فقد الريال الإيراني حوالى 20 في المئة من قيمة سعر صرفه منذ بداية الاحتجاجات ولكن يظهر أن الإدارة الاقتصادية والظروف الدولية أسهمتا بنسب مختلفة في الإضرار بالريال.
وجرى تداول الدولار الأميركي بقيمة 395.6 ألف في السوق غير الرسمية، الأحد، ارتفاعاً من 362.6 ألف في أول ديسمبر (كانون الأول)، وفقاً لموقع الصرف الأجنبي "بونباست دوت كوم".
وألقى محافظ البنك المركزي الإيراني، السبت، باللوم جزئياً على الاحتجاجات المناهضة للحكومة في انخفاض العملة إلى مستويات قياسية.
وشملت الاضطرابات التي تشكل أحد أكبر التحديات لحكم رجال الدين في إيران منذ الثورة الإسلامية عام 1979، أيضاً احتجاجات لمجموعات من العاملين في قطاع النفط للمطالبة بزيادة الأجور، وفقاً لتقارير على مواقع التواصل الاجتماعي.
واندلعت الاضطرابات الأوسع نطاقاً التي تجتاح إيران حالياً بسبب وفاة مهسا أميني (22 سنة) في 16 سبتمبر (أيلول) بعدما ألقت شرطة الأخلاق القبض عليها بسبب ارتدائها "ملابس غير لائقة" بموجب قواعد زي النساء الإسلامي الصارمة في البلاد.
ومن ناحية أخرى قال محافظ البنك المركزي علي صالح عبادي إن "أحداث الشهرين الماضيين" أسهمت إلى جانب العقوبات الأميركية في انخفاض قياسي للعملة الإيرانية، لكنه أشار إلى إمكانية ضخ دولارات في السوق لدعم الريال الإيراني المتعثر.
وصرح إلى التلفزيون الرسمي "لإجراء تعديلات في سوق الصرف الأجنبي، سنعمل نحن في البنك المركزي كصناع للسوق وصناع لسياسة العملة الأجنبية، أياً كانت العملة الأجنبية الأكثر طلباً، فسنوفرها في السوق".
وتراجعت العملة الإيرانية إلى مستوى منخفض جديد مقابل الدولار، بينما حاول الإيرانيون الساعون إلى العثور على ملاذات آمنة تحويل مدخراتهم لشراء الدولار أو العملات الأجنبية الأخرى أو الذهب.
وفقد الريال حوالى 20 في المئة من قيمته منذ اندلاع الاحتجاجات على مستوى البلاد قبل ثلاثة أشهر، ليصل إلى 395.6 ألف ريال لكل دولار، بينما في مايو (أيار) 2018 كانت العملة تتداول عند نحو 6500 ريال للدولار قبيل انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني مع القوى العالمية وإعادة فرض العقوبات على طهران.
كان البنك المركزي الإيراني أعلن، الأربعاء، إقالة نائب محافظ البنك أفشين خاني بعد تراجع الريال الإيراني القياسي، ليحل محله الخبير الاقتصادي محمد آرام ولكن الأمر لم يتحسن كثيراً.
خسائر حظر الإنترنت
هددت إيران بفرض حظر دائم على موقعي "واتساب" و"إنستغرام" اللذين يحظيان باستخدام كبير وشعبية في البلاد، ولم ترد شركة الإنترنت الأميركية "ميتا" بعد على رسالة السلطات الإيرانية في أوائل ديسمبر الحالي التي طلبت فيها من الشركة فتح مكتب تمثيلي لها في البلاد وتكييف قواعدها مع تلك الخاصة بإيران.
وقال رئيس مركز الإنترنت في إيران أبو الحسن فيروزابادي خلال مقابلة صحافية، السبت: "إذا لم ترد ميتا على رسالتنا، فقد يكون هذا مقدمة لحظر دائم".
كانت أجهزة الأمن الإيرانية حظرت بالفعل الموقعين المذكورين كجزء من إجراءاتها إزاء الاحتجاجات المستمرة منذ ثلاثة أشهر حتى الآن.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبحسب طهران، فإن التطبيقين "متورطان في مؤامرة ضد إيران يقودها أعداء خارجيون".
ويرى منتقدو النظام القيود الهائلة على الإنترنت وحظر التطبيقات محاولة لمنع انتشار المعلومات والصور ومقاطع الفيديو الخاصة بالاحتجاجات.
ولا يسمح للصحافة بتقديم تقارير مستقلة عن الاحتجاجات وتم اعتقال الصحافيين الذين تجاهلوا الرقابة ولا يزال عشرات منهم رهن الاحتجاز.
وأدت الرقابة على الإنترنت لمدة ثلاثة أشهر في البلاد إلى عواقب اقتصادية على الأعمال التجارية عبر الإنترنت لحوالى 10 ملايين إيراني.
وأدى موقع "إنستغرام" على وجه الخصوص كمساحة عرض وموقع "واتساب" كبوابة اتصال ودفع حسابات دوراً مهماً ووجودياً للغاية بالنسبة إلى هؤلاء الملايين ولكنهم خسروه الآن، مما قضى على التحويلات الأجنبية لهذه الحسابات.
ووفقاً لتقديرات اتحاد الشركات عبر الإنترنت، لا بد من أن تصل الخسائر بعد الحجب إلى مبالغ كبيرة.
ويقول مراقبون إن الأزمة المالية الأخيرة في البلاد مرتبطة أيضاً بحجب منصات الإنترنت.
التوسع في العقوبات
وفقاً لدورية الملف الاقتصادي الصادر عن المعهد الدولي للدراسات الإيرانية (رصانة) عن شهري أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر (تشرين الثاني) فإن التوسع في العقوبات الأوروبية والأميركية، بخاصة المرتبطة بالحرس الثوري، ستقوض قدرة النظام الإيراني على الالتفاف على العقوبات، مما يعني عرقلة الصادرات الإيرانية إلى الخارج وشح أكثر للدولار.
وقال مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل الأسبوع الماضي إن التكتل سيتفق على حزمة عقوبات "صارمة للغاية" على إيران، في حين أعلنت طهران فرضها عقوبات على شخصيات بريطانية على خلفية الاحتجاجات المستمرة في البلاد.
وأوضح بوريل في تصريحات قبل اجتماعه مع وزراء خارجية دول الاتحاد "سنقر حزمة عقوبات صارمة للغاية" وقال "سنتخذ أي إجراء بمقدورنا لدعم الشابات والمتظاهرين السلميين".
ويحاول الاقتصاد الإيراني التحايل على القيود والعقوبات الغربية منذ عام 1979، بخاصة القيود على صادرات البلاد من النفط والمعادن، ولكن منذ إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران في 8 مايو 2018، شهدت العملة الإيرانية انهياراً عظيماً.
التخلف التكنولوجي
كان لخفض كميات الغاز الموجهة إلى صناعة البتروكيماويات دور رئيس في إضعاف الصادرات الإيرانية، فصناعة البتروكيماويات من أهم الصناعات التصديرية الجالبة للعملة الأجنبية، إذ تشكل أكثر من 30 في المئة من صادرات إيران غير النفطية وقرابة ربع مصادر الحصول على النقد الأجنبي.
وتضطر الحكومة الإيرانية إلى توجيه الغاز الطبيعي لتدفئة المنازل في الشتاء.
وتمتلك إيران ثالث احتياط عالمي مؤكد من الغاز الطبيعي إلا أنها تواجه صعوبات بالغة في استخراجه نتيجة التخلف التكنولوجي، حتى إنها تستورد الغاز في بعض فترات الشتاء، علماً أن طهران ليست موجودة في قائمة أكبر مصدري النفط في العالم الصادرة عن منظمة "أوبك".
"كان هناك اهتمام باستقدام شركات عالمية لتطوير آبار الغاز وتسييله بغرض التصدير خلال أوقات الصفاء مع الغرب، في 2016 كانوا في حاجة لحوالى 200 مليار دولار لتطوير قطاع إنتاج الطاقة وفقاً للتقديرات الحكومية، لكن العقوبات أنهت هذا الاهتمام الحالم"، يقول الباحث في شؤون الاقتصاد الإيراني أحمد شمس الدين.