شهد الثلاثاء إضراب أكبر عدد من الأشخاص في يوم واحد منذ عام 2011، إذ توقف المدرسون عن العمل في إنجلترا وويلز للمرة الأولى في الموجة الحالية من العمل القطاعي، إلى جانب عمال السكك الحديد وموظفي الخدمة المدنية والمحاضرين الجامعيين.
وعلى رغم التعطيل الذي تسببه الإضرابات، تخسر الحكومة حربها الدعائية مع النقابات العمالية بسبب رفضها العنيد تحسين عروض الأجور.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لم يتراجع الدعم الشعبي الذي يحظى به المضربون كما توقعت الحكومة. فالنقابات تكسب الحجة إلى جانبها من خلال إقناع الناس بأنها تضرب لحماية الخدمات المتعثرة وكذلك للحصول على مزيد من المال. ويمكن للناس أن يروا بأعينهم المشكلات الصارخة على صعيد توظيف الناس واستبقائهم. لذلك تتفوق رسالة النقابات بعد 12 سنة من التقشف وفي خضم أزمة على صعيد تكاليف المعيشة على تحذيرات الحكومة حول وجوب قتل تنين التضخم – ولاسيما عندما ترتفع الأجور بنسبة 7.1 في المئة في القطاع الخاص، مقارنة بـ3.3 في المئة في القطاع العام.
ويثبت جيل جديد من قادة النقابات أنه أكثر رشاقة وذكاء مما كانت عليه الحال في النزاعات السابقة. مثلاً، منح رجال الإطفاء أصحاب العمل 10 أيام للتوصل إلى عرض أفضل قبل إضرابهم الأول، لكنهم سيعلنون إضراباً في 9 فبراير (شباط) إذا لم يحصل ذلك. وسيؤجل إضراب المدرسين الثاني لأربعة أسابيع تقريباً، مما يضع الكرة في ملعب الحكومة.
أخبرني بعض نواب حزب المحافظين بأنهم يعتقدون بأن إضرابات المدرسين الثلاثاء ستثبت أنها "نقطة تحول" في معركة العلاقات العامة، بالنظر إلى المشكلات الواضحة التي ستسببها للأطفال وأولياء الأمور – ولاسيما أن بعض المدرسين ابتعدوا عن الممارسات السابقة فرفضوا إخبار الرؤساء ما إذا كانوا سيضربون أم لا.
ومع ذلك، قد يصاب المحافظون بخيبة أمل. ذلك أن أغلبية من الناس (51 في المئة) تؤيد إضراب المدرسين، وفق مؤسسة "يوغوف"، بينما تعارضه 40 في المئة.
وتظهر استطلاعات الرأي الأخيرة أن الدعم الشعبي للمضربين لا يزال قوياً مع تغير طفيف بين ديسمبر (كانون الأول) ويناير (كانون الثاني). ومن المثير للاهتمام أن "يوغوف" وجدت أن الدعم العام أعلى للعاملين الذين يعتقد الناس بأنهم يقدمون مساهمة إلى البلاد – الممرضات وعاملي الإسعاف – وأن الناس أكثر ميلاً إلى دعم العاملين الذين يعتقد الرأي العام بأنهم يتقاضون أجورا منخفضة، مثل المدرسين ورجال الإطفاء.
وتشتبه النقابات في أن العامل المتمثل بكوفيد يعمل لصالحها. قال مسؤول نقابي: "يدعم الرأي العام أبطال مرحلة كوفيد الذين حافظوا على استمرار الخدمات خلال الجائحة". ومع ذلك، يحظى عاملو السكك الحديد باستمرار بدعم أقل، ربما هذا انعكاس لتعب العملاء من أداء السكك الحديد غير الموثوق، فضلاً عن الإضرابات المتكررة.
وفي حين تشير الحكومة إلى الدعم الشعبي لتشريعاتها التي تضمن الحد الأدنى من مستويات الخدمة خلال الإضرابات في المجالات الرئيسة، يفضل الرأي العام حلاً للخلافات الحالية. وجدت مؤسسة "بابلك فرست" الاستشارية أن 51 في المئة من الناس يعتقدون بأن الحكومة يجب أن تستجيب في شكل عام من خلال تلبية مطالب العاملين المضربين، في حين يعتقد 33 في المئة بأن عليها اتخاذ إجراءات صارمة ضد الإضراب وجعل الإضراب أكثر صعوبة.
كذلك تبدد أمل الوزراء الآخر – في أن يتضرر حزب العمال بسبب روابطه النقابية. ويصدح المحافظون بأن كير ستارمر "في جيب مموليه النقابيين" لكن زعيم حزب العمال نأى بنفسه عن النقابات، ورفض تأييد مطالب محددة على صعيد الأجور أو السماح للمتحدثين باسمه في البرلمان بالانضمام إلى المضربين. لم يعد الناخبون يعتبرون روابط حزب العمال أمراً مهماً.
ويصر ريشي سوناك على أن أبواب وزرائه مفتوحة دائماً، لكن عندما يمر قادة النقابات بها، يجدون وزيراً يرفض الدخول في مفاوضات ذات مغزى في شأن الأجور. وعندما يطرح وزراء فرديون – مثل ستيف باركلي، وزير الصحة – فكرة زيادة الأجور لمرة واحدة للاعتراف بأزمة مستويات المعيشة، تقمعهم وزارة المالية (بدعم من سوناك).
مما يبعث على القلق أن الحكومة تماطل الآن كما يبدو. إذا استمرت الإضرابات إلى ما بعد بداية أبريل (نيسان)، سنكون قد دخلنا في السنة المالية المقبلة. لقد أرجأت وزارة المالية تقديم طلبات الإدارات الحكومية إلى هيئات مراجعة الأجور للسنة المالية 2023-2024. ويأمل بعض الوزراء في أن يؤدي عرض أجر لتلك السنة يكون أكثر سخاء قليلاً من نسبة 3.5 في المئة التي حددتها وزارة المالية إلى إنهاء النزاع الحالي – الذي يدور حول السنة المالية 2022-2023 – مع استنفاد ما لدى النقابات من أموال مخصصة إلى الإضرابات، وتعب العاملين من القيام بالعمل القطاعي، وجعل انخفاض معدل التضخم رفع الأجور بنسبة مئوية في خانة عشرات أقل تبريراً.
لكن مصادر نقابية تخبرني أن هذا التكتيك لن ينجح. كما قال أحد المسؤولين: "أزمة تكاليف المعيشة تدور الآن، لن نقبل غداً بأقل مما نطالب به اليوم". ويقول قادة نقابيون أيضاً إن التشريع المقترح الذي يقيد الإضرابات جعل أعضاء نقاباتهم أكثر تصميماً على كسب نزاعاتهم المتعلقة بالأجور.
لذلك على الحكومة الدخول في مفاوضات جدية - وعلى الفور - لمنع استمرار الإضرابات لثلاثة أشهر أخرى، ومساهمتها في رسم صورة خطرة عن "بريطانيا المعطلة" تعيق محاولات سوناك مقاومة حزب العمال. قال وزير سابق: "هناك شعور متزايد بألا شيء يعمل، ويلوم الناس الحكومة".
ستضر الإضرابات المطولة بعرض المحافظين الحتمي في الانتخابات العامة ومفاده بأن "الأمور تتحسن، فلا تدعوا حزب العمال يدمرها". وبدلاً من ذلك، تلقي الإضرابات الضوء على الحالة المحفوفة بالمخاطر للخدمات العامة، مما يؤكد رسالة حزب العمال ومفادها بأن "وقت التغيير قد أزف".
© The Independent