أظهر البيان الختامي للقمة السعودية - الصينية عزم قادة البلدين على "تعميق" التعاون والتنسيق في المجالات الدفاعية وعديد من القضايا، ودعم "المصالح الجوهرية لبعضهما بعضاً بثبات"، ودعم كل جانب الجانب الآخر في الحفاظ على سيادته وسلامة أراضيه، وبذل جهود مشتركة في الدفاع عن مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، ومواصلة إعطاء الأولوية للعلاقات السعودية - الصينية في علاقتهما الخارجية.
التعاون العسكري
العلاقات العسكرية السعودية - الصينية لم تكن وليدة اليوم بل بدأت قبل تدشين العلاقات دبلوماسياً، فبالعودة بالذاكرة إلى عام 1988 زودت الصين السعودية بخمسين صاروخاً باليستياً متوسط المدى من طراز "سي أس أس-2"، إذ كان هذا أول تعاون عسكري سعودي وكان سراً من دون معرفة الولايات المتحدة.
وقد كشفت شبكة "سي أن أن" الإخبارية قبل أشهر عن صور أقمار اصطناعية وتقييمات استخباراتية أميركية أظهرت أن الرياض "بنت منشآت لتصنيع الصواريخ الباليستية بمساعدة الصين".
ورد متحدث باسم وزارة الخارجية الصينية على التقارير، قائلاً إن البلدين "شريكان استراتيجيان وحافظا على تعاون ودي في جميع المجالات، بما في ذلك مجال التجارة العسكرية".
وجددت السعودية وفق البيان الختامي التزامها مبدأ "الصين الواحدة"، فيما عبر الجانب الصيني عن دعم السعودية في جهودها للحفاظ على أمنها واستقرارها، كما أعرب عن "معارضته بحزم" أي تصرفات من شأنها التدخل في الشؤون الداخلية للرياض، ورفض أي هجمات تستهدف المدنيين والمنشآت المدنية والأراضي والمصالح السعودية.
ويعتقد مراقبون أن الصين ترى في الدول العربية مصدراً خصباً من الثروات المعدنية والطاقية التي بواسطتها يمكن أن ترفع من تنافسية اقتصادها ليضاهي الاقتصادي الأميركي.
القضايا العربية
في السياق الدولي تناول البيان القضايا العربية، واتفق الجانبان على ضرورة تعزيز التعاون المشترك فيها لـ"ضمان سلمية برنامج إيران النووي"، داعين إيران إلى التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، مؤكدين احترام مبادئ حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول.
وفي الملف اليمني أعلنت الرياض وبكين دعمهما الجهود الرامية للتوصل إلى حل سياسي للأزمة اليمنية مع تأكيد ضرورة التزام الحوثيين الهدنة، فيما أشادت بكين بـ"المبادرة السعودية" لإنهاء الحرب في اليمن.
وفي ما يتعلق بالقضية الفلسطينية شدد الجانبان على ضرورة تكثيف الجهود الرامية للتوصل إلى "تسوية شاملة وعادلة"، وإيجاد "أفق حقيقي للعودة إلى مفاوضات جادة وفاعلة لتحقيق السلام"، وفقاً لمبدأ حل الدولتين، ومبادرة السلام العربية، "بما يكفل للشعب الفلسطيني حقه في إقامة دولته المستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية". وشدد الجانبان في الشأن السوري على ضرورة تكثيف الجهود للتوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية، يحفظ وحدة سوريا وسلامة أراضيها ويعيد لها أمنها ويخلصها من الإرهاب.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولم تغب أوكرانيا عن الحديث، إذ أكد الجانبان أهمية تسوية الخلافات بالوسائل السلمية وبذل جميع الجهود الممكنة لخفض التصعيد بما يسهم في إعادة الأمن والاستقرار. وأشار الجانب الصيني إلى مبادرته ذات النقاط الست في شأن الوضع الإنساني في أوكرانيا، وتقديمه مساعدات إنسانية إلى أوكرانيا، ودعوته إلى تفادي وقوع أزمة إنسانية واسعة النطاق. وأعرب الجانب الصيني عن تقديره الجهود الإنسانية والسياسية التي بذلها في تقديم المعونات الإنسانية لأوكرانيا، والإفراج عن عدد من أسرى الحرب من جنسيات مختلفة.
القمة السعودية - الصينية
وفي مجال العلاقات الثنائية بين البلدين، أشارت السعودية والصين وفق البيان المشترك، إلى أهمية تعزيز التعاون بينهما من خلال اللجنة "السعودية - الصينية" الرفيعة المستوى لتحقيق الأهداف المشتركة وتعزيز التعاون بين البلدين في المجالات كافة، وتكثيف التواصل بين القطاعين الحكومي والخاص في البلدين لبحث الفرص الاقتصادية والتجارية والاستثمارية وترجمتها إلى شراكات ملموسة، وتعزيز التعاون في المجالات التي تهدف إلى الارتقاء بالعلاقة الاقتصادية والتنموية بين البلدين إلى آفاق أوسع.
الصين هي الشريك التجاري الأكبر للسعودية التي غالباً ما تحتفظ بصدارة موردي النفط للصين، وأكد البيان تعزيز التعاون في مجال الطاقة، وشدد الجانبان على أن تعزيز تعاونهما في هذا المجال يعد شراكة استراتيجية مهمة وأن "تطوير وتوطيد التعاون بينهما في مجال النفط يتفق مع المصالح المشتركة للجانبين"، ورحبت الصين بدور السعودية في دعم توازن واستقرار أسواق البترول العالمية.
الاستثمار بين البلدين
كما اتفق الجانبان على بحث الفرص الاستثمارية المشتركة في قطاع البتروكيماويات وتطوير المشروعات الواعدة في تقنيات تحويل البترول إلى بتروكيماويات، وتعزيز التعاون المشترك في عدد من المجالات والمشاريع، ومنها الكهرباء والطاقة الكهروضوئية وطاقة الرياح وغيرها من مصادر الطاقة المتجددة وتطوير المشاريع ذات العلاقة، إضافة إلى الاستثمار المشترك في مشروعات الطاقة في دول المنطقة والدول المستهلكة لمنتجات الطاقة في أوروبا وأفريقيا.
وأعرب الجانب السعودي عن تطلعه إلى جذب الخبرات الصينية للمشاركة في المشروعات المستقبلية الضخمة في البلاد وحرصه على تمكين الاستثمارات السعودية في الصين، وكذلك تذليل الصعوبات التي تواجهها، وأكد أهمية استقطاب الشركات العالمية الصينية لفتح مقار إقليمية لها في الرياض. وفي مجال الاتصالات وتقنية المعلومات أكد الجانبان ضرورة تعزيز الشراكة في المجالات المتعلقة بالاتصالات والاقتصاد الرقمي والابتكار والفضاء، لتحقيق مستقبل رقمي أفضل للأجيال المقبلة في البلدين.
وأعرب الجانبان عن ارتياحهما لتوقيع "خطة المواءمة" بين رؤية "المملكة 2030" ومبادرة "الحزام والطريق"، واتفقا على أهمية تسريع وتيرة المواءمة بين مشاريعهما في البلدين، وتوظيف المزايا المتكاملة، وتعميق التعاون العملي بين الجانبين بما يحقق المنفعة المتبادلة والتنمية المشتركة.
التغير المناخي
وعلى رغم أن انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في الصين آخذة في الانخفاض فإنها لم تصل إلى أدنى مستوياتها بعد بحسب التقارير الدولية، إلا أن ثاني أكبر اقتصاد في العالم أشاد بجهود السعودية في هذا المجال، وأعرب عن دعمه لجهودها في مجال التغير المناخي. كما أكد الجانبان أهمية مبادئ الاتفاقية الإطارية للتغير المناخي و"اتفاق باريس"، وضرورة تنفيذ الاتفاقيات المناخية بالتركيز على الانبعاثات دون المصادر، واتفق الجانبان على مواصلة التنسيق حول سياسات الطاقة من خلال استخدام الاقتصاد الدائري للكربون كأداة لإدارة الانبعاثات وتحقيق أهداف المناخ.
واتفقا على حض الدول المتقدمة على أن تتحمل مسؤولياتها التاريخية على محمل الجد، وتفي بجدية بتعهداتها وتخفض الانبعاثات بشكل كبير قبل الموعد المستهدف، ومساعدة الدول النامية بشكل ملموس على تعزيز قدراتها على مواجهة تحديات المناخ من خلال الدعم المالي والتقني وبناء القدرات.