طالبت إيلي ريفز وزيرة العدل في حكومة الظل "العمالية" المعارضة في المملكة المتحدة، بضرورة استحداث سجل للعنف الأسري، بهدف وضع حد لجرائم القتل "المروعة" المرتكبة ضد نساء على أيدي شركائهن.
السياسية التي تتولى أيضاً ملف السجون ومراقبة سلوك المفرج عنهم، أثارت في حديث حصري لـ "اندبندنت" مخاوف بشأن وجود نقص في "الإرادة السياسية" لدى الحكومة البريطانية، لمعالجة مسألة العنف الأسري، محذرة من أنه يجب القيام "بالمزيد" على هذا الصعيد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
السيدة ريفز - التي تقود جهود مكافحة العنف الذي يستهدف النساء والفتيات في إطار العدالة القضائية - انتقدت الواقع المتمثل في تراجع توجيه الاتهامات والمقاضاة والإدانات في القضايا المرتبطة بالعنف الأسري.
وكانت بيانات أخيرة صادرة عن "دائرة الادعاء العام الملكية" في بريطانيا Crown Prosecution Service (CPS) قد أشارت إلى أن إحالات الشرطة إليها انخفضت مرة أخرى منذ العام السابق، بحيث تمت إحالة 67,790 قضية، مقارنة بـ 72,527 في العام المنتهي بشهر يونيو (حزيران) من عام 2021، أي بانخفاض بنحو سبعة في المئة.
وأبدت ريتشيل هورمان براون، وهي محامية بارزة في قضايا العنف الأسري، قلقها هي أيضاً من الأرقام، معتبرة كما قالت لـ "اندبندنت"، أن تعامل نظام العدالة الجنائية مع قضايا العنف الأسري يزداد سوءاً، و"بات يتسبب في وقوع جرائم قتل" للنساء.
في المقابل، رأت منظمة "ريفيوج" Refuge وهي أكبر جهة توفر مأوى لضحايا العنف الأسري في المملكة المتحدة، أن هذه الإحصاءات تظهر أن المملكة المتحدة تعاني "وباء العنف ضد النساء والفتيات" الذي لا "دلائل" تشير إلى وجود إمكانية للقضاء عليه.
وفي معرض مناقشة مسألة الحاجة إلى استحداث سجل رسمي خاص بحالات العنف الأسري، قالت السيدة إيلي ريفز إن "هناك حاجة إلى الإقرار بوجود تاريخ طويل من العنف الأسري يتخطى حدود السلوك السيئ الذي قد يرتكبه شريك ضد الآخر، أنه أمر حدث لنساء في السابق ويتكرر مجدداً".
السياسية "العمالية" وعضو البرلمان عن دائرة "لويسهام ويست أند بنج"، رأت أن "المعلومات والأحداث المتعلقة بهذا الموضوع ما زالت مشتتة وغير مترابطة" في الوقت الراهن، وأن من شأن إنشاء سجل في هذا الصدد أن يوفر للسلطات المعنية وسيلة "لإجراء تتبع مركزي" للبيانات المتعلقة بالمعتدين والمسيئين.
وأضافت "إذا لم يكن شرطي مكلف مراقبة أحد المفرج عنهم على علم بماضي الشخص المعني، أو إذا لم تكن المحكمة على علم بتاريخه العنيف الطويل، فعندئذ يكون المجال محدوداً لاتخاذ إجراءات عملية في هذا الشأن، لتغيير مثل تلك السلوكيات المسيئة، ولإيجاد حلول ووضعها حيز التنفيذ".
"أداء نظام العدالة الجنائية لم يكن جيداً على الإطلاق في التعامل مع حالات العنف الأسري. إن هذه الممارسات تزداد سوءاً، وغياب الإجراءات أو طرق التدخل التي لا تعالج الحالات بشكل مناسب، تعرض في الواقع النساء لمزيد من خطر القتل"
ريتشيل هورمان براون
وفي هذا الإطار، قد يشكل السجل الذي يطرحه حزب "العمال" في شأن الأشخاص المدانين بارتكاب اعتداءات أسرية متسلسلة وكذلك المطاردة، من خلال استخدام السجل الراهن لجرائم العنف والجنس، نموذجاً أولياً للصيغة النهائية التي سيطالب باعتمادها. وبموجب الإجراءات القانونية الجديدة، سيجبر الجناة المدانون بارتكاب جرائم متسلسلة والملاحقون، على تقديم معلوماتهم الشخصية للشرطة، والإبلاغ عن أي تغيير في وضعهم.
وتعتبر السيدة ريفز التي كانت محامية مرافعة سابقة في قانون العمل، وقامت بتمثيل نقابات العمال في هذا الإطار، أن مثل هذا السجل يمكن في نهاية المطاف أن يشكل رادعاً من شأنه الحد من عدد جرائم قتل مزيد من النساء على أيدي الرجال، منبهة إلى أن الضحايا يواجهن حظوظاً متفاوتة في القدرة على النجاة. ورأت أن الحكومة كان بإمكانها اقتراح وضع سجل، عندما كان "مشروع قانون العنف الأسري" Domestic Abuse Bill مطروحاً على البرلمان لمناقشته.
وكانت السيدة ريتشاردز وهي محللة سابقة لجرائم العنف لدى شرطة العاصمة البريطانية Metropolitan Police، قد طالبت بإنشاء سجل خاص بالمرتكبين المتسلسلين لجرائم العنف الأسري وملاحقتهم منذ عام 2004.
وبحسب البيانات، فإن ما يصل إلى ثلاث نساء يقتلن كل أسبوع على يد الشركاء الراهنين أو السابقين في إنجلترا وويلز. وتبين الأرقام الأخيرة الصادرة عن "المكتب الوطني للإحصاء" Office for National Statistics (ONS) أن عدد جرائم العنف الأسري في إنجلترا وويلز ارتفع بنسبة ثمانية في المئة مقارنة بالعام السابق، بحيث زاد إلى عتبة 910,980 جريمة، في السنة المنتهية بشهر مارس (آذار) 2022.
السيدة هورمان براون التي تتولى قضايا الأسر والعنف المنزلي والمطاردة في مؤسسة المحاماة "دبليو آر سوليسيترز" WR Solicitors، أكدت لـ "اندبندنت" أنها تدعم استحداث سجل يتقصى حالات العنف الأسري، إذا كان "سيتم استخدامه فعلاً"، لكنها اعتبرت أن المطلوب هو "إصلاح كامل للطريقة التي تتم من خلالها مقاربة موضوع العنف الأسري والتعامل معه".
وأضافت المحامية الخبيرة في قضايا العنف الأسري التي ترأس مؤسسة Paladin National Stalking Advocacy Service (جمعية خيرية تتعامل مع الصدمات النفسية وتدعم ضحايا السلوك المعادي للمجتمع في إنجلترا وويلز) أن "أداء نظام العدالة الجنائية لم يكن جيداً على الإطلاق في التعامل مع حالات العنف الأسري". ولاحظت "أن هذه الممارسات تزداد سوءاً، وأن غياب الإجراءات أو طرق التدخل التي لا تعالج الحالات بشكل مناسب، تعرض في الواقع النساء لمزيد من خطر القتل بدلاً من تخفيفه".
ودعت براون إلى محاسبة الأشخاص في موقع المسؤولية عن هذه الإخفاقات، قائلة: "إلى حين أن نرى مسؤولين أو شرطيين يتهمون بما يمكن اعتبارها ’جرائم القتل غير العمد على المستوى المؤسسي‘، أو نراهم يفقدون وظائفهم أو معاشاتهم التقاعدية، فإن شيئاً لن يتغير".
وروت أن النساء اللاتي يتقدمن بادعاء لجهة تعرضهن لعنف منزلي "يتعرضن للسخرية بشكل روتيني ويقابلن بموقف من النكران والتشكيك" من جانب أفراد الشرطة، وهو الأمر الذي لا يحدث مع جرائم أخرى كالسطو على سبيل المثال.
وأضافت السيدة هورمان براون تقول: "أعتبر من جهتي أن هذا يشكل دليلاً صارخاً على الكراهية ضد النساء داخل أجهزة الشرطة. فالجرائم التي يتعاملون معها هي أسوأ الجرائم التي تؤثر في الإناث بشكل غير متناسب، وهي العنف الأسري، والمطاردة، والاغتصاب، وجرائم الجنس، وإساءة معاملة الأطفال".
ولفتت إلى أنه "كثيراً ما تضطر نساء للجوء إلى دفع تكاليف تركيب كاميرات مراقبة CCTV، وتعيين محامين ومحققين خاصين، بهدف جمع أدلة لإبرازها للشرطة، قبل الإقدام على أية خطوة. ويبدو أنه في حال قامت امرأة ما بالإبلاغ عن جريمة ما، فإنها تحتاج إلى ثلاثة شهود مستقلين قبل أن تقرر الشرطة أخذ إفادتها على محمل الجد".
ولفتت إلى أن الأمور عادة ما "تكون أسوأ مما تبدو عليه"، عندما تقوم النساء بالإبلاغ عن سلوك قمعي أو مطاردة من جانب شريكها (فعل أو نمط من أعمال الاعتداء والتهديد والإذلال والترهيب أو غير ذلك من أشكال الإساءة)، وأشارت إلى أن "الشرطة تفوت الأدلة على نحو روتيني، عندما لا تقوم بالتحقق من تسجيلات كاميرات المراقبة أو تجري تحقيقاً مع الشهود، أو تدقيقاً في سجلات الهاتف".
وتصف المحامية ذلك بأنه "إهمال، وهو في رأيي يسهم في تحفيز وتيرة جرائم القتل. وما دام التعامل لا يتم بحزم مع هذا النوع من السلوك فإن ذلك يشجع الجاني على الاستمرار بأفعاله". ولفتت إلى أن ذلك يؤدي إلى "عدم تجريم العنف ضد النساء على نحو غير معلن، مما يجعل الاستجابات ضعيفة للغاية".
ولاحظت أن أفراد الشرطة لم يتلقوا تدريباً توعوياً جيداً في شأن الطرق المتعلقة بالتهديدات الأخرى غير المرتبطة بالضرورة بالإساءة الجسدية، بحيث يقولون إنهم يقدمون في كثير من الأحيان نصائح للضحايا من قبيل: "غيري رقم الهاتف"، أو "سنوجه تحذيراً إلى المرتكب"... على رغم شعورهم بأن مثل هذه الإجراءات تعرض الضحايا لخطر أكبر.
وتتابع المحامية ريتشيل هورمان براون: "إن عدد الأوامر الصادرة لحماية الضحايا من أعمال المطاردة على سبيل المثال، هو مثير للحرج. تماماً كما توجيه الاتهامات في عدد من حالات السلوك القمعي".
يشار إلى أن العنف ضد النساء والفتيات اكتسب اهتماماً متزايداً منذ حادثة مقتل سارة إيفرارد على يد واين كازينز العنصر في شرطة العاصمة البريطانية Met Police في مارس (آذار) عام 2021، بحيث تعرضت الشرطة لانتقادات مستمرة نتيجة فشلها في معالجة مثل هذه القضايا على النحو المناسب حتى داخل صفوفها.
روث ديفيسون الرئيسة التنفيذية لمنظمة "ريفيوج" Refuge أكبر جهة توفر مأوى لضحايا العنف الأسري في المملكة المتحدة، وصفت البيانات الأخيرة بأنها "مروعة". وربطت ما بين "تسجيل الشرطة زيادة في نسبة الجرائم المبلغ عنها لها، وتراجع عدد القضايا المحالة إلى ’دائرة الادعاء العام الملكية‘، وكذلك الاعتقالات".
وتشير هذه الأرقام بشكل رئيس إلى أن العنف الأسري لا يتم التعامل معه بالجدية اللازمة. فنظام العدالة الجنائية الرازح تحت كم هائل من الضغوط والأعباء، إضافة إلى التأخيرات الطويلة في عقد جلسات الاستماع للقضايا المرفوعة، والافتقار للخدمات المتخصصة الكافية لدعم الناجيات، جميعها أسباب تفاقم هذه المشكلة".
واعتبرت أن الإحصاءات "تظهر مرة أخرى مدى إلحاح" مطالبات مؤسستها بإجراء تدريب إلزامي معزز للمهنيين العاملين في نظام العدالة الجنائية، كي يدركوا خطورة العنف الأسري، ويتفاعلوا مع التقارير التي يتلقونها "بطرق مناسبة وواعية حول الصدمات التي يمكن أن تمر بها الضحايا".
وأضافت السيدة ديفيسون: "لقد حان الوقت الآن لجعل مقاضاة الجناة مسألة تتصدر قائمة أولويات الجهات المعنية المسؤولة، والتركيز بلا كلل على إدخال تحسينات إلى نظام العدالة الجنائية. فالناجيات والنساء اللاتي يتعرضن للإساءة، لا يمكنهن الانتظار حتى يتحقق التغيير".
وفي تعليق على ما تقدم، قالت لويزا رولف التي تتولى ملف العنف الأسري في "مجلس قادة الشرطة الوطنية" National Police Chiefs’ Council والمفوضة المساعدة إن "العنف الأسري يشكل، إلى جانب جميع الجرائم التي تنطوي على عنف ضد النساء والفتيات، أولوية لأجهزة الشرطة، ونحن مصممون على تحسين طرق ملاحقة الجناة من جهة، وضمان سلامة الضحايا من جهة ثانية".
وأوضحت أن "هناك أسباباً معقدة لتراجع نسبة الملاحقات القضائية، وفي ما يتعين تحسين عمل قوى الشرطة، فإن هناك أسباباً جذرية معقدة لهذه القضايا. وبينما نعترف بوجود بعض الأمثلة على استجابات غير كافية من جانبنا، فإن هناك عدداً من عناصر الشرطة المتفانين والمهرة والمتعاطفين، الذين يحققون في شكاوى العنف الأسري".
وأقرت "بضرورة تحسين مستوى الاستجابة الأولى التي تتلقاها كل ضحية"، مشيرة إلى أنه جرت بعض "التحسينات المدعمة بأدلة" في الأعوام الأخيرة.
وشرحت المسؤولة في الشرطة ما تعنيه قائلة: "شمل ذلك تدريباً مباشراً اتسم بالتحدي، قادته جمعيات خيرية وناجيات من العنف الأسري، واعتماد أدوات تقييم المخاطر التي ثبت أنها تحدد بشكل أفضل الجناة الذين يمكن أن يعرضوا الآخرين للخطر. ونحن نقر أيضاً بالتأثير الضار الناجم عن سلوكيات بعض أفراد الشرطة الذين يرتكبون العنف، ونؤكد تصميمنا على ضمان عدم مواصلة المنتهكين مهماتهم في حفظ الأمن".
في عودة إلى السيدة ريفز من حزب "العمال"، فقد أثارت مخاوف من أن تكاليف المعيشة كانت تمنع ضحايا العنف الأسري من الفرار من العلاقات المسيئة لها، بسبب القلق على طريقة تدبر الأمور المالية. وقالت: "تجد كثيرات مصاعب في دفع الفواتير، وبدلات الإيجار، وأقساط الرهن العقاري، وفواتير الطعام. وبالنسبة إلى عدد منهن، فإن الخروج من علاقة مسيئة، يبدو كأنه تحد مستحيل".
وذكرت كمثال إحدى المؤسسات الخيرية في منطقتها وتسمى "بروملي برايتر بيغينيغز" Bromley Brighter Beginnings التي تدعم نساء وأطفالاً فروا من العنف الأسري، وغادروا "خالي الوفاض كلياً من دون أن يكون في حوزتهم شيء"، مشيرة إلى أنها تستقبل أعداداً هائلة من الإحالات.
وختمت بالقول إن ضحايا العنف الأسري من النساء يفررن من مأساتهن من دون التفكير بأخذ "عربات أو كراسي الطعام لأطفالهن. ولا يحملن معهن سوى غيار واحد من الملابس لهم وينسين حتى الحفاظات".
© The Independent