طالبت المعارضة في تونس، الأحد 18 ديسمبر (كانون الأول)، الرئيس قيس سعيد بالتنحي غداة الانتخابات التشريعية التي شهدت نسبة امتناع قياسية تجاوزت 90 في المئة، تضعف أيضاً موقف السلطات في المفاوضات الحالية مع صندوق النقد الدولي حول قرض مهم للاقتصاد المتعثر.
ودعا زعيم ائتلاف المعارضة الرئيس أحمد نجيب الشابي سعيد إلى "الرحيل فوراً" بعيد الإعلان عن نسبة مشاركة بلغت 8.8 في المئة فقط خلال الجولة الأولى من انتخابات مجلس النواب الجديد.
وهذه أدنى نسبة مشاركة في الانتخابات بتونس منذ ثورة 2011 التي أطاحت الرئيس الراحل زين العابدين بن علي وأسست لنظام ديمقراطي.
"تخل شعبي كبير"
وأضاف الشابي الذي يتزعم جبهة "الخلاص الوطني" أن "هذا تخل شعبي كبير عن العملية" التي بدأت بتعليق أعمال مجلس النواب وإقالة رئيس الحكومة في 25 يوليو (تموز) 2021 وتولي جميع السلطات والحكم بمراسيم، مشيراً إلى أن "92 في المئة أداروا ظهورهم للعملية غير القانونية التي تنتهك الدستور".
وتجمع جبهة "الخلاص الوطني" عدداً من الشخصيات المخضرمة والأحزاب.
ودعا الشابي الأحزاب السياسية الأخرى إلى "الاتفاق على تعيين قاض كبير" قادر على "الإشراف على انتخابات رئاسية جديدة".
بعد قراراته التي شجبتها المعارضة لأشهر باعتبارها "انقلاباً"، اقترح سعيد دستوراً جديداً أقر إثر استفتاء في 25 يوليو 2022 وحد بشكل كبير من صلاحيات البرلمان.
كما غير نظام الاقتراع للانتخابات التشريعية، فجعل الترشح على أساس فردي عوض قوائم حزبية، مما أدى إلى تقدم 1055 مرشحاً معظمهم غير معروفين للرأي العام، الأمر الذي أسهم وفق خبراء في تقليل نسبة المشاركة.
"هزيمة شخصية لسعيد"
كما قاطعت انتخابات السبت معظم الأحزاب التونسية ومن بينها الحزب الدستوري الحر بزعامة عبير موسي المناهضة للإسلاميين.
أستاذ العلوم السياسية في الجامعة التونسية حمادي الرديسي اعتبر أن نسبة المشاركة المتدنية للغاية في الانتخابات التشريعية "غير متوقعة لأن حتى أكثر التقديرات تشاؤماً كانت تنتظر مشاركة 30 في المئة" من الناخبين، كما في الاستفتاء على الدستور وقال "إنها هزيمة شخصية لسعيد الذي قرر كل شيء بمفرده"، معتبراً أن "شرعيته صارت محل شك".
"مزيد من العزلة"
لكن الرديسي يرى أيضاً أن "الطريق مسدود" أمام إطاحة سعيد لأنه "لا توجد آلية قانونية لعزل الرئيس" في دستور 2022 الجديد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
والبرلمان الجديد الذي سينشأ إثر جولة ثانية ستجري بحلول مارس (آذار) لحسم مصير عدد من المقاعد، لا سلطة له على الرئيس ويمكنه فقط في أحسن الأحوال أن يوجه لائحة لوم إلى الحكومة، لكن بعد إجراءات طويلة ومعقدة.
من جهته اعتبر المحلل السياسي صلاح الدين الجورشي أنه بعد الفشل الذريع في الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية، فإن الرئيس قيس سعيد "يسير نحو مزيد من العزلة، تجاوزت العزلة عن النخب وأصبحت عزلة على المستوى الشعبي".
وقال "هذه النسبة غير المسبوقة تعكس عدم ثقة المواطنين"، مضيفاً أن سعيد "في موقع ضعف وهذه النسبة ستشكل صدمة كبيرة ورجة قوية للرئيس يمكن أن تفقده توازنه".
ودعت جبهة "الخلاص الوطني" إلى تعبئة مختلف قوى المعارضة بما في ذلك عبر التظاهرات.
المعارضة "ضعيفة ومنقسمة"
لكن حمادي الرديسي يرى أن المعارضة "ضعيفة ومنقسمة" بين المعسكر العلماني والتقدمي من جهة وجبهة "الخلاص الوطني" وعمودها الفقري "حزب النهضة" من جهة أخرى.
ويقول إن "هناك فرصة ضئيلة في أن تتوحد المعارضة حتى يتم حل مسألة حزب النهضة" الذي عزا إليه جزء كبير من التونسيين الذين دعموا في البداية إجراءات سعيد، الإخفاقات الاقتصادية والاجتماعية خلال العقد الماضي.
والشغل الشاغل للتونسيين هو التدهور المستمر لأوضاعهم الاقتصادية في ظل التضخم المتسارع والبطالة المرتفعة للغاية والفقر الذي يؤثر في 4 ملايين من أصل 12 مليون مواطن.
"تخل دولي كبير"
على رغم ذلك يبدو أن زعيم جبهة "الخلاص الوطني" أحمد نجيب الشابي لم يخطئ عندما تحدث، الأحد، عن "تخل دولي كبير" ظهر خلال زيارة سعيد الأخيرة إلى الولايات المتحدة، حيث واجه "رفضاً" لعمليته السياسية.
فقد أرجأ صندوق النقد الدولي الذي كان من المقرر أن يعطي الضوء الأخضر، الإثنين، لمنح تونس قرضاً رابعاً على عشر سنوات بنحو ملياري دولار، قراره إلى مطلع يناير (كانون الثاني).