ظل الأردنيون لعقود يرددون مقولة أن بلادهم بلا ماء أو ثروات طبيعية أو موارد، وعلى رغم مرور 100 عام على عمر الدولة، لا تزال البلاد تعتمد بالدرجة الأولى على المنح والمساعدات الدولية.
لكن وزير المياه الأردني الأسبق منذر حدادين نسف الرواية الرسمية التي تسلحت بها الحكومات الأردنية المتعاقبة لسنوات، ومفادها بأن الأردن بلد فقير مائياً، مثيراً الجدل والشكوك حول ما اعتبره الأردنيون حقيقة لا جدال فيها.
الوزير الأردني حدادين كان أحد أعضاء الوفد المفاوض مع إسرائيل، واعتبر مسؤولاً عن ملفات المياه والطاقة والبيئة في مؤتمر المفاوضات الثنائية الذي تبعه اتفاق وادي عربة عام 1994، وهو ما يجعل تصريحاته هذه موضع ثقة لاطلاعه على حقيقة الوضع المائي في المملكة وبالتفصيل.
عززت هذه التصريحات نظرية ما سمته فئة "المؤامرة" التي تسري بين الأردنيين، مع تراجع منسوب الثقة بالحكومة حيال الاتفاقات مع إسرائيل، فثمة من يعتقد اليوم بأن هناك من يحاول إفقار الأردن وإضعافه لصالح تمرير أجندات دولية تتعلق تحديداً بالقضية الفلسطينية والدور الأردني فيها.
مياه تكفي لـ 1000 عام
يؤكد حدادين في تصريحات صحافية متعددة أن كميات المياه في الأردن تكفي لـ 1000 عام، وأن ما يقال عن فقر الأردن مائياً كلام فارغ، مضيفاً أن كمية المياه في المملكة كافية وتزيد عن الحاجة.
ويستدل حدادين بدراسات تشير إلى أن طبقات الصخر الرملي في أنحاء المملكة كافة تظهر وجود مياه عذبة ومشبعة بها وعلى أعماق مختلفة، من بينها حوض الديسي الذي يعتبر الحوض الرئيس لمياه الشرب.
في موازاة ما يقوله حدادين، تشير إحصاءات صادرة عن وزارة المياه والري أن نحو 70 في المئة من مياه البلاد تفقد بسبب السرقة، من قبل مافيا تسطو على المخزون الذي يضم 15 حوضاً سطحياً و12 جوفياً وأكثر من 300 بئر، إلى جانب تقادم عمر الشبكات وتعرضها للاهتراء والتلف.
بدوره يؤكد الخبير المائي سفيان التل أن "تل أبيب حولت مجرى نهري الأردن واليرموك لصالحها، وسيطرت على المياه الجوفية في فلسطين"، مشيراً إلى أن "الأردن لم يعان نقصاً مائياً في تاريخه إلا بعد توقيع اتفاق السلام".
ويرفض التل الحديث عن "فقر البلاد مائياً"، معتبراً أنها "أفقرت من خلال اتفاق السلام الأردني - الإسرائيلي الذي كرس ضخ 25 مليون متر مكعب سنوياً منها إلى إسرائيل".
فقر أم إفقار؟
في مواجهة هذه النظريات تؤكد الحكومة الأردنية أن حقيقة الوضع المائي في البلاد مبني على دراسات وعمليات حفر في مناطق متعددة، لكنها في المقابل تلقي باللائمة في هذا الوضع المائي على عوامل عدة من بينها عدم حصول المملكة على حصصها المائية المشتركة مع إسرائيل وفق معاهدة وادي عربة للسلام، حيث يتشارك الأردن وإسرائيل في مياه بحيرة طبريا ونهري اليرموك والأردن، إضافة إلى آبار جوفية. وتبلغ حصة إسرائيل 12 مليون متر مكعب من مياه نهر اليرموك في فترة الصيف، و13 مليون متر مكعب في فترة الشتاء، فيما يحصل الأردن على "باقي التدفق". وتنص المعاهدة على حصول الطرفين على فيضان نهر اليرموك، والمقدر بـ 70 مليون متر مكعب.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يصف مختصون ما حدث بأنه تثبيت لحصة الإسرائيليين من المياه بينما بقيت الحصة الأردنية متغيرة، وهو ما استغله الإسرائيليون لاحقاً بتركيب مضخات من دون وجه حق. وفيما نص اتفاق السلام على أن يعمل الطرفان لإيجاد مصادر مائية توفر للأردن 50 مليون متر مكعب إضافية، "تنصلت إسرائيل من ذلك" بحسب الدكتور دريد محاسنة، الأمين العام السابق لسلطة وادي الأردن وأحد أعضاء وفد التفاوض حول المياه في محادثات السلام الأردنية - الإسرائيلية.
أما مدينتا الباقورة والغمر اللتان تعدان كنزاً مائياً وأعادتهما إسرائيل للأردن بعد احتلالهما منذ عام 1970، فقد قام الإسرائيليون بوضع مضخات فيهما طوال فترة الاحتلال.
يحصل الأردنيون بالأساس على مياههم من نهر الأردن وحوض اليرموك، اللذين يتعرضان للتبخر بنسبة كبيرة، وتقاسمها إسرائيل وسوريا. كما يغذي حوض الديسي العاصمة عمان بالمياه إضافة إلى السدود والآبار الجوفية.
قصة تفريغ السدود!
في السياق ذاته تتصاعد الاتهامات للحكومة بتفريغ السدود التي امتلأت بمياه الأمطار خلال الأيام الماضية، فيما يتساءل مراقبون لماذا توقفت السلطات منذ فترة طويلة عن بناء السدود واتباع أسلوب الحصاد المائي.
يقول مراقبون إن الحكومة تستسهل اللجوء لإسرائيل في موضوع الماء ولا تبحث عن حلول على رغم توفرها، وهو ما يجعلها محط اتهام، بخاصة بعد انتشار مقاطع فيديو على منصات التواصل الاجتماعي تظهر تفريغ أحد السدود من المياه من دون توضيح سبب ذلك.
من بين المنتقدين مدير اتحاد المزارعين محمود العوران، الذي طالب الحكومة بالتوسع في مشاريع الحصاد المائي في المناطق الشرقية والجنوبية، وعدم الاكتفاء بالموجود حتى لا تذهب مياه الأمطار هدراً من دون الاستفادة منها. ويتساءل العوران بدوره عن سبب توقف السلطات الأردنية عن بناء السدود منذ عشرات السنين، والحصول على المياه من إسرائيل على رغم توفرها من مياه الأمطار وبغزارة.
ويرصد متخصصون أيضاً مشكلة لدى الجهات المعنية بعدم الانتفاع من الأمطار على النحو الأمثل لأن معظمها يتبخر من دون استغلاله في السدود الرئيسة الـ10 داخل الأردن.
وزادت تصريحات أدلى بها وزير المياه الأردني محمد النجار في يونيو (حزيران) الماضي من القلق الشعبي، بعدما كشف عن وضع مائي حرج سيعيشه الأردنيون أكثر قساوة من الأعوام الماضية في ما يتعلق بكميات المياه، وحصص الضخ الأسبوعية للمواطنين.
وعام 2021 خيرت الحكومة الأردنيين ما بين العطش أو المضي قدماً في اتفاقها مع إسرائيل لتزويدها بالمياه في مقابل الكهرباء.