حتى عام 1970 كان "وادي غزة" محمية طبيعية وأكبر مصدر للتنوع الحيوي الكبير، كما أدرج ضمن القائمة الأولية لمواقع التراث العالمية في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "يونيسكو"، لكن انخفاض تدفق المياه في مجراه أحاله إلى "مكرهة صحية" نتيجة ضخ المياه العادمة فيه وتحويل أرضه إلى مكب للنفايات، وهي الحال التي انقلبت أخيراً بعد أن عملت الأمم المتحدة والسلطات الفلسطينية على إعادة ضخ الحياة فيه من جديد وجعله مقصداً للنزهة.
يعد "وادي غزة" الجسر البري الذي يربط قارتي أفريقيا وأوروبا مع آسيا، بحسب تقرير على موقع "يونيسكو"، كما يتمتع ببيئة بيولوجية نابضة بالحياة لا مثيل لها، فهو ممر عبور الطيور والحيوانات المهاجرة، وترتبه الرطبة المميزة ينبت فيها 70 نوعاً من النباتات المتنوعة النادرة.
المحمية التي كانت
يبدأ مجرى "وادي غزة" من صحراء النقب في إسرائيل، ويزيد طوله على 105 كيلومترات، ويمر في القطاع حتى يصب في البحر المتوسط بطول يصل حتى تسعة كيلومترات، وبعرض من 40 إلى 400 متر، لكن تلك المنطقة الصغيرة التي تتقاطع مع غزة لها أهمية كبيرة، وما زالت تحمل مقومات المحمية الطبيعية.
فهناك كان يعيش أكثر من 250 نوعاً من الطيور، إضافة إلى 140 نوعاً آخر من الطيور المهاجرة التي تقطع آلاف الكيلومترات إلى الوادي للتعشيش والتكاثر، كما كان يتمتع بخليط مياه مميز من الأمطار مع المياه الجوفية، مما جعل تربته الرطبة موطناً لـ219 نوعاً من النباتات، منها 70 نادرة.
بعد أن أظهرت نتائج الحفريات الأثرية أن مدناً شيدت قربه منذ العصر البرونزي، أعلنت سلطة جودة البيئة الفلسطينية (مؤسسة حكومية) أن "وادي غزة" محمية طبيعية. يقول وزير الحكم المحلي مجدي الصالح، إنه تم التفكير في هذه المنطقة كمحمية لكونها تشكل عنق الزجاجة الذي يلزم الطيور المهاجرة العبور منه، فمثلاً يعد الوادي ممراً لطيور مالك الحزين واللقلق والنحام، كما يعيش فيه عصفور الشمس الفلسطيني الذي لا يوجد مثله في العالم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويضيف "لاحظنا أن الوادي يعد موطناً بديلاً وجيداً لتلك الحيوانات والطيور التي تغيرت طبيعة مواطنها الأصلية، لهذا السبب وجدنا أن مؤسسات الأمم المتحدة مهتمة جداً بتلك المنطقة وترغب في تحويلها من جديد إلى محمية طبيعية".
في سبعينيات القرن الماضي، بدأ تدهور "وادي غزة" عندما أنشأت إسرائيل سدوداً وخزانات على مجرى الوادي بالقرب من حدودها مع القطاع، ومنعت تدفق 20 مليون متر مكعب من المياه سنوياً إليه، ونتيجة ذلك تغير النظام الطبيعي لهذه المحمية، وباتت مكاناً شبه جاف لا يجري فيه الماء إلا مرة في السنة عندما تكون الخزانات الإسرائيلية ممتلئة أو تحت الصيانة.
بسبب ذلك، تغير الوادي كما لو أنه أصيب بمرض ما، إذ ظل لنحو ثلاثة عقود يبتلع بشكل يومي 16 ألف متر مكعب من المياه العادمة الخام، إلى جانب ما يستقبل من النفايات الصلبة التي يقدر وزنها الإجمالي بنحو 90 ألف طن، حتى باتت المحمية الطبيعية قاتلة للطبيعة واستوطنتها أنواع مختلفة من الحشرات والبكتيريا والقوارض والأفاعي.
يقول رئيس المعهد الوطني للبيئة والتنمية أحمد حلس "تدفقت آلاف الأمتار المكعبة من المياه العادمة بالجاذبية إلى الوادي، ما جعله مكرهة بيئة تؤثر على جيرانه، وبعد كل هذا الأذى والتلوث الشديد الذي دمر البيئة فيه نرى اليوم بارقة أمل للتغيير الإيجابي من خلال الجهات ذات العلاقة".
عودة الحياة مجدداً
حتى فبراير (شباط) الماضي ظل "وادي غزة" مكب نفايات إلى أن عملت خمس بلديات في القطاع، بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي "UNDP"، على تنظيفه من النفايات الصلبة وإيقاف ضخ المياه العادمة في مجراه، الأمر الذي أعاد النبض إليه من جديد فبدأت الحياة تزهر بين جنباته.
يقول رئيس برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في غزة فيكتور مونتينو "لقد تبنت الأمم المتحدة بالتعاون مع السلطات المحلية مشروع إعادة الحياة للمحمية، ونحن على مدى الأشهر الماضية نعمل على معالجة وإزالة النفايات الصلبة من المكان، ومن المنتظر زراعة الأشجار ببطء وإنشاء ممرات للتنزه ومعالجة التربة الملوثة في إطار المشروع، قبل فتح بوابات السد من مرفق معالجة المياه مما سيسمح للمياه النظيفة بملء الوادي مجدداً".
وبحسب وزارة الحكم المحلي فإن منطقة "وادي غزة" باتت محمية طبيعية مصونة ضد أي مخالفات أو أنشطة بيئية غير قانونية في إطار العمل مع الأمم المتحدة على تطوير هذه البقعة.
وحول تفاصيل إعادة تحويل الوادي إلى محمية طبيعية. يقول رئيس مجلس الخدمات المشترك لـ"وادي غزة" إياد مغاري "نعمل على إعادة تأهيل الوادي كمحمية طبيعية معترف بها في مؤسسات الأمم المتحدة، فضلاً عن تعزيز سبل العيش لسكان المناطق المجاورة من خلال تطوير المناطق الترفيهية وخلق فرص عمل مستدامة".
ويضيف مغاري "تشمل المحمية الوحيدة في القطاع مساحات خضراء وأندية رياضية ومتاحف ومطاعم، ولدينا خطط لخلق حلول للبنية التحتية المائية والخضراء، كما نعمل على تشجيع الأنشطة الزراعية ومتابعة المناطق البرية لمنع أي تدخل غير قانوني داخل المحمية، من أجل الحفاظ على معايير الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة".