من المقرر أن يصل يوم الاثنين، وفد وزاري فلسطيني يرافقه عدد من رجال الأعمال إلى العاصمة العراقية بغداد، "من أجل فتح آفاق التعاون في مختلف المجالات"، وذلك بعد أيام من إبرام عدد من الاتفاقيات بين الحكومتين الفلسطينية والأردنية في مجالات الطاقة والنقل والصحة.
وتقول الحكومة الفلسطينية إنها "تنفذ إستراتيجية تهدف إلى الانفكاك التدريجي من التبعية الاقتصادية لإسرائيل، من خلال ربط الاقتصاد الفلسطيني مع عمقه العربي". لكن خبراء يرون أن التحديات الماثلة أمام هكذا إستراتيجية تفوق الطموحات المرجوة منها، "نظراً للسيطرة الأمينة المطلقة للاحتلال الإسرائيلي على الحدود والمنافذ التجارية البرية والبحرية".
ويفيد جهاز الإحصاء الفلسطيني (حكومي) بأن إجمالي الواردات الفلسطينية السنوية من إسرائيل تبلغ 3.5 مليار دولار، من أصل 6 مليارات دولار هي إجمالي ما يستورده الفلسطينيون في الضفة الغربية وقطاع غزة من السلع والخدمات، وتحتكر إسرائيل قطاع الطاقة في فلسطين وتمثل فاتورة (الوقود والكهرباء) نصف الواردات السنوية الفلسطينية من حيث القيمة (قرابة 3 مليارات دولار). ويصل العجز في الميزان التجاري الفلسطيني إلى 5 مليارات دولار سنوياً، إذ إن الصادرات تبلغ 1.1 مليار دولار فقط.
ويكشف مصدر حكومي فلسطيني لـ "اندبندنت عربية" بأن الوفد الوزاري الفلسطيني "سيبحث في بغداد، إمكان استيراد النفط الخام من العراق، بأسعار مخفضة، على أن يتم تكريره في مصفاة البترول الأردنية، ومن ثم إدخال مشتقات الوقود إلى الأراضي الفلسطينية".
ويوضح المصدر الذي طلب عدم ذكر اسمه أن "الحكومة الأردنية وافقت من حيث المبدأ، على تكرير البترول العراقي المستورد إلى فلسطين على أراضيها، لكن اكتمال الترتيبات اللوجستية لهذا الأمر قد يستغرق وقتاً طويلاً، لكون المواصفات الفنية لمشتقات البترول في الأردن تختلف عن تلك المعتمدة في إسرائيل".
ويتيح "بروتوكول باريس" الناظم للعلاقات الاقتصادية الفلسطينية الإسرائيلية، للسلطة الفلسطينية استيراد الوقود من الخارج، شرط أن يكون مطابقاً للمواصفات الأوروبية وهي ذاتها المعتمدة في إسرائيل.
بالإضافة إلى الجوانب الفنية، يشكل الواقع المتمثل بالسيطرة الإسرائيلية الكاملة على الحدود الفلسطينية الأردنية، التحدي الأكبر أمام هذا التوجه، لكن الفلسطينيين يعولون على أن "الضغوط الأردنية على إسرائيل من شأنها أن تفتح لاقتصادهم نافذة نحو عمقه العربي".
فلسطين والأردن
ويحظى الأردن بهامش يمكنه من الضغط على إسرائيل نظراً لحاجتها إلى العلاقات الدبلوماسية التي بدأت بين الجانبين منذ توقيع اتفاقية السلام عام 1994. كما أن المنتجات الأردنية التي فقدت السوق السورية تحتاج إلى منافذ تصديرية قريبة وهو ما يرى فيه الفلسطينيون فرصة للتخلص من العلاقة الاقتصادية التبعية مع إسرائيل.
ويقول وزير المالية الفلسطيني شكري بشارة بعد توقيع عدد من الاتفاقيات الاقتصادية الفلسطينية الأردنية بداية الشهر الحالي في عمان إن "هناك توجهاً جاداً لدى الجانبين لإقامة منطقة تجارية صناعية محايدة على الحدود، لديها القدرة على تغطية متطلبات استيراد المشتقات النفطية".
واتفق الجانبان الفلسطيني والأردني على رفع قدرة الربط الكهربائي بين البلدين لزيادة الطاقة المصدرة من الأردن إلى فلسطين من 26 ميغاواط تغطي مدينة أريحا حالياً إلى 80 ميغاواط لتغطية احتياجات أجزاء من مدينة القدس من الطاقة الكهربائية.
ويتوقع رئيس سلطة الطاقة الفلسطينية ظافر ملحم أن يبدأ تنفيذ مشروع ربط مدينة القدس بشبكة الكهرباء الأردني خلال الشهرين المقبلين على أن يتم إنجاز المشروع خلال سبعة أشهر.
تحديات وطموحات
ويرى الخبير الاقتصادي الفلسطيني نصر عبد الكريم أن الاقتصاد الفلسطيني "لا يمكن أن يحقق ذاته إلا بالتوجه شرقاً من خلال البوابتين المصرية والأردنية، ليندمج مع امتداده الطبيعي العربي بعيداً من الهيمنة الإسرائيلية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يضيف: "السؤال الكبير المطروح أمامنا كفلسطينيين: هل نملك القدرة الكاملة على تنفيذ الالتزامات المترتبة علينا بموجب اتفاقيات اقتصادية مع الدول العربية مع غياب سيطرتنا على الحدود والمنافذ التجارية؟".
ويعتقد عبد الكريم أن الجانب الفلسطيني "يعوّل على ما يبدو على الرافعة التي يمتلكها الأردن في الضغط على إسرائيل لكن ذلك لا ينبغي أن يكون في النتيجة تدفقاً للسلع الأردنية نحو السوق الفلسطينية في اتجاه واحد، إذ ينبغي أن تسمح الضغوط الأردنية برفع الميزان التجاري من خلال السماح بوصول المنتجات الفلسطينية إلى الأردن ومنه إلى الأسواق العربية والعالمية".
وتمتلك فلسطين ثروة مميزة من الحجر والرخام، وبعض المنتجات الزراعية النادرة مثل الأعشاب الطبية والتمور، وهناك صناعة متقدمة في مجال الأدوية وبعض المنتجات الغذائية.
ويقول الخبير الفلسطيني لـ "اندبندنت عربية" إن بإمكان الدول العربية الإسهام في انفكاك الاقتصاد الفلسطيني عن إسرائيل من خلال منح المنتج الفلسطيني إمكان الوصول إلى أسواقها والتنافس مع المنتجات الأخرى حتى من دون منحه امتيازات ضريبية. لكنه يدعو إلى التروي قبل إطلاق الأحكام حول الانفكاك الاقتصادي النهائي عن العلاقة الجبرية الاقتصادية مع إسرائيل، وانتظار امتحان التطبيق على الأرض.