تمضي الأوضاع السياسية في السودان بوتيرة متسارعة، وكان مرتقباً السبت 13 يوليو (تموز) مصادقة وتوقيع المجلس العسكري الانتقالي وقوى إعلان الحرية والتغيير، على الإعلان السياسي والدستور الذي سيقيّد عمل الفترة الانتقالية، غير أن وثيقة الاتفاق الذي كان مزمعاً توقيعها، تسربت إلى الشارع وأثارت مزيداً من الجدل حول الاتفاق، وانتقل ذلك السخط إلى موجة التظاهرات التي شملت مدناً سودانية عدة، والتي تأتي تحت مسمى "العدالة أولاً"، وذلك في ذكرى أربعينية ضحايا أحداث فض اعتصام القيادة العامة في الثالث من يونيو (حزيران) الماضي.
تضارب أنباء عن لقاء الطرفين
وكان مزمعاً أن يجتمع الوسيط الأفريقي محمد الحسن ولد لبات بالمجلس العسكري وقوى إعلان الحرية والتغيير للمصادقة النهائية على الاتفاق السياسي والإعلان الدستوري، قبل أن تسري موجة من الأنباء المتضاربة عن تحفظ بعض مكونات الحرية والتغيير، على نقاط متعددة في مسودة الاتفاق، وأنباء أخرى عن تأجيلها لعقد لقاء المصادقة على الاتفاق إلى وقت لاحق.
وفي وقت متأخر، أعلن الوسيط الأفريقي تأجيل اجتماعات المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير إلى الأحد 14 يوليو، من دون تقديم مزيد من التفاصيل، لكنه أشار في مؤتمر صحافي قصير إلى أن طلب التأجيل جاء من قوى التغيير وأن المجلس العسكري قبل ذلك. وقال المجلس العسكري السوداني قبل إعلان تأجيل الاجتماعات، إن اللقاءات كان متوقعاً أن تناقش الوثيقة الدستورية وفقاً لما حددته الوساطة الأفريقية الإثيوبية.
تعبئة الشارع
وحول تسريب وثيقة الاتفاق للمرة الثانية على التوالي، قال أحد قادة قوى الحرية والتغيير لـ "اندبندنت عربية"، إن هناك أطرافاً تسعى إلى تعبئة الشارع بصورة غير محمودة العواقب.
وأوضح القيادي الذي فضل حجب اسمه أن "تلك الأطراف عمدت إلى تسريب الاتفاق وهو النسخة النهائية التي سيُوقع عليها، وجميع مكونات الحرية والتغيير لديها تحفظات على بعض النقاط، ودخلت جميع المكونات في اجتماعات منفصلة ظهر السبت، لمناقشة النقاط وتقديم مقترحات التعديل عليها للجنة التفاوض المشتركة لمناقشتها، وتحيلها بدورها للجنة الصياغة القانونية لتعديلها".
وحذر القيادي نفسه "من التلاعب بمشاعر المواطنين والمزايدة السياسية بغرض تحقيق مكاسب ضيقة لا تخدم أجندة الوطن مجتمعة، والتي بدت واضحة مع حملة الشحن للجماهير خلال تظاهرات السبت من قبل مسربي وثيقة الاتفاق".
الوثيقة المسربة
ولم تكن الوثيقة المسربة من الاتفاق، مختلفة اختلافاً جذرياً عن الوثيقة التي سربت مسبقاً، غير أن الفصول المتعلقة بحصانة مجلس السيادة أثارت موجة من الاحتجاجات، إذ تضمنت تمتع "رئيس وأعضاء مجلس السيادة بحصانة في مواجهة أي إجراءات جنائية ولا يجوز اتهامهم أو مقاضاتهم أمام أي محكمة ولا يجوز اتخاذ أي تدابير ضبط بحقهم أو بحق ممتلكاتهم أثناء فترة ولايتهم".
وكان من بين أبرز النقاط المثيرة للجدل النقطة المتعلقة بتعيين رئيس الوزراء، إذ كانت تشير قوى الحرية والتغيير إلى أنها صاحبة الحق في تعيين رئيس الوزراء وتسميته، غير أن الوثيقة أشارت إلى أن مجلس السيادة هو من يقوم بتعيينه. وأيضاً غابت عن نص الوثيقة نسب قوى الحرية والتغيير في مقاعد البرلمان، خلافاً لما كانت تعلنه سابقاً بأنها تتمسك بنسبة 67 في المئة من مقاعد البرلمان، وأن النسب المتبقية تشكلها بالتشاور مع مجلس السيادة.
وأشارت الوثيقة إلى أن البرلمان يكون من قوى الحرية والتغيير على ألا يتجاوز أعضاؤه الـ 300 عضو، وأن تراعى نسب تمثيل المرأة بـ 40 في المئة من المقاعد.
اجتماعات منفصلة
ودخلت المكونات السياسية للحرية والتغيير، في اجتماعات منفصلة مساء السبت لتقييم وثيقة الاتفاق قبل إحالتها للجنة التفاوض المشتركة لعرضها على الطرف الآخر للنقاش حولها، وقال ممثل عن تحالف نداء السودان أحد مكونات الحرية والتغيير لـ "اندبندنت عربية"، إنهم يتشاورون حول العديد من النقاط ومن المتوقع أن يجري تلخيصها لاحقاً.
وأعلن قيادي في التجمع الاتحادي المعارض انتهاءهم من دراسة الوثيقة خلال اجتماعاتهم، وسلموا جملة الملاحظات "للجنة التفاوض المشتركة بين قوى التغيير". ومن المتوقع أن تشهد اجتماعات الأحد، بين أطراف المعادلة السياسية في السودان، جولة تفاوض جديدة قد تسهم في معالجة نقاط الخلاف، أو تمتد إلى أيام مقبلة قبل المصادقة على المسودة النهائية من الاتفاق، وفقاً لمصدر بلجنة التفاوض.
تظاهرات متفرقة
واستجابة لدعوة قوى إعلان الحرية والتغيير، خرج آلاف السودانيين في عدد من المدن في مواكب ومسيرات بمناسبة مرور 40 يوماً على أحداث فض اعتصام القيادة العامة في الثالث من يونيو الماضي. وبدأت التظاهرات في الساعة الواحدة بالتوقيت المحلي خلافاً للمواعيد التي حددتها المعارضة، وهي الساعة الخامسة.
واضطرت السلطات السودانية إلى أغلاق ثلاثة جسور رئيسية، أمام حركة المرور خشية امتداد التظاهرات إلى وسط العاصمة الخرطوم.