Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"عنف السودان"... الفاعل مجهول دائما

لجان تقصى الحقائق في الحروب القبلية بلا نتائج ومراقبون: تباطؤ التحقيقات يشجع الإفلات من العقاب ويكافئ الجناة

كاد تشكيل لجان التحقيق يرتبط في أذهان الناس بالتسويف والمماطلة وضياع الحقيقة (اندبندنت عربية – حسن حامد)

ظلت أحداث #العنف_القبلي تتجدد على نحو موسمي شبه مستمر في كثير من المناطق الملتهبة بالسودان، وفي كل مرة تشكل السلطات لجاناً للتحقيق و#تقصي_الحقائق بحثاً عن قاتل مجهول على الدوام.

البطء وتطويل الإجراءات ظلا يلازمان عمل تلك اللجان إلى درجة كاد يرتبط تشكيلها في أذهان الناس بالتسويف والمماطلة، وكأن اللجان باتت هي أيضاً وسيلة قتل للحقيقة يتبعها وأد للعدالة من بعد، فإلى متى تصمت لجان التحقيق في كثير من أحداث العنف القبلي في السودان؟ وماذا وراء ما يشبه الموت السريري لتلك اللجان؟

أين النتائج؟

في تقريرها حول النزاعات في السودان خلال عام 2022 الماضي، كشفت الأمم المتحدة عن مقتل 900 شخص ونزوح ما يقارب 300 ألف آخرين إلى جانب مئات الإصابات.

ويشير مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة (أوتشا) في سياق إطلاقه خطة الاستجابة الإنسانية في السودان لعام 2023 لتلبية الحاجات الأكثر إلحاحاً لنحو 12.5 مليون من الأشخاص الأكثر ضعفاً، إلى نزوح 32 ألف مواطن في ولايتي غرب كردفان ووسط دافور جراء النزاعات.

وفي تعميم لها حول أحداث جنوب كردفان الأخيرة، لاحظت المفوضية القومية لحقوق الإنسان استمرار حال الإفلات من العقاب في جميع حوادث العنف التي شهدتها البلاد، بما في ذلك أحداث العنف الأهلي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتطالب المفوضية بإجراء تحقيق شفاف ومستقل في هذه الحوداث وتقديم من يشتبه في تورطه فيها إلى المحاكمة العادلة، مناشدة في تصريح صحافي كل الأطراف ضبط النفس وتشجيع المصالحات واستخدام تدابير الطوارئ المعلنة، وفقاً لالتزامات السودان في مجال حقوق الإنسان وبخاصة المادة الرابعة من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.

وفي حين أشادت المفوضية بسرعة استجابة حكومة ولاية جنوب كردفان باتخاذها تدابير استباقية لمنع تفاقم النزاع، فإنها طالبت في الوقت نفسه بإعداد برنامج عاجل لنزع السلاح واتخاذ تدابير جدية لمنع تكرار العنف.

من جانبه كشف عضو مجلس السيادة الهادي إدريس أن بعض اللجان التي شكلت للتحقيق في أحداث دارفور نشرت تقاريرها بينما لم تصدرها لجان أخرى، لافتاً إلى أن بعض التقارير لم تكن مقنعة.

وأشار إدريس خلال لقاء إذاعي إلى أن لجنة تحقيق "أحداث الجنينة" على وجه التحديد نشرت تقريرها، لكن هناك لجاناً أخرى لا تزال تواصل التحقيقات مثل لجنة التحقيق في "أحداث منطقة بليل" التي شكلت في وقت قريب، كما أفصح عضو مجلس السيادة عن القبض على بعض المتهمين في الأحداث المؤسفة التي شهدها الإقليم، ومنهم متهمون موجودون في سجن بورتسودان وسجون أخرى.

وفي العادة تشكل لجان التحقيق الجنائي بواسطة النائب العام استناداً إلى قانون الإجراءات الجنائية التي تخول له ذلك حتى تتمكن من ممارسة سلطات النيابة في التحقيق والتحري وتوجيه الاتهامات وإحالة المتهمين إلى المحاكم.

واقع الحال

غير أن وأقع الحال بحسب نائب رئيس مجلس أمناء هيئة محامي دارفور الصادق على حسن يشير إلى أن لجان التحقيق التي تشكل في أحداث العنف القبلي تستهدف في الأساس مخاطبة الاحتقانات اللحظية بين الأطراف القبلية، وتفادي المسؤولية وإظهار جدية السلطة وعدم التقصير على خلاف الحقيقة.

ويوجه حسن اتهامات مباشرة للجان التحقيق بأنها "باتت تستخدم في تقنين ظاهرة الإفلات من العقاب، والأخطر من ذلك تحويل مهمات ووظيفة النيابة العامة المستقلة إلى أداة من أدوات السلطة التنفيذية لإسدال الستار على الجرائم المرتكبة تحت أي غطاء أو عبر استخدم رمزية القبيلة، لتنتهي أعمالها بمؤتمرات صلح بين النخب من قيادات الإدارات الأهلية والأعيان وتغييب لأولياء الدم وأصحاب الحقوق الخاصة".

 

ويؤكد حسن أن أعمال لجان الصلح القبلي صارت ضمن أعمال مؤتمرات الصلح الشكلي وتبديد الأموال، وفي تجارب دارفور الدامية والمريرة لم تصل أية لجنة حتى الآن لملاحقة جناة أو تقديمهم إلى العدالة.

ويعتبر نائب رئيس أمناء هيئة محامي دارفور أن الظروف الحالية في الأصل غير مواتية بعد أصبحت بعض المشكلات القبلية تصنع بأياد نافذة في الدولة، وباتت تلك المشكلات ضمن أدوات التنافس على السلطة.

ويعتقد حسن أن "ظروف السودان الحالية تتطلب بذل الجهود لتغيير النظام الحاكم بنظام يسعى إلى تطبيق القانون، وليس نظاماً يتخذ من لجنة التحقيق وسيلة من وسائل التنصل من المسؤولية كما يحدث الآن".

ويرى أنه "ما لم تذهب الظروف الاستثنائية وتستعيد النيابة العامة استقلاليتها فلن ترتقي هذه اللجان التي تشكل للتحقيق والتقصي في جرائم الصراعات القبلية للاضطلاع بمسؤوليتها بحياد وتجرد ومهنية من دون تأثيرات أو توجيهات من خارجها".

على صعيد متصل يرى والي غرب دارفور السابق محمد عبدالله الدومة أن هناك أسباباً عدة تتسبب في عدم وصول لجان التحقيق في حوادث العنف القبلي إلى نتائج ملموسة، أبرزها مسألة تأهيل أعضاء اللجنة والطرق غير السليمة في اختيارهم، مما يؤثر في التحقيق بسبب تداخل الأدوار السياسية والقبلية التي تلقي بظلالها على أعمال اللجان.

ويضيف الدومة أن لجان التحقيق التي يتم تكوينها بواسطة الولاة أو في المحليات هي أقرب إلى كونها لجاناً إدارية لا قانونية، وغالباً ما تتعرض إلى ضغوط وتأثيرات قبلية بشكل أو بآخر، بينما يفترض أن تشكل تلك اللجان بواسطة النائب العام وتتمتع بصلاحيات النيابة، مع ملاحظة أن هناك جهات عدة لها الحق أيضاً بتشكيل مثل تلك اللجان، ممثلة في المجلس السيادي ومجلس الوزراء.

مكافأة المعتدي

ودُهش الوالي السابق من عدم وصول أربع لجان شكلت خلال توليه السلطة في الولاية للتحقيق بالأحداث الدموية التي شهدتها مناطق "مستري" و"كرينك" و"جبل مون" إلى نتائج معلنة حتى اليوم، على رغم الفظاعات التي ارتكبت.

أما الأسباب فيرجعها الدومة إلى تأثيرات سياسية وقبلية على تلك اللجان، مطالباً بضرورة تفعيل قانون لجان التحقيق لعام 1954 بتعديلاته اللاحقة كما كان يحدث في السابق، من خلال نماذج للجان تحقيق وضعت بصمات في ذاكرة الوطن.

 

ولفت الوالي السابق إلى أن هناك بعض المصالحات التي تتم بموجب توقيع ما يعرف بوثيقة وقف العدائيات، على رغم أن هناك جرائم وفظاعات ارتكبت، مما يعني أن هناك معتدين شبه معروفين يتم التصالح معهم بدلاً من معاقبتهم، معتبراً أن مثل هذا المنهج والأسلوب لا يعدو كونه ذراً للرماد على الجروح من دون علاجها، بل يعتبر مكافأة للمعتدي تشجعه على التمادي في جرائمه.

وفي السياق نفسه أوضح عمران يونس وهو رئيس اللجنة المركزية العليا لمعالجة أزمة الأحداث الدامية التي شهدها إقليم النيل الأزرق بين مكوني "الهوسا" و"مجموعات الفونج" القبليين، أن لجنة التحقيق التي تشكلت بواسطة النائب العام بداية الأحداث منذ مايو (أيار) 2022، وكذلك اللجنة المشكلة على مستوى الإقليم، لم تصدر عنهما أية مخرجات حتى اليوم، بينما تنتشر إشاعات بإلقاء القبض على نحو 100 شخص موجودين بالحراسات في مواجهة بلاغات جنائية ترتبط بالأحداث.

ويصف يونس الأزمة في الإقليم بالمتعددة الجوانب ومتفاوتة الأسباب، إذ يرتبط بعضها بقضايا الفقر والانفلات الأمني وانتشار السلاح غير المقنن وعدم انضباط بعض النظاميين إلى جانب بعض التداخلات السياسية، معتبراً أن مرحلة التحقيق الأولية انتهت لكنها لم تصل بعد إلى درجة كشف الحقائق أو توجيه الاتهامات رسمياً.

وكشف رئيس اللجنة المركزية عن طرحه موضوع بطء لجان التحقيق مع مستويات عليا بالدولة، ليس في النيل الأزرق وحسب بل في ولايات أخرى كثيرة وبخاصة دارفور، منوهاً إلى أن "تأخير وتطويل أمد نتائج التحقيقات ليس في مصلحة الاستقرار والأمن، وهو مضر بقضايا السلم الاجتماعي في مناطق النزاع لأنه يؤجج عمليات الثأر في غياب العدالة".

في انتظار الصلح

وعن مصير نتائج تحقيقات اللجان المشكلة في الأحداث الأولى والثانية بإقليم النيل الأزرق، يقول ناظر عموم قبائل النيل الأزرق الفاتح عدلان إن تأخير صدور النتائج يعود لانتظار هذه اللجان إعلان وقف العدائيات لرسم خريطة طريق بهدف الوصول إلى سلام دائم بالإقليم، مضيفاً أن "عمل اللجان شبه متوقف الآن أملاً في أن يتوصل الطرفان إلى الصلح بينهما، لكن التحقيق قد يستأنف في أي وقت، بخاصة أن هناك محاكمات يفترض أن تتم مع ضرورة أن يكون هناك حصر للخسائر في الأرواح والممتلكات لدى الطرفين تمهيداً لتسوية النزاع".

ويعتبر قانونيون أن لجان التحقيق الجنائي تختلف في طبيعتها ومهماتها عن لجان التحقيق التي تشكل بموجب قانون لجان التحقيق لعام 1954، إذ لا يمكن استخدام نتائج التحقيق في هذه الحال كبيّنة أمام المحاكم، مدنيّة كانت أم جنائية، على عكس لجان التحقيق التي يتم تشكيلها بواسطة النائب العام وتتمتع بموجب ذلك بسلطات النيابة العامة.

وعلى رغم توقيع "اتفاق سلام جوبا" في أكتوبر (تشرين الأول) 2020 بين الحكومة الانتقالية وفصائل رئيسة من الحركات المسلحة، ظلت مناطق عدة في البلاد وعلى رأسها دارفور تشهد طوال الأعوام الثلاثة الماضية موجات من الاقتتال القبلي راح ضحيتها مئات المواطنين، فضلاً عن فرار الآلاف.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير