أعاد اختفاء الضابط السابق في الاستخبارات الليبية أيام عهد العقيد معمر القذافي، أبو عجيلة محمد مسعود رفع الستار عن عملية تفجير طائرة لوكربي في 21 ديسمبر (كانون الأول) 1988، خصوصاً بعدما كانت الولايات المتحدة طالبت بتسليمه إليها وبعدما أكدت وزارة العدل الأميركية في 11 ديسمبر الحالي احتجازه كمتهم بصنع القنبلة التي فجرت الطائرة وأعلنت أنه سيمثل في أول جلسة أمام محكمة اتحادية بواشنطن. هذه الحادثة ليست الأولى من نوعها، فقد سبق لواشنطن أن خطفت أو حاولت خطف متهمين باختطاف الطائرات والإرهاب لمحاكمتهم وكان اللبناني فواز يونس واحداً منهم.
قصة فواز يونس تدخل ضمن إطار عمليات الخطف المضاد من خلال مشاركته في اختطاف الطائرة الأردنية عام 1985 وخطفه إلى الولايات المتحدة ومحاكمته هناك حيث حكي بعدها عن تجنيده لاحقاً للعمل لمصلحة الاستخبارات الأميركية ومساعدته في محاولة خطف العضو في "حزب الله" حسن عز الدين الذي شارك في عملية خطف طائرة "تي دبليو أي" عام 1985 أيضاً.
القائد نزيه
عام 1985 كان مطار بيروت مسرحاً للفوضى والانفلات الأمني بحيث حصلت فيه أكثر من عملية خطف للطائرات ولكن في 11 يونيو (حزيران) من ذلك العام كان هذا المطار على موعد مع عملية خطف استعراضية علنية من دون الخوف من العواقب في لعبة مكشوفة ومفتوحة على كل الاحتمالات. ولكن عملية الخطف لم تنته بانتهائها فقد وقف الخاطفون عند أسفل سلم الطائرة لالتقاط الصور التذكارية ثم أطلقوا النار على الطائرة وفجروها وأحرقوها. بعد عامين تم فتح ملف القضية من جديد بعدما استدرج عملاء من مكتب التحقيق الفيدرالي الأميركي قائد عملية الخطف الذي أعطي اسم نزيه، اللبناني فواز يونس إلى زورق في عرض البحر وخطفوه ونقلوه إلى واشنطن حيث تمت محاكمته.
في 11 يونيو 1985 أراد نائب رئيس الجامعة الأميركية في بيروت لاندري سلايت مغادرة لبنان مع نجله خشية تعرضه لعملية خطف مستجيباً لدعوات الإدارة الأميركية لرعاياها إلى ترك لبنان بعد موجة الخطف التي طاولت عدداً منهم. نجح سلايت وابنه في الوصول إلى المطار واجتازا الممرات وخضعا للتدابير الأمنية العادية ودخلا إلى طائرة البوينغ 727 التابعة لشركة الطيران الأردنية "عالية" وكانا اشتريا تذكرتين للذهاب من دون إياب.
الساعة الـ10 و10 دقائق صباحاً، بعدما صعد الركاب الـ57 وبعدما استعد الطاقم للإقلاع بالطائرة، وبعدما تأكد رجال الأمن الأردنيون الثمانية المكلفون حمايتها من سلامة الرحلة حدثت المفاجأة. ستة مسلحين مزودين بأسلحة رشاشة وبقنابل يدوية ومواد متفجرة اقتحموا الطائرة وسيطروا على رجال الأمن الأردنيين وجردوهم من أسلحتهم وأوثقوا أياديهم وطرحوهم أرضاً وأمروا قائد الطائرة بالإقلاع فأقلع نحو قبرص.
هبطت الطائرة في مطار لارنكا حيث تم تزويدها بالوقود وبعدها أمر الخاطفون قائدها بالتوجه إلى تونس حيث كان يعقد اجتماع في مقر جامعة الدول العربية لوزراء الخارجية العرب. لكن السلطات التونسية لم تسمح لها بالهبوط فهبطت في مطار جزيرة صقلية حيث تزودت بالوقود وعادت إلى تونس في محاولة للهبوط ولكن السلطات التونسية لم تسمح لها أيضاً بذلك فوجه الخاطفون بياناً عبر الراديو طلبوا فيه توزيع الفلسطينيين الموجودين في لبنان على الدول العربية احتجاجاً على حرب المخيمات التي كانت تخوضها "حركة أمل" ضد التنظيمات الفلسطينية بحيث إن الخاطفين كانوا ينتمون إلى الحركة.
عادت الطائرة إلى قبرص وتزودت بالوقود وطارت إلى بيروت وهبطت في المطار الساعة 10:30 ليلاً. وفي الساعة الثالثة فجر اليوم التالي طار الخاطفون بالطائرة نحو دمشق فلم تسمح لها السلطات السورية بدخول مجالها الجوي فعادت إلى بيروت الساعة الرابعة والنصف فجراً في آخر هبوط لها وتبنت العملية "مجموعة أبناء الإمام موسى الصدر" الذي اختفى في ليبيا آخر أغسطس (آب) 1978 واتهمت "حركة أمل" العقيد الليبي معمر القذافي بإخفائه.
نقلت الطائرة إلى المدرج الغربي في المطار وطلب الخاطفون أن يحضر إلى المطار كل من مفتي الجمهورية حسن خالد ونائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى محمد مهدي شمس الدين والمفتي الجعفري الممتاز عبدالأمير قبلان والرئيس سليم الحص وسفير إيران في لبنان محمد نوراني ولكن لم يحضر إلا عبدالأمير قبلان الذي تولى مع مسؤول "أمل" في المطار بسام طليس التفاوض مع الخاطفين لإنهاء العملية.
في الساعة 13:25 بعد الظهر اشتبه الخاطفون في حركة مريبة بالمطار فأطلقوا النار في الهواء وأمروا بنقل الطائرة إلى آخر المدرج الجنوبي بالقرب من الرمول في ما بدا أنه من ضمن الترتيبات لإنهاء العملية. ونحو الساعة 13:50 بدأ الركاب بالخروج من الطائرة فيما وقف قائد العملية فواز يونس الذي سمي "نزيه" خلال المفاوضات مع المشاركين معه في الخطف عند أسفل سلم الطائرة يسلم عليهم ويودعهم.
الساعة 14 وصل الركاب والطاقم إلى قاعة المسافرين داخل المطار وبعد 10 دقائق سمع دوي انفجار أعقبه اندلاع حريق في مقدمة الطائرة وبعد 10 دقائق دوى انفجار ثانٍ ثم ثالث واندلعت النيران في الطائرة بينما كان الخاطفون مع مسلحين آخرين وصلوا لمساعدتهم، يطلقون نيران أسلحتهم عليها لتحترق قبل أن يغادروا المطار باتجاه الضاحية الجنوبية التي قدموا منها مصطحبين معهم رجال الأمن الأردنيين وقائد الطائرة ومستخدمين آلية تابعة للمطار.
من خطف إلى خطف
لاندري سلايت وابنه اللذان ساورتهما مشاعر متناقضة بين الفرح لانتهاء العملية والحزن لما تعرضا له، لم يقررا العودة إلى بيروت وغادرا على متن طائرة تابعة لشركة طيران الشرق الأوسط اللبنانية كانت متوجهة إلى قبرص. هبطت الطائرة في مطار لارنكا وكادت الرحلة تنتهي على خير ولكن فجأة استولى راكب فلسطيني على الطائرة بعدما شهر قنبلة يدوية وهدد بتفجيرها. بعد وقت قصير وافق على إطلاق الركاب واحتفظ بطاقم الطائرة المكون من أربعة رجال وطالب بإطلاق رجال الأمن الأردنيين وقائد الطائرة الذين احتفظ بهم الخاطفون في بيروت. بعد ثلاث ساعات تقريباً أطلقهم الخاطفون فأفرج الخاطف في قبرص عن الطاقم واستسلم للسلطات القبرصية قبل أن تنقله طائرة أردنية إلى عمان.
خطف يونس
بعد فترة قصيرة من انتهاء عملية الخطف سعت الولايات المتحدة إلى الحصول على معلومات عنها وحصلت على مساعدة من مخبر عمل معها يدعى جمال حمدان وكان ينتمي إلى "حركة أمل". وبعد استكمال جمع المعلومات عن فواز يونس وضعت خطة لاختطافه سميت عملية "القضيب الذهبي" تضمنت ما يلي: استخدام وحدات من سلاح البحرية لنقل فريق القبض عليه إلى البحر الأبيض المتوسط واستدراجه بواسطة هذا المخبر إلى عرض البحر واختطافه من هناك ونقله إلى واشنطن. قررت وزارة الدفاع الأميركية أن وسيلة المواصلات الرئيسة التي ستستخدم في العملية هي السفينة الحربية "ألبيوت" وكان من شروطها ألا تحصل ضمن المياه الإقليمية لأي دولة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وصلت "ألبيوت" إلى الموقع المحدد جنوب قبرص ليل 12 سبتمبر (أيلول) 1987 وفي الوقت نفسه وصلت مجموعة أخرى من عملاء مكتب التحقيق الفيدرالي على متن اليخت الذي سيتم استدراج يونس إليه. نجحت عملية إقناع يونس بالسفر إلى قبرص ومنها إلى البحر حيث وصل مع حمدان إلى اليخت اليوم التالي في 13 سبتمبر، فتم تفتيشه للتأكد من عدم وجود سلاح معه. اصطحب إلى آخر اليخت بينما كان العميل الأميركي الخاص إلى جانبه وعندما أعطيت الإشارة المتعارف عليها خرج عميل آخر من مخبئه وبالتعاون بين العميلين تمت السيطرة على يونس وألقي أرضاً وتم تكبيله.
بينما كان اليخت يقترب من السفينة تم تصوير يونس مكبلاً ثم ألبس أوفرول ورمي على ظهر اليخت واشتكى من ضيق الأصفاد الحديدية حول قدميه ويديه. تم إرسال قارب من السفينة باتجاه اليخت لنقل يونس ومعه رجال مكتب التحقيقات وتم رفع القارب إلى السفينة بواسطة رافعة كهربائية تعطلت أثناء الرفع فاستكملت العملية يدوياً.
أنزل يونس على متن السفينة الحربية وكان في انتظاره فريق طبي فاقتيد إلى غرفة خاصة مجهزة له من دون نوافذ وتم فحصه طبياً، خصوصا أنه تعرض للعنف أثناء اعتقاله وتقيأ وهو ينقل إلى السفينة أكثر من مرة. وبعد انتهاء الفحص حصل المحققون من يونس على تنازل عن حقوقه وبدأوا التحقيق معه وخلال التحقيق أصيب بدوار البحر وتقيأ مرة جديدة وترك يرتاح قليلاً ثم عاودوا التحقيق معه وكان يشكو ألماً في رسغيه بسبب سقوطه بقوة على الأرض عندما اعتقل، فتمت معالجتهما بوضع الثلج عليهما بعد تورمهما.
إلى أميركا على متن طائرة نفاثة
بعد ظهر اليوم التالي لتوقيفه، أي في 14 سبتمبر، خفت أعراض الدوار وأخضع يونس لتحقيقات أولية مرات عدة على مدى ثلاثة أيام. وفي 17 سبتمبر بعد الظهر أعطي حقنة مورفين وفاليوم وليدوكين لتخديره استعداداً للرحلة الطويلة إلى الولايات المتحدة. عندما خارت قواه وغاب عن الوعي، وضع في سلة شبكية ونقلته طوافة من السفينة الحربية "ألبيوت" إلى حاملة الطائرات "ساراتوغا" ومن هناك وضع في طائرة نفاثة حملته إلى الولايات المتحدة في رحلة استغرقت 13 ساعة طيران من دون توقف تزودت خلالها الطائرة بالوقود في الجو.
المحاكمة والحكم
مثل يونس أمام محكمة الولايات المتحدة الجزائية لمقاطعة كولومبيا. وخلال التحقيق معه اعترف بكل مجريات العملية وكيف خطط لها ومن أعطاه الأوامر بتنفيذ عملية الخطف وكشف عن أسماء الذين شاركوا معه فيها والذين انطلقوا لتنفيذها من أحد مقار "حركة أمل" مع تعليمات بعدم التعرض للركاب في كل مراحل العملية التي لم تكن تتضمن قراراً بتفجير الطائرة وهذا القرار اتخذ بعد ترك الركاب وهم على أرض المطار.
سمحت المحكمة قبل بدء المحاكمة بتقديم فريق الدفاع عن يونس سلسلة من طلبات سماع عدد من الشهود ولم تأخذ بالتحقيقات التي أجريت معه على متن السفينة الحربية بعد اعتقاله.
في أواخر عام 1988 أمرت المحكمة الحكومة الأميركية بتسليمها الشرائط المسجلة والنصوص المكتوبة للمحادثات بين يونس والمخبر جمال حمدان. واستأنفت الحكومة هذا القرار في فترة ما قبل المحاكمة بمقتضى إجراءات قانون المعلومات السرية ولكن المحكمة عكست هذا القرار.
في بداية فبراير (شباط) 1989 مرض القاضي الأول الذي كان ينظر في هذه القضية وحل محله آخر وبدأ اختيار المحلفين في 24 فبراير 1989 وقدمت الحكومة 15 شاهداً وأعلن يونس الدفاع الإيجابي باعتبار أنه كان ينفذ الأوامر العسكرية التي تلقاها من رؤسائه. في 14 مارس (آذار) توصلت هيئة المحلفين إلى استخلاص الحكم ووجدت أن يونس مذنب ودانته بتهمة التآمر وخطف الرهائن والقرصنة الجوية وفي 4 أكتوبر (تشرين الأول) صدر الحكم عليه وقضى بما يلي: سجنه خمس سنوات عن إدانته بتهمة التآمر و30 سنة عن خطف الرهائن و20 سنة عن القرصنة الجوية على أن يقضي كل عقوبة بالتوازي مع الأخرى ولم يصدر عليه الحكم بدفع أي تعويض أو أي غرامة ولم تتم إدانته بتهمة وضع المتفجرات في الطائرة وتدميرها أو باستخدام العنف ضد الركاب.
أمضى يونس نحو أربعة أعوام في سجن انفرادي وفشلت محاولات استرداده إلى لبنان عن طريق الطلبات التي قدمت عبر الطرق القضائية. وبعدما أمضى 18 عاماً مسجوناً في سجن بيترسبورغ في ولاية فرجينيا أطلق سراحه في 18 فبراير 2005 ورحل إلى لبنان في 28 مارس حيث لم يظهر له بعد ذلك أي نشاط. ولكن قبل هذا الإطلاق كانت سرت معلومات عن علاقته بمحاولة خطف العضو في "حزب الله" حسن عز الدين المتهم بالمشاركة في عملية خطف طائرة "تي دبليو أي" التي حصلت في 14 يونيو 1985 بعد ثلاثة أيام على عملية خطف الطائرة الأردنية ولم يعرف إذا كان هذا التعاون حدث بالفعل وإذا كان وراء اختصار مدة الحكم الصادر بحقه.