منذ أن أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تشكيل حكومته اليمينية، دخل الأردنيون رسمياً وشعبياً في أجواء مشحونة، قوامها قرع طبول الحرب والدعوة لتسليح العشائر وإعادة التجنيد الإجباري خشية حدوث تطورات.
وحفل الإعلام الرسمي منذ أيام بعديد من المقالات التي تحذر من استهداف نتنياهو للأردن ومصالحه أو اتخاذ الوزراء المتطرفين في حكومته مثل إيتمار بن غفير الذي وصف إعلامياً بـ"عدو الوصاية الهاشمية"، قرارات مستفزة في القدس تحديداً.
ودأبت وسائل إعلام محلية على وصف حكومة نتنياهو بمفردات مثل "حكومة المستوطنين"، بينما طالبت أخرى بتصعيد الخطاب الحكومي والتنسيق بشكل أكبر مع السلطة الفلسطينية، وتوظيف العلاقات الدولية الواسعة بدلاً من التهويل.
حملة تحشيد
في السياق ذاته، تشن نخب سياسية أردنية حملة تحشيد، عنوانها الخشية من عودة نتنياهو إلى سلوكه العدائي تجاه الأردن على الأرض، كما كانت عليه الحال قبل نحو عامين، الأمر الذي دفع العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني في حينه إلى رفض تلقي اتصالاته ووصفه بشريك السلام غير المرغوب فيه.
من بين هؤلاء ممدوح العبادي نائب رئيس الوزراء الأسبق الذي دعا لإعادة التجنيد الإجباري وتسليح الشعب الأردني استعداداً لأي سيناريو إسرائيلي يحمل في طياته الوطن البديل.
بينما ذهب الشيخ طراد الفايز، أحد أهم وجهاء العشائر الأردنية، إلى أبعد من ذلك حينما طالب الحكومة الأردنية بإعادة فتح مكاتب حركة "حماس"، التي تم إغلاقها في عام 1999، مطالباً أيضاً بوقف التنسيق الأمني مع إسرائيل.
كما طالب وزير الداخلية والزراعة الأسبق سمير الحباشنة باستئناف الخدمة العسكرية وضرورة الاستعداد حفاظاً على الوطن الأردني.
في حين غصت منصات التواصل الاجتماعي بدعوات للحكومة للاستعداد لما هو قادم، لكن حتى اللحظة لا يبدو أن الموقف الرسمي ذاهب في اتجاه التأزيم مع الجانب الإسرائيلي مع إقدام عمان على اتخاذ خطوات تعاكس الرغبة الشعبية عبر توقيع اتفاق تفاهم تبادل الطاقة مقابل المياه، وآخر يخص البحر الميت ونهر الأردن.
دعوة للواقعية
وتقلل أصوات أخرى من أهمية هذه التخوفات واعتبرت أن ما يدور هو جدل مضر يجب احتواؤه لأنه يشكك بالدولة الأردنية وقدراتها، من بين هؤلاء رئيس مجلس الأعيان فيصل الفايز الذي يرى أن تشكيل حكومة يمينية إسرائيلية لن يؤدي إلى زعزعة الأمن والاستقرار في الأردن.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
على ذات المنوال يؤكد وزير الإعلام الأردني الأسبق وعضو مجلس الأعيان محمد المومني أن بلاده ستستخدم وتوظف كل الأوراق التي تملكها في مواجهة أي ممارسات من حكومة إسرائيلية يمينية تؤدي إلى المساس بمصالحها.
لكن الصالونات السياسية والمجالس العشائرية، تتقلب على وقع هواجس ومخاوف من سلوك إسرائيلي متطرف أكثر شراسة من السنوات السابقة في ظل عدم اتخاذ الحكومة الأردنية أي خطوات حتى اللحظة.
دق طبول الحرب
من جهته يعتقد الكاتب ماهر أبو طير أن ثمة تهويلاً في التوقعات، فالأردن برأيه مر بتجارب أسوأ مع إسرائيل، في فترة إسحاق شامير وأرئيل شارون، مشيراً إلى دور الولايات المتحدة المتوقع لضبط إيقاع اليمين الإسرائيلي المتطرف.
ويشير إلى أن كلفة عبث إسرائيل مع الأردن وتهديده ستكون عالية في ظل سنوات من التنسيق الأمني المشترك في عدة ملفات، مضيفاً "رئيس الحكومة الإسرائيلية لن يهدد الأردن مباشرة، لكنه سيولد عوامل تهديد غير مباشرة على صلة بالأردن في ملف المسجد الأقصى وملف استقرار الوضع في الضفة الغربية".
ويطالب أبو طير الحكومة بتحرك على مستوى إقليمي ودولي، من أجل ردع الحكومة الإسرائيلية عن سياساتها المحتملة، واستخدام علاقاتها الدولية فضلاً عن علاقاتها بالقوى والتيارات الفلسطينية في أراضي فلسطين المحتلة عام 1948 وفي القدس.
ورغم توفر كل أدوات الضغط هذه، يشير أبو طير إلى ما يضعف الموقف كالاتفاقات الاقتصادية وحالة التشبيك القائمة في ملفي المياه والغاز القادمين من إسرائيل.
لكن القلق الأردني الرسمي من عودة نتنياهو لا يمكن فهمه بموازاة إصرار الحكومة على المضي قدماً في اتفاق مرفوض شعبياً وبرلمانياً، وهو اتفاق الكهرباء مقابل الماء مع إسرائيل الذي وقع بين الطرفين خلال مؤتمر شرم الشيخ مؤخراً.
ويصف الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتزوغ هذا الاتفاق بأنه رسالة طمأنة إلى الأردن المتخوف من تبعات تشكيل نتنياهو الحكومة الإسرائيلية الجديدة التي تضم متشددين.
فقد عرف "بن غفير" بدعواته المتكررة لطرد الفلسطينيين إلى الأردن ومطالبته بإلغاء الوصاية الهاشمية وطرد حراس المسجد الأقصى التابعين لوزارة الأوقاف الأردنية ومنع أي وجود أردني في الحرم القدسي.
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نفتالي بينيت اتهم نتنياهو في أغسطس (آب) الماضي بالتسبب في القطيعة مع الأردن، محملاً إياه مسؤولية تدهور العلاقات بين الطرفين خلال الفترة الماضية التي شهدت توتراً وصل إلى حد التهديدات المتبادلة.