتكتلات، غير أن الحكومات المتعاقبة كانت تتحجج في كل مرة بالقوانين التي لا تسمح لعدم مسايرتها للدولية، موضحاً أن الخطوة الحالية جاءت متأخرة كثيراً وبعد تدخل منظمة الشغل الدولية عبر مكتبها في الجزائر.
وأردف أن وزير العمل تعرض لمساءلة من طرف النواب لدى نزوله بالبرلمان، وقد رد على الانشغالات وقدم هذه الشروط التي هي عادية وطبيعية، لكن ما يعاب عليها رفض العمل بالأثر الرجعي.
وختم مرابط بأن خطوة الوزارة لا يمكن إدراجها في سياق تقليم أظافر النقابات، وإنما تنظيم النشاط وهي من مطالب النقابات المستقلة.
بين الحتمية وإعادة الهيكلة
من جانبه يعتبر الحقوقي عابد نعمان أن مسألة الشروط تعتبر حتمية، لأنه "لو نعيد المشهد نجد أن الدستور اعتمد الديمقراطية التشاركية ونظرية التصريح بدلاً من نظرية الاعتماد".
وقال إن النقابات التي كانت جلها شكلية مجرد سجلات بأسماء منخرطين ورقياً وكل نشاطاتها متمركزة في شخص الرئيس ومكتبه أو ما يعرف بنقابة حامل الختم، وهو ما يتنافى مع طبيعة الحق النقابي المكفول، تتجه لأن تكون حماية الحق من المصادرة أو التصرف بالوكالة.
وشدد نعمان على أن بعض النقابات قد تعتبر الخطوة ابتزازاً، لكن هي تصحيح وضعية خاطئة مبنية على أسماء وحاملي أختام، وتوقع أن يكون هناك نشاط نقابي بناء طالما أن الساحة ستتحرر ويصبح النقابي فعلاً له صوت حقيقي وتعبير حقيقي لإيصال الحقيقة بما يخدم العامل وأرباب العمل.
إلى ذلك يعتقد البرلماني إسماعيل خاشع، في حديث مقتضب لـ"اندبندنت عربية"، أن قانون ممارسة العمل النقابي المعدل جاء في إطار تكييف القانون بتوصية من منظمة العمل الدولية وليس استجابة لمطالب وطموحات النقابات الجزائرية، لذلك فمن المتوقع ألا يحظى بترحيب من النقابيين.
وأشار خاشع إلى أن الإجراء ليس تقويضاً للنقابات، بل على العكس يضع الإطار القانوني وفق المعايير الدولية، لتبقى طموحات النقابات مفتوحة إلى أجل غير مسمى، لافتاً إلى أنه يمكن تصنيفه في سياق إعادة هيكلة بعيداً من تقليم أظافر.