في يوم صافٍ طبع مدينة لوس أنجليس الأميركية، لاحت في أفقها قمة "جبل بالدي" الواقع جنوب كاليفورنيا، على ارتفاع نحو 10 آلاف قدم (3048 متراً) فوق المدينة.
هذا الجبل أصبح رمزاً للتهديد المتزايد الذي تشكله أزمة المناخ على أحد أفضل أماكن الترفيه في أميركا، في الأرياف المفتوحة البعيدة عن المساكن والمناطق المزدحمة. فعندما ضربت عواصف مناخية هائلة ولاية كاليفورنيا هذا الشهر، نفذ أوائل المستجيبين 14 مهمة إنقاذ على قمة "جبل بالدي"، وهي أعلى قمة في سلسلة جبال "سان غابرييل". وقضى شخصان نحبهما هناك، ولا يزال ثالث هو الممثل البريطاني جوليان ساندز في عداد المفقودين، بعد نحو أسبوع من انتقاله إلى المنطقة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مارا رودريغيز من إدارة شرطة مقاطعة "سان برناردينو" قالت لصحيفة "اندبندنت"، "شهدنا كثيراً من العواصف فوق جنوب كاليفورنيا، وتعد الظروف المناخية هناك خطرة للغاية في الوقت الراهن".
وقد بلغت تلك الظروف على الجبل، سواء الصفائح الجليدية الكثيفة التي تهب عليها الرياح، أو مخاطر الانهيارات الجليدية والثلوج الكثيفة، من الخطورة بمكان، حيث إن الشرطة عجزت في كثير من الأحيان عن القيام بجهود الإنقاذ ميدانياً.
وفي معرض الحديث عن محاولات البحث عن ساندز، الذي أكد أحد أفراد أسرته لـ"اندبندنت" أنه "متسلق جبال بطولي وذو خبرة في رياضات الهواء الطلق"، قالت رودريغيز، "اضطررنا إلى سحب طواقم العمل على الأرض مساء السبت، ولم نتمكن من إعادتها بسبب حال الطقس في تلك المنطقة. فهناك مخاوف من حدوث انهيارات ثلجية فيها، كما أن الجليد شديد الخطورة. وقد اقتصرت جميع جهود البحث التي نبذلها في هذه المرحلة على العمليات الجوية".
وكان عدد من الأشخاص قد لقوا حتفهم، أو تم الإبلاغ عن فقدانهم في جبال "سان غابرييل" أثناء العواصف. وقضت كريستال باولا غونزاليس، وهي أم لأربع بنات، وتعرف في أسرتها باسم "ملكة المشي لمسافات طويلة (هايكينغ)"، بعد سقوطها من ارتفاع أكثر من 500 قدم (153 متراً) إلى أسفل "جبل بالدي"، الأحد الماضي.
وكانت قد كشفت في آخر ما نشرته على صفحتها عبر "فيسبوك"، كيف قررت الالتفاف حول الموقع، بسبب سوء الأوضاع المناخية في الجبل.
وقالت بناتها، "كانت والدتنا تتسم بروح لطيفة ومحبة وحيوية. كانت متعطشة للمغامرة التي غرستها فينا جميعاً منذ طفولتنا. لقد ألهمت أولئك الذين قابلوها على المسارات. وكانت تعشق الحياة، والحياة أحبتها في المقابل".
بوب غريغوري الذي يبلغ من العمر 61 سنة، هو شخص آخر اختفى منذ يوم الجمعة الماضي على "جبل إسليب" في سلسلة جبال "سان غابرييل"، ويعد من ذوي الخبرة في ممارسة رياضة المشي لمسافات طويلة.
غريغوري كان قد شارك خريطة مساره المخطط له، لكن فرق الإنقاذ لم تتمكن من تحديد موقعه، لأن الثلوج الكثيفة أعاقت المهام البرية، وفضل طاقم الإنقاذ القيام بعمليات بحث من الجو، فوق المنحدرات الثلجية الضخمة.
ابنه جيمي غريغوري قال لمحطة "كيه سي أي أل" KCAL التلفزيونية المحلية "إن أخشى ما أخشاه هو أن يكون قد تعرض لحادثة، فالحوادث تقع. من المحتمل أن يكون قد انزلق، أو ربما ذهب في المسار الخطأ، أو قد يكون الطقس في الوقت الراهن فعلاً سبباً كبيراً في ما يحدث".
في مطلع شهر يناير (كانون الثاني) الحالي، عثر على جيفري مورتون البالغ من العمر 63 سنة، والذي كان مفقوداً، ميتاً في متنزه "كاربون كانيون ريجيونال بارك" Carbon Canyon Regional Park في جنوب كاليفورنيا، بعد عدم عودته من نزهة قام بها قبل الفجر.
وأوضح مسؤولون أن سوء الأحوال الجوية في المنطقة أعاق قدرتهم على استخدام الطائرات المروحية في البحث عن مورتون.
الرئيس الأميركي جو بايدن أعلن، الخميس الماضي، أثناء زيارة تفقدية لكاليفورنيا لتقييم الأضرار الناجمة عن العواصف الشديدة، أن مثل هذه الظروف الخطرة ستزداد سوءاً بسبب أزمة المناخ. وقال، "إذا كان هناك من يشك في أن المناخ يتغير، فلا بد أنه كان نائماً طيلة العامين الأخيرين".
وأشار إلى أن "الطقس القاسي الناجم عن تغير المناخ يترجم بعواصف أقوى وأكثر تواتراً، وبجفاف أكثر حدة، وبمواسم حرائق غابات أطول. وجميع هذه العوامل الطبيعية تهدد المجتمعات في مختلف أنحاء ولاية كاليفورنيا".
وتطلق على العواصف الأخيرة التي اجتاحت كاليفورنيا تسمية "أنهار الغلاف الجوي" Atmospheric Rivers، وهي عبارة عن مجموعات من بخار الماء تتشكل فوق المحيطات، ويمكن أن يصل عرضها إلى مئات الكيلومترات.
عندما تصل هذه الأنهار الجوية إلى مرتفعات السلاسل الجبلية، يتحول بخار الماء فيها إلى تساقط كثيف للثلوج. وتزيد هذه الظاهرة من مخاطر الفيضانات والانزلاقات الصخرية، كتلك التي شهدتها ولاية كاليفورنيا في مختلف أنحائها في الأسابيع الأخيرة.
يشار هنا إلى أن العلماء نبهوا إلى أن هذه المشكلة ستزداد سوءاً نتيجة أزمة التغير المناخي. ومع ارتفاع درجة حرارة الهواء، يصبح قادراً على الاحتفاظ بمزيد من الماء، الأمر الذي يؤدي إلى هطول مزيد من الأمطار.
منظمات مثل "الجمعية الأميركية للهايكينغ" American Hiking Society (AHS) نبهت ممارسي هذه الرياضة إلى تأثير أزمة المناخ على الأنشطة التي يقومون بها في الهواء الطلق.
وتقول في هذا الإطار، "لقد أجبرت مسارات ذات شهرة عالمية مثل متنزه "باسيفيك كريست ترايل" Pacific Crest Trail (PCT) على إغلاق أقسام منها بسبب الحرائق، وظروف الجفاف التي تترك ممارسي الهايكينغ بلا مصادر مياه، كما أن المناظر تتعطل، وتتأثر الصحة بالدخان المنبعث. وهناك تأثيرات أخرى كالحرارة الشديدة والفيضانات، وغيرها من الظواهر المناخية المتفاقمة التي يشعر بها الناس في مختلف أنحاء العالم".
هذه الظروف لا تقتصر على عواصف المطر الشتوية فقط، فقد تسببت موجات الحر الشديد وحرائق الغابات التي تفاقمت نتيجة أزمة تغير المناخ، بإغلاق موقت لمئات الكيلومترات من "باسيفيك كريست تريل"، وهو أحد مسارات المشي للمسافات الطويلة الأكثر استقطاباً في الولايات المتحدة. ويبدأ عند حدود المكسيك، ويمتد على مسافة 4264 كيلومتراً (2650 ميلاً) عبر ولايات كاليفورنيا وأوريغون وواشنطن، وصولاً إلى كندا.
جينيفر تريب مديرة المسارات في "باسيفيك كريست ترايل" قالت لمحطة التلفزيون المحلية "كيه سي آر إي" KCRA، "لاحظنا أن كثيراً من الناس غيروا خطط رحلاتهم بسبب الدخان، ومفاعيل الحرائق".
يشار إلى أنه في الخريف الماضي، ألقي باللوم على درجات الحرارة الشديدة في وفاة عدد من ممارسي رياضة الهايكينغ في ولايتي كاليفورنيا وأريزونا.
وتعد التحديات الجديدة للمشي لمسافات طويلة في ولاية كاليفورنيا بمثابة تذكير بأن أزمة المناخ تتجاوز مجرد التأثير في الأنظمة الطبيعية، كهجرة الدببة القطبية أو مواطن أسماك القرش، لتشمل طريقة تفاعل البشر مع هذه الأنظمة، وتكون النتائج في بعض الأحيان مميتة.
© The Independent