في أي حراك شعبي أو اجتماعي تشهده الأراضي الفلسطينية يلاحظ المتابع أن المشاركين يرددون هتافات مختلفة، تحمل مطالب كبيرة، لكن تصدح بعبارات بسيطة تجمع بين عفوية اللغة وعمق المعنى، والهتاف هو المناداة بصوت عال لغاية ما ويكون إما استنكاراً أو تمجيداً أو مطلباً، وعادة ما يجري بشكل جماعي إذ يقوم المردد بإطلاق العبارات التي تأخذ شكل السجع في الكلام ومن بعده تصدح الجماهير بالجملة نفسها.
متى هتف الفلسطيني؟
"أبو عمار قالها، ثورة واحنا رجالها"، "شعبي حطم القيود، والحرية بدها تعود"، "يا أم الشهيد نيالك، ريتها أمي بدالك"، وتعد هذه الهتافات أكثر الشعارات التي رددها الفلسطينيون على مدى 50 عاماً مضت، وهي تحمل في الوقت ذاته رسائل ذات معان عميقة.
وتعد الهتافات رفيقة الفلسطينيين، واستخدموها للتعبير عن غضبهم، وعند مطالبتهم في تحسين ظروف حياتهم، وكذلك في الترحم على القتلى الذين سقطوا على يد الجيش الإسرائيلي، وأثناء المطالبة في الإفراج عن الأسرى، وأيضاً عند اضطهاد السلطات المحلية حقوقهم، ولرفع العنف عن المرأة وحمايتها.
ويقول الناقد الأدبي في مجلة "الدراسات الفلسطينية" محمد سليمان إن الهتافات تعد جزءاً من الأدب الشعبي، وهي موروث ثقافي أيضاً، لكنها في المجمل عبارة عن مطالب ترغب الجماهير في تحقيقها أو رسائل إعلامية لها أبعاد أخرى، ويختلف خطاب الهتاف ومطالبه مع اختلاف الحدث.
وتعد الهتافات ظاهرة قديمة ومنتشرة في الوطن العربي، لكنها مميزة لدى الفلسطيني، وبدأت تنتشر بعد عام 1948، في المسيرات الاحتجاجية وخلال إحياء المناسبات الوطنية، ويؤكد سليمان أن هذا الأسلوب يعد وسيلة اتصال جماهيرية، ولأنه ضمن الأدب فقد يصاغ مسبقاً، وقد يكون ارتجالياً، لكن في الحالة الأخيرة يجب وجود شخص يستطيع ابتكار عبارات لها نسق موسيقي.
محسنات لفظية
"نحنا عالجور ما بنام، حتى لو طالت الإيام"، عادة ما تبنى العبارات في الهتاف على السجع اللغوي، ويوضح سليمان أن ذلك يضفي على الهتاف وقعاً صوتياً يهز الأسماع ويهيج العواطف ويحمسها، لذلك نجد أن صائغ الشعار ينوع بين أصوات سجعه أو فواصله تبعاً لتنوع المعاني التي يسعى للتعبير عنها.
"بدنا ناكل بدنا نعيش، بدنا بدنا حرية"، في هذا الهتاف البسيط كما باقي الشعارات، الذي استخدم عندما طالب سكان غزة حكومة حركة "حماس" بتوفير فرص عمل لهم عام 2019، حرص المبتكرون على أن يصاغ بطريقة انسيابية حتى يسهل حفظه، وبحسب الناقد الأدبي فإن تركيب الهتافات يكون مفعماً بالمحسنات اللفظية ويعتمد الفلسطيني على ذلك من أجل تحريك الأحاسيس وتأجيج المشاعر.
ويستخدم الفلسطيني الهتافات ضمن الاتصال الجماهيري المباشر وكوسيلة إعلامية، وفي الغالب لا يأخذ طابعاً سياسياً إلا إذا كانت الفعالية تتبع للفصائل والتنظيمات الحزبية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تعد الهتافات في قطاع غزة أكثر خشونة عند مقارنتها مع بقية المناطق الفلسطينية، كما أنها تحوي ألفاظاً يصعب تسجيلها أحياناً، ويقول أستاذ اللغة العربية محمد سليمان "ربما يعود ذلك إلى طبيعة الحياة الصعبة في القطاع التي تخرج الإنسان عن طوره، فيتلفظ المنادي بما يعتقد أنه يقلل من شدة الغليان في صدره"، ويشير سليمان إلى أن الهتافات تعتمد في تركيبها على اللغة الشعرية ذات الإيقاعات الزجلية، وكذلك اللغة النثرية الجميلة، ولا يمكن أن تكون شعارات فيها التكلف أو التكرار الممل، وهذا ما جعلها ضمن الأدب الشعبي.
ويستخدم الفلسطيني الهتافات عند تأكيده على انتمائه لوطنه مثل "أعلناها سويه، غزة وضفة غربية، انتفاضة شعبية، بدها دولة وهوية"، وكذلك عند محاولة تعبئة الجمهور وحشد مزيد من الأفعال مثل "تحيتنا بحرارة، لضريبة لحجارة"، وعند المواجهة مع إسرائيل عادة ما يستخدم الفلسطيني شعارات المواجهة ومنها "مستمرة مستمرة، الانتفاضة مستمرة"، وعند الترحم على القتلى يقول الفلسطيني "يا أم الشهيد زغردي كل الشباب أولادك".
المطالبة بالحقوق
ولا تقتصر الهتافات على جانب المواجهة مع إسرائيل أو الانتماء للأرض، بل أيضاً تستخدم للمطالبة بتحقيق ما يرغب الفلسطيني فيه، وقد هتفت النسوة في غزة من أجل إقرار قانون الأسرة لحمايتهن من العنف وحفظ كرامتهن، ومن أبرز ما قلنه "وبنعلنها على طول، يلا وينه هالقانون، بدنا حماية فورية، وينه الأمن والأمان".
وطالب ذوو الإعاقة في غزة أيضاً السلطات المحلية بضرورة توفير فرص عمل لهم وحمايتهم وملاءمة الطرق العامة بما يتناسب مع وضعهم، ومن أبرز ما جاء في هتافاتهم "بدنا سن قوانين، قوانين تحمينا، بدنا شوارع وبدنا طرق وبدنا نشتغل كمان".
ومن أجل إنهاء الانقسام، قال الفلسطيني "قوتنا بوحدتنا"، وأيضاً "مصلحتنا في مصالحتنا"، وعندما طالبوا في حياة كريمة بعيداً من ضغوطات الحياة التي لا يوجد فيها أي فرص عمل رددوا "وين الشغل وين، بدنا ناكل وبدنا نعيش".