لم يمهل الموت رئيس تحالف قبائل اليمن وشيخ مشايخها، صادق عبدالله الأحمر، حتى يشهد آخر فصول الأحداث الدامية التي تعيشها بلده كأحد أبرز اللاعبين والمؤثرين في صناعة فصولها الملتهبة، لتخطفه المنية اليوم الجمعة، في أحد مستشفيات العاصمة الأردنية عمّان، عن عمر يناهز 67 سنة بعد صراعٍ مع مرض أنهك جسده كما هي الحال بوطنه.
وسارع سياسيون ومشايخ وكتاب بنشر تعازيهم في رحيل الزعيم القبلي البارز متطرقين إلى المرحلة المفصلية التي تشهدها اليمن والتحديات الماثلة التي تتهدد الهوية والقبيلة والجمهورية التي شكلت روافع بارزة في معركة مواجهة المشروع الحوثي الإيراني في اليمن التي كان لقبيلة الأحمر مساع للحد منه.
الخلف والتركة
برز دور الشيخ صادق عقب وفاة والده، الزعيم القبلي التاريخي، عبدالله الأحمر في عام 2008 عندما خلفه في زعامة قبيلة حاشد، كبرى القبائل اليمنية، وتنصيبه شيخاً لمشايخ البلاد وفقاً لتقليد اجتماعي بدعم حكومي سابق. ولهذا، كان على الميليشيات الحوثية وهي تهم باقتحام العاصمة صنعاء، أن تتخطى عتبة بلدته التاريخية وموطن قبيلته في منطقة الخمري وخمر بمحافظة عمران، باعتبارها المهمة الأصعب لإكمال آخر فصول انقلابها الدامي.
وبعد نجاح الميليشيات في هزيمة قبيلة الأحمر، باتت الطرق أمام مجنزراتها مشرعة سالكة لإسقاط صنعاء وبقية المدن واحدة تلو الأخرى، وهو ما تم، ليتشكل إثرها فصل تاريخي دامي في العهد الوطني اليمني لم يتوقعه أشد المتشائمين.
زعامة في الوقت الصعب
شكل ظهوره البارز في عام 2011، إبان الاحتجاجات الشعبية ضد نظام الرئيس الراحل علي عبدالله صالح، نقطة تحول في مسيرته من خلال تزعم قبيلته تكتلاً قبلياً ضد صالح ودخول الطرفين في مواجهات مسلحة في العاصمة صنعاء استمرت نحو عام وسقط خلالها المئات بين قتلى وجرحى، عدها مراقبون في إطار حرب النفوذ الخفية والظاهرة لشركاء "نظام صنعاء" التي تشكّل عائلتا "صالح والأحمر" قاعدتيهما الرأسية، وسباقهما المحموم على توسيع أذرعهما نحو السلطة والثروة.
كما اعتبرت مساعي حثيثة لآل الأحمر للسيطرة على الحكم مستغلين الاحتجاجات الشعبية المتنامية حينها التي دفعتها حاجة ملايين اليمنيين للتغيير والانعتاق خصوصاً وقد كانوا يدفعون بذراعهم العسكرية، الجنرال، علي محسن الأحمر، لإحكام قبضته العسكرية على مفاصل البلاد بدعم مادي من صادق وإخوته خصوصاً شقيقه رجل الأعمال الثري، حميد الأحمر، الذي ينتمي لحزب الإصلاح، قبل أن تأتي المبادرة الخليجية في نوفمبر (تشرين الثاني) 2011 وتضع حداً للتوترات القائمة وإعادة الكرة إلى ملعب العملية السياسية القائمة على التوافق السياسي الوطني التي نتج منها حوار وطني وحلول واعدة لولا الانقلاب الحوثي.
لن يحكمني صالح
حينها ظهر الشيخ صادق في مقابلة شهيرة مع التلفزيون الفرنسي، يتوعد بأنه "لن يحكمنا علي عبدالله صالح ما حييت".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعقب تنحي صالح وتولي نائبه، عبد ربه منصور هادي، رئاسة البلاد، وفقاً للمبادرة الخليجية، اندمج الأحمر في المسار السياسي في إطار أحزاب اللقاء المشترك، ودعم مؤتمر الحوار الوطني، ولكنه اتُهم وإخوته بمحاولاتهم تجيير هادي، الرجل القادم بلا ظهر قبلي من المحافظات الجنوبية المهمشة، لمصلحتهم الخاصة واصطدامهم به بعد أن رددوا في مناسبات عدة بأنهم من حماه وولاه رئاسة البلاد.
ولاية السيد
توالت أيام "المرحلة الانتقالية" وفي غمرة الصراع السياسي والنفوذ باغت الحوثيون الجميع بانقلاب مدعوم من إيران في عام 2014 وقيامهم باقتحام منزل الأحمر وخيروه بين التزام الصمت، أو مواجهة مصير لا يرغبه. ليقضي سنوات الحرب الثماني ملتزماً بيته في صنعاء التي فضّل البقاء فيه "في وجه السيد" بحسب فيديوهات لعناصر حوثية تخاطبه وهي تجول في منزل والده، بعكس بقية إخوته المعروفين باستثماراتهم الضخمة داخل البلاد وخارجها، حتى ساءت حالته الصحية خلال الأشهر الماضية وتم نقله إلى الأردن لتلقي العلاج وزاره في المستشفى رئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي.
الشيخ الطيار
ولد الشيخ صادق الأحمر في 1956 في قرية الخمري التي تقع شمال غربي مدينة خمر التاريخية في محافظة عمران.
تنقل في المرحلة الإعدادية بين اليمن ومصر، وبحسب سيرته الذاتية المنشورة في موقع والده، فقد شارك في "قيادة العديد من حملات الجيش الشعبي لمواجهة حروب التخريب في المناطق الوسطى خلال عامي 1981-1982".
وفي عام 1982 توجه إلى الولايات المتحدة الأميركية لدراسة الطيران المدني، ومكث هناك أربع سنوات وحصل على شهادة في مجال قيادة الطائرات المدنية الصغيرة ليعود إلى اليمن عام 1987، وبدلاً من قيادة الطائرات، ارتدى العمامة وتمنطق الجنبية لتشكل عودته بداية لخوض غمار الزعامة القبلية والسياسية. ففي عام 1988 ترشح لعضوية مجلس الشورى، حيث فاز بعضوية دائرة منطقة حوث والعشة وجزء من منطقة القفلة بمحافظة حجة سابقاً.
ولم يمنع ذلك والده من تكليفه بمعالجة الكثير من الخلافات بين القبائل وأصبح أكثر قرباً ودراية بشؤونها.
في عام 1993 ترشح مرة أخرى لعضوية مجلس النواب لليمن الموحد. وبسبب نفوذه، بقي في منصبه حتى اليوم بعد فوزه في الانتخابات كل مرة.
وفي مارس (آذار) 2011، أعلن انضمام قبيلة حاشد إلى الثورة الشبابية التي يتهم حزب الإصلاح (الإخوان المسلمين) الذي ينتمي له بالسيطرة على قرارها العام وتوجهها بالقوة، فأصبح إحدى ركائزها، وتحول إلى خصم للنظام السابق، وإلى حائط يستند إليه الحزب الإسلامي في كسب ولاء القبائل لمطالبتهم برحيل النظام.
نعي رسمي
وفي أول نعي رسمي، قدم وزير الأوقاف والإرشاد، محمد عيضة شبيبة، "أصدق العزاء والمواساة لأسرة آل الأحمر في وفاة كبيرها ولقبيلة حاشد في وفاة شيخها وللقبيلة اليمنية في وفاة أحد أقيالها، الشيخ صادق بن عبدالله بن حسين الأحمر".