شهدت الانتخابات البرلمانية التونسية إقبالاً هزيلاً من الناخبين مما قد يضعف من مشروع قيس سعيد الرئاسي، الذي بدأ في إرسائه منذ عام 2021، أمام معارضة سياسية منقسمة، ولا تحظى بثقة كاملة من المواطنين، وفقاً لخبراء.
أعلنت الهيئة المستقلة للانتخابات، الإثنين 19 ديسمبر (كانون الأول)، أن نسبة المشاركة النهائية في الدورة الأولى من الانتخابات النيابية كانت في حدود 11.22 في المئة، ولم يسجل هذا الرقم منذ أن انطلق مسار الانتقال الديمقراطي بالبلاد إثر ثورة 2011، التي أطاحت نظام الرئيس زين العابدين بن علي.
وبلغ عدد الناخبين الذين صوتوا مليونين و25 ألف ناخب من مجموع تسعة ملايين و136 ألف ناخب مسجلين.
وأشار متحدث باسم هيئة الانتخابات في تونس، الإثنين، إلى أن جولة إعادة ستجرى الشهر المقبل بمعظم المناطق، بعد أن حقق 21 مرشحاً فقط الفوز في الجولة الأولى، وذلك في إطار انتخابات برلمانية مثيرة للجدل أجريت بمشاركة متدنية للغاية.
وقال الناطق الرسمي باسم الهيئة محمد التليلي المنصري لوكالة الأنباء الرسمية إن "المعطيات الأولية المتعلقة بفزر نتائج الانتخابات التشريعية تظهر فوز 21 مرشحاً من الجولة الأولى، والجولة الثانية من هذه الانتخابات ستشمل 133 دائرة من أصل 161 دائرة". أضاف أن جولة الإعادة ستكون في 20 يناير (كانون الثاني).
"قليلو الخبرة السياسية"
وكانت الحملة الانتخابية، التي تواصلت على امتداد ثلاثة أسابيع، باهتة ولم يكن هناك سجال انتخابي في البلاد، بعكس ما كانت عليه الأجواء خلال الاستحقاقات السابقة، سواء في 2011 أو 2014 أو 2019.
والمرشحون الـ1055 "غير معروفين وقليلو الخبرة السياسية"، وفقاً للمتخصص السياسي حمزة المؤدب، فضلاً عن كون النساء يمثلن فقط نحو 12 في المئة من عددهم.
نص القانون الانتخابي الجديد، الذي أقره سعيد قبل شهرين من الانتخابات، على ضرورة أن لا يكشف المرشحون عن انتمائهم السياسي، ونتج من ذلك غياب كامل لمشاركة الأحزاب.
"التنحي فوراً"
طالب التكتل السياسي المعارض "جبهة الخلاص الوطني"، الذي يشارك فيه حزب النهضة ذو المرجعية الإسلامية الذي كان أكثر الأحزاب تمثيلاً في البرلمانات منذ عام 2011، الرئيس التونسي بالتنحي فوراً.
والبرلمان الجديد مجرد من الصلاحيات الفعلية، التي كان يتمتع بها النواب في السابق، استناداً إلى الدستور الجديد الذي جرى إقراره إثر استفتاء شعبي في يوليو (تموز) الماضي، ولم يشارك فيه نحو 70 في المئة من الناخبين.
يعتبر أستاذ التاريخ المعاصر في الجامعات التونسية عبد اللطيف الحناشي، أن سعيد الذي يحتكر السلطات في البلاد منذ 25 يوليو 2021 "قام بحملة واسعة بمفرده للانتخابات عبر تعدد الزيارات في المدة الأخيرة من منطلق أن لديه شعبية، غير أن النتائج خذلته ولم تظهر ذلك"، وأضاف "خيبة أمل كبيرة جداً، كان يعول على إرادة الشعب لكنها غابت".
حملة انتخابية بـ"الوكالة"
وبالفعل كان ظهور سعيد في الأسابيع السابقة متعدداً من خلال زيارة بعض الأحياء الشعبية ولقاء المواطنين، وكأنه في حملة انتخابية بـ"الوكالة" عن المرشحين للانتخابات البرلمانية.
وتواجه تونس أزمة اقتصادية حادة بارتفاع مستوى التضخم في حدود 10 في المئة، كما زادت تداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا من غلاء أسعار المواد الأساسية، كالقمح والمحروقات.
الباحث السياسي حمادي الرديسي قال "لقد أظهر أن لديه تأييداً شعبياً، لكن اتضح أنه ليس هناك لا شرعية دستورية أو انتخابية".
انتخابات رئاسية مبكرة
دعت "جبهت الخلاص الوطني" والحزب الدستوري الحر سعيد إلى الاستقالة، وإلى تنظيم انتخابات رئاسية مبكرة، لكن الرديسي يؤكد أنه "لا توجد آلية لإجباره على الرحيل".
كما يرى الباحث يوسف الشريف أنه من الصعب "استقالة الرئيس أو حتى الاعتراف بفشل هذه الانتخابات"، وقال إنه حتى إثر الاستشارة الوطنية التي أقرها الرئيس مطلع العام، وشارك فيها نحو 600 ألف تونسي "رفض (الرئيس) الاعتراف بالفشل".
وأقرت الهيئة العليا للانتخابات بأن النتائج "متواضعة" في انتظار الدورة الثانية مطلع مارس (آذار) المقبل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
معارضة منقسمة
تبقى المعارضة السياسية، التي يتقدمها حزب النهضة، منقسمة لأن خلفياتها الأيديولوجية متضادة، وسعت منذ أن احتكر الرئيس السلطات إلى تعبئة الشارع، ودأبت على تنظيم التظاهرات، داعية سعيد "المنقلب" إلى الرحيل.
لكن "البديل الذي تقدمه لا يقنع التونسيين"، وفقاً للحناشي الذي يقدر أن "العزوف الواسع ليس بالضرورة ضد قيس سعيد، بل لأن التونسيين يشعرون بإحباط كبير وقرف من المشاركة السياسية ومن الطبقة السياسية".
والطرف الوحيد، الذي يملك القدرة على إحداث تغيير في البلاد، هو "الاتحاد العام التونسي للشغل" المركزية النقابية بالنظر إلى كونه الطرف الاجتماعي الأكثر تنظيماً، وكان له دور كبير في ثورة 2011.
دعم الشركاء الأجانب
ووعد سعيد الأطراف الخارجية "بخريطة طريق وتم تنفيذها" وفقاً للحناشي، وجاء بيان الخارجية الأميركية ليدعم ذلك، إذ اعتبر المتحدث باسم الوزارة نيد برايس أن الانتخابات البرلمانية في تونس "خطوة أولى أساسية نحو استعادة المسار الديمقراطي في البلاد"، مؤكداً في الآن نفسه أن نسبة الامتناع عن التصويت المرتفعة تظهر الحاجة إلى مزيد من "المشاركة السياسية" على نطاق أوسع.
أما الخارجية الفرنسية فقد أكدت، في بيان الإثنين، "انخفاض مستوى المشاركة"، ودعت إلى استئناف المفاوضات بين تونس وصندوق النقد الدولي.
ويعد دعم الشركاء الأجانب حاسماً بالنسبة إلى تونس المثقلة بالديون، التي طلبت من صندوق النقد الدولي قرضاً رابعاً لعشر سنوات يبلغ نحو ملياري دولار، وهو ما سيمكن من فتح الباب أمام مساعدات أخرى، سواء من أوروبا أو دول الخليج العربي.