تبدلت مواقف بعض الفرقاء في #لبنان وأطراف مهتمة بملء الفراغ الرئاسي بعد التدهور الكبير في المؤسسات الدستورية. وتقدمت تسوية حول #الرئاسة تقضي بانتخاب قائد الجيش جوزيف عون، وتالياً حصر المنافسة بينه وبين رئيس تيار "المردة" #سليمان_ فرنجية.
لكن الانقسام العمودي في البلاد لم يجد بعد طريقه إلى تسوية تحصر المعركة بين المرشحين الرئيسين، وأن تحقيق اختراق بين تمسك "حزب الله" وحلفائه بترشيح فرنجية، ومعسكر "السياديين" و"المستقلين" الرافض لرئيس حليف للحزب مثل فرنجية، والذي كان قد رشح النائب ميشال معوض، ثم أبدى بعض رموزه الاستعداد للتخلي عن هذا الترشيح تحت عنوان "لا مانع" بالقبول بترشيح العماد جوزيف عون.
لماذا حصر التنافس بين مرشحين؟
استندت التوقعات بحصر المنافسة بين قائد الجيش وفرنجية إلى جملة مؤشرات سمحت بهذا الاستنتاج، أولها كانت تسمية رئيس "الحزب التقدمي" الاشتراكي وليد جنبلاط للعماد عون من بين الأسماء الثلاثة التي عرضها في لقائه الحواري مع وفد قيادي في "حزب الله" في 19 يناير (كانون الثاني) الماضي، (إضافة إلى الوزير السابق جهاد أزعور والنائب السابق صلاح حنين)، ثم في اجتماعه مع رئيس البرلمان نبيه بري خلال لقائهما في 31 يناير. وصف جنبلاط طروحاته على بري بأنها "محاولة اختراق بعض الحواجز السياسية والنفسية، وغيرها، من أجل الوصول إلى توافق يعطي الأمل بانتخاب رئيس، لأننا لا نستطيع أن نبقى في هذه الدوامة، وأن نذهب كل أسبوع - والكلام مشترك مني ومن الرئيس بري - ونصوت بورقة بيضاء (يقصد "حزب الله" وحلفاءه)، وغير ورقة بيضاء (التصويت من فريقه للمرشح معوض). استنفد الموضوع".
وكان الاستعداد للقبول بقائد الجيش للرئاسة قد ورد مرات عدة على لسان فرقاء آخرين من الكتل النيابية التي صوتت على مدى 11 جلسة انتخابية للنائب ميشال معوض مثل جنبلاط. ومن القيادات التي لم تعارض ذلك علناً رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، ورئيس حزب "الكتائب" سامي الجميل، ونواب من المعسكر "السيادي" المعارض لمرشح "حزب الله".
تحرك جنبلاط في اتجاه بري
وبات معروفاً أن جنبلاط تناغم مع ما يعلنه بري بوجوب الخروج من المراوحة التي أوجبت على الثاني أن يعلن أنه لن يدعو إلى جلسات انتخاب إلا حين يلمس أن هناك تطوراً جديداً يفضي إلى انتخاب رئيس. فطالما أن "الثنائي الشيعي" وحلفاءه يعجزون عن تأمين الأكثرية المطلوبة لفرنجية، لا نفع من تكرار ما بات يصفه الإعلام وبري نفسه بـ"المهزلة". فالفريق "السيادي" ظل حتى الجلسة الأخيرة يصوت لمعوض من دون أن ترتفع أصواته إلى أكثر من 40 صوتاً (المرة الأخيرة كانت 34). أما "الثنائي وحلفاؤه فما زالوا يصوتون بالورقة البيضاء" (آخر جلسة كان عددها 37 صوتاً)، خصوصاً أن "حزب الله" عجز عن إقناع حليفه رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل بالتصويت لفرنجية، على أن يسعى إلى إقناع نائبين أو ثلاثة من خارج دائرة حلفائه بالانحياز لرئيس "المردة" من أجل إنجاحه بأكثرية النصف زائد واحد (65 صوتاً) في الدورة الثانية من الاقتراع في البرلمان، بعد ضمان بقاء النصاب بأكثرية الثلثين التي يحتاج إليها أي مرشح للنجاح من الدورة الأولى.
انطوت محاولة جنبلاط مع بري على اقتراح بالسعي من أجل خروج المعسكرين من مرشحيهما لمصلحة واحد من الأسماء الثلاثة، مع ترجيح بأن الأقرب إلى أن يكون موضوع توافق هو قائد الجيش من بينها، لكن القرار في هذا الشأن لا يقتصر على بري وحده، بل يتطلب توافقاً بينه وبين حليفه "حزب الله"، أولاً للخروج من ترشيح فرنجية، وثانياً من أجل الانتقال إلى خيار قائد الجيش. فبري كان ما زال يجري مشاورات قبل لقاء جنبلاط مع الكتل النيابية المترددة، حول إمكان انضمامها إلى خيار رئيس "المردة"، لكن جنبلاط استثنى من اقتراحه فرنجية، نظراً إلى المعطيات بأن بعض الجهات العربية لا تحبذ فرنجية لالتصاقه بـ"حزب الله"، بالتالي لتناقض خياره مع ما تأمله هذه الجهات من حكم جديد في البلد لا يكون تحدياً لها في خياراته الإقليمية، المعادية للدول التي سيطلب منها مساعدات لإعانته على الخروج من أزمته الاقتصادية الخانقة.
الاجتماع الخماسي والخياران
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتقول مصادر مطلعة على التحركات الخارجية إن جنبلاط ربما يكون استند إلى ما تسرب عن الاجتماع الخماسي في باريس بين مسؤولين من وزارات الخارجية الفرنسية والأميركية والسعودية والقطرية والمصرية في السادس من يناير حول لبنان، إذ إن مصادر واسعة الاطلاع أشارت إلى أن الجانب الفرنسي قد يطرح خياراً يدمج بين اتفاق اللبنانيين على واحد من المرشحين الرئيسين، العماد عون وفرنجية، وبين الاتفاق على رئيس للحكومة، على أن يكون الخيار بين القاضي في محكمة العدل الدولية نواف سلام، ورئيس حكومة تصريف الأعمال الحالية نجيب ميقاتي، استناداً إلى خريطة الطريق التي ينوي المجتمعون وضعها للمرحلة المقبلة، والتي تتناول التزام الفرقاء اللبنانيين كافة مع التركيبة الحاكمة المقبلة بتطبيق القرارات الدولية المتعلقة بلبنان من الـ1559 المتعلق بنزع سلاح الميليشيات عبر رسم استراتيجية دفاعية ينضوي سلاح "الحزب" من خلالها وترسيم الحدود مع سوريا وفق القرار 1680، وفي الجنوب بحسب القرار 1701، إضافة إلى التزام سياسة النأي بالنفس عن أزمات المنطقة، فضلاً عن تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية التي طال انتظارها من قبل المجتمع الدولي والدول المانحة، لا سيما الخليجية التي تصر عليها كشرط لازم لتقديم المساعدات للبنان، لكن الافتراض حول تقدم اسم قائد الجيش للرئاسة يعود إلى أنه أقرب إلى خريطة الطريق هذه من فرنجية، الذي يلتزم سياسة "حزب الله"، على رغم أن الأخير كان أبدى استعداده لمناقشة الاستراتيجية الدفاعية لمعالجة مسألة سلاحه. كما أن تقديم خيار قائد الجيش على خيار فرنجية يعود إلى أن دولة قطر التي ستحضر اجتماع باريس، كانت دخلت في وساطة مع بعض الفرقاء اللبنانيين، ومنهم النائب جبران باسيل، على أساس ترجيح اسم الأول. كما أن الجانب المصري لم يخفِ نصائحه لبعض القادة اللبنانيين باعتماد خيار قائد الجيش، فيما تساءل مسؤولون أميركيون عن سبب عدم حسم الأمور بإخراج لبنان من الفراغ بانتخاب العماد جوزيف عون.
أسباب "حزب الله" لمعارضة قائد الجيش
لكن أوساطاً سياسية ونيابية تستبعد أن يصدق حصر المنافسة بين العماد عن وفرنجية للأسباب الآتية:
- تتناقض التسريبات حول الموقف الفعلي لـ"حزب الله" من ترشيح قائد الجيش. فمنها ما ينقل عن قيادة "الحزب" أن لا فيتو لديها عليه، وأن العلاقة بين "الحزب" وبينه في السنوات الماضية منذ توليه قيادة المؤسسة العسكرية اتسمت بالتعاون وبالارتياح إلى عدم اتباعه سياسة عدائية للحزب، ومنها ما يعتقد أن "الحزب" يستريب بعلاقته بالأميركيين، نظراً إلى إغداق الولايات المتحدة الأميركية المساعدات للجيش.
- يرتكز أصحاب الرأي الثاني الذي يرى صعوبة تأييد "الحزب" لقائد الجيش إلى ما سبق لأمينه العام حسن نصر الله أن أثاره في خطابين له خلال الأشهر القليلة الماضية من أن الأميركيين يوجدون بكثرة في وزارة الدفاع، وأنهم يحرضون الجيش على الاصطدام بالمقاومة والحزب، على رغم تأكيده أن ضباط وجنود الجيش لن ينجروا إلى ذلك. وكان المراقبون قد اعتبروا إشارة نصر الله إلى ذلك على أنها تحذير لقيادة الجيش.
- إن "الحزب" لديه تحفظات، مثل انتقادات الرئيس السابق العماد ميشال عون ورئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل على سلوك قائد الجيش إزاء احتجاجات 17 أكتوبر (تشرين الأول) عام 2019 برفضه إخراج المتظاهرين ضد تردي الأوضاع المالية الاقتصادية من الشارع، خصوصاً أن التحركات الشعبية في حينها وجهت سهامها ضد عهد الرئيس عون وصهره باسيل، وضد "حزب الله" وبعضها طرح شعارات ضد سلاحه. كما أن بعض أوساط قيادة "الحزب" تطرح علامة استفهام حول تهاون الجيش بأوامر قيادية مع مناصري حزب "القوات اللبنانية" حين اشتبكوا مع مناصري "الثنائي الشيعي" أثناء تظاهرتهم ضد المحقق العدلي في جريمة انفجار مرفأ بيروت في منطقة الطيونة منتصف أكتوبر عام 2021، حيث سقط سبعة قتلى من مناصري الثنائي.
خيار يفاقم الخلاف مع "التيار الحر"
- إن تأييد قائد الجيش يؤدي إلى تفاقم الخلاف الذي انفجر بين الحليفين، "حزب الله" و"التيار الوطني الحر" الذي يعارض بشدة وصول قائد الجيش إلى الرئاسة أسوة بمعارضته تأييد "الحزب" لترشيح فرنجية، والذي تسبب في شرخ كبير بينهما، يسعى "الحزب" إلى تأجيل الطلاق بينهما بسببه، إلى حين اتضاح المشهد السياسي وفرز التحالفات الممكنة. وإذا أيد "الحزب" قائد الجيش يكون افتراق الحليفين قد حصل قبل أن تتضح معالم المعادلة السياسية الجديدة في البلد.
- يستدل المتابعون لموقف "الحزب" من ترشيح قائد الجيش إلى تصريحات بعض قادته في الأيام الماضية، ومنها قول رئيس كتلة "الوفاء للمقاومة" النيابية محمد رعد أنه "في الأزمة التي يعيشها لبنان، تخرج أصوات تحت عنوان (بأنه لم نعد نحتمل)، ولكن هذه الأصوات تزرع التثبيط والإحباط عند الناس، وتخدم مشروع العدو الذي يريد أن ترتفع مثل هذه الأصوات لتسهم في تعديل موازين القوى". ولهذا السبب والأسباب المذكورة أعلاه فإن المراقبين يجدون مؤشراً في رفض خيار قائد الجيش للرئاسة قول النائب رعد إن "من يريد أن يصرخ فليصرخ حتى يشبع، فنحن مطمئنون بأن شعبنا لن يصرخ، لأنه شريك معنا في المعركة".
صعوبة تعديل الدستور
- أخيراً، وليس آخراً، فإن رئاسة قائد الجيش تحتاج إلى تعديل الدستور بهدف تعليق المادة 49 منه، التي تحظر انتخاب موظفي الأولى للرئاسة إلا بعد سنتين على استقالتهم أو إحالتهم إلى التقاعد. وتعديل الدستور لإتاحة انتخابه، لمرة واحدة، يتطلب إحالة الحكومة لنص بهذا المعنى إلى البرلمان كي يقره بأكثرية الثلثين، أو باقتراح من 10 نواب، ليحال إلى الحكومة كي تقوم بوضع نص التعديل بأكثرية الثلثين أيضاً، ليجري بعدها التصويت عليه في البرلمان. ويصعب اجتماع الحكومة لهذا الغرض.
وبما أن الحكومة ممر إلزامي لإجراء هذا التعديل، فإن الخلاف الكبير الناجم عن أن الحكومة تتولى تصريف الأعمال فيما يعتبر قانونيون أنه لا يحق لها الاجتماع، حتى للبت في قضية جوهرية من هذا النوع يجعل اجتماعها صعباً جداً لإتاحة المجال أمام انتخاب العماد عون رئيساً. وإذا اجتمعت قد يتعذر تأمين أكثرية الثلثين فيها لإحالة نص تعديل الدستور إلى البرلمان، وثمة حسابات حول مدى توفر هذه الأكثرية النيابية نفسها لإنفاذ التعديل.