أجمع العلماء #الجيولوجيون على أنه ليس من وسيلة حتى الآن مهما بلغ تطورها يمكنها توقع الزلازل، إذ ما زالت العناصر الأساسية لذلك غير متوفرة للعلماء حتى اللحظة، والتوقعات الكثيرة وإن صح بعضها يظل في إطار الترجيحات العامة. والسبب في انعدام القدرة على التوقع يعود إلى عوامل عدة أهمها، بعد مكان #الزلزال عن القشرة الأرضية، إذ تنشأ الزلازل في #باطن_الأرض في نقطة تعرف باسم البؤرة ومنها تتحرك الموجات الزلزالية إلى الخارج.
ومع ذلك انتشرت على مدى قرون عدة، أدلة قصصية متنوعة زعم معظمها خروج أنواع من الحيوانات عن نشاطها وسلوكياتها الاعتيادية في فترات متفاوتة سبقت حدوث الزلازل، فالحيوانات المائية ظهرت كما لو أنها تريد الخروج من المياه والحيوانات البرية هاجمت المدن منذرة بحدوث أمر سيئ والحيوانات المنتجة للألبان والبيض توقفت عن إنتاجها وغيرها كثير، فهل تستطيع الحيوانات فعلاً استشعار الخطر قبل حدوثه؟ وهل يمكن لسلوكها المتبدل أن يُعتمد كمؤشر لتغيرات محددة قبل حدوث الكوارث الطبيعية؟
تحقيق
في البداية إذا أردنا أن نضع هذه الظاهرة في إطارها الصحيح توجب علينا القول إنه لا يوجد رفض كامل من قبل مجموع العلماء بقدر ما هنالك سعي حقيقي لفك هذا اللغز، وقد أنتج هذا السعي محاولات عدة لإثبات وجود ارتباط ما، فعلى سبيل المثال أجرى "مارتن فيكيلسكي" مدير معهد "ماكس بلانك" لسلوك الحيوان وأستاذ علم الطيور في جامعة "كونستانز" الألمانية، تحقيقاً متخصصاً في سلوك حيوانات المزارع قبل الزلازل، وقام بربط ست من الأبقار وخمس من الأغنام وكلبين بأجهزة استشعار في منطقة معرضة للزلازل في شمال إيطاليا وراقب نشاطها على مدار أشهر عدة، وكشف التحقيق أن الحيوانات أظهرت تغييراً في سلوكها قبل عشرين ساعة من وقوع الزلزال، وباستخدام هذه البيانات تمكن الباحثون من التنبؤ بدقة بسبعة من أصل ثمانية زلازل قوية.
وصرح الباحثون أن حيوانات المزرعة بدت كأنها تتوقع الهزات في فترة تتراوح من ساعة إلى عشرين ساعة، ولكن كان رد فعلها مبكراً عندما كانت أقرب إلى مكان الهزات.
وتاريخياً حدث أن أبدت بعض الحيوانات سلوكاً غير معتاد قبل حدوث زلزال مدمر في اليونان في عام 373 قبل الميلاد، فقد غادرت الجرذان وابن عرس والثعابين منازلها وتوجهت إلى أماكن آمنة قبل أيام عدة من وقوع الزلزال، بحسب تقرير لهيئة المسح الجيولوجي الأميركي (USGS).
سلوك غير معتاد
ولكن تكثر بشكل خاص الأدلة القصصية حول الحيوانات والأسماك والطيور والزواحف والحشرات التي تظهر سلوكاً غريباً قبل أسابيع وأحياناً دقائق أو ثوان من حدوث الزلزال، لكنها تبقى ضمن إطار الاعتقادات الشعبية لا أكثر، ومن خلال سؤالنا لبعض الناجين من زلزال سوريا عن ملاحظتهم لأي نشاط غير اعتيادي للحيوانات من حولهم، تحدث إلينا نوار عن تجربته بعد زلزال السادس من فبراير (شباط) في محافظة اللاذقية السورية، قائلاً إنه راقب أصوات الكلاب واستجابتها الانفعالية بعد حدوث الزلزال الأول، وكانت بحسب تقديره، تسبق حدوث الهزات الارتدادية بحوالى 20 دقيقة، أصوات نباح قوية ومختلفة عن الصوت المعتاد، وتابع نوار "شككت في الأمر أول مرة واعتبرتها صدفة، ولكن الفضول دفعني إلى التركيز والمتابعة، ليتكرر الأمر أكثر من ثلاث مرات متتالية". وأكد نوار أن أصوات الكلاب كانت متغيرة عن المعتاد "وكأنها كانت ترسل نداءات استغاثة".
وتكررت قصص كهذه بخاصة في المناطق البعيدة من المدن وكلما اقتربنا من الطبيعة والمساحات المفتوحة أكثر.
الكلاب حذرت السكان
من جهة أخرى، ساعد سلوك الزواحف إلى جانب حوادث أخرى في إقناع السلطات بإخلاء مدينة "هايتشنغ" الصينية قبل ساعات من حدوث زلزال بقوة 7.3 درجة، إذ انسحبت عشرات الثعابين من أوكارها في الأسابيع التي سبقت في عام 1975 زلزالاً في الصين، بحسب تقرير لمجلة العلوم الأميركية Scientific American)).
وفي العام التالي، ضرب زلزال مدمر مدينة "تانغشان"، سمي "زلزال تانغشان العظيم". وكان عدد ضحاياه أكبر بكثير لولا مجموعة الكلاب البرية التي هاجمت المدينة وملأت شوارعها الأمر الذي سبب رعباً ودفع الحكومة الصينية إلى إخلاء المدينة قبل ساعات من حدوث الزلزال فعلياً، الأمر الذي أدى إلى وفاة مئات الآلاف ممن لم يغادروا المدينة.
وإضافة إلى الكلاب، تلقت الأسماك والجرذان مؤشرات على الزلزال قبل ساعات من حدوثه، إذ اضطربت الأسماك بشكل شديد كما لو أنها تريد القفز من الأحواض والنجاة بنفسها، أما الجرذان فخرجت بشكل هستيري من قنوات الصرف منتشرةً في أحياء المدينة كلها، إضافة إلى شهادات من مزارعين زعموا امتناع الحيوانات عن تناول الطعام في الفترة ذاتها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
هروب نحو القمة
وفي عام 2004، ضرب زلزال بقوة 9.1 درجة تحت سطح البحر قبالة إندونيسيا، وأحدث تسونامي أدى إلى تدمير المجتمعات الساحلية حول المحيط الهندي وعدد كبير من الضحايا، وأرجع هذا العدد الكبير من القتلى إلى عدم تلقي عديد من المجتمعات أي تحذير قبل وقوع الحدث، فقد فشلت أنظمة الإنذار المبكر في إصدار أي إنذار، كما زاد الأمر سوءاً، تعطل أجهزة الاستشعار بسبب الصيانة، لكن وفقاً لروايات شهود عيان شعرت بعض الحيوانات بالخطر الوشيك وبذلت جهوداً للفرار في الدقائق والساعات التي سبقت ارتفاع المياه، إذ ركضت الأفيال إلى مناطق مرتفعة وهجرت طيور الفلامنغو مساحات التعشيش ذات الارتفاعات المنخفضة ورفضت الكلاب الخروج.
كما أفاد السكان المحليون في إحدى القرى الساحلية في تايلاند، أن قطيعاً من الجواميس بدأ يركز السمع على الشاطئ ويحدق في البحر، ثم اندفع إلى قمة تل قريب قبل بضع دقائق من وقوع حادثة تسونامي.
لكن السؤال هل يمكن لنا البناء على هذه القصص؟ الجواب حتى الآن هو أن هذه القصص ما زالت في إطار الشهادات الشخصية والأدلة القصصية لا أكثر، كونها متفرقة وغير مدروسة بشكل كاف من قبل العلماء، فغالباً ما تحتاج الملاحظات العامة إلى تأكيد واتفاق من قبل العلماء لكي تعد دليلاً، بخاصة وأن للعلماء طرقهم في تحديد شكل الانفعال الذي تبديه الحيوانات قبل حدوث الكوارث، فليس كل صوت تصدره الحيوانات أو سلوك غير اعتيادي يدل على حدوث أمر غير مرغوب، كما لا يمكن الاعتماد عليها كقاعدة عامة، إذ في كثير من الحالات لم يسجَل أي سلوك يسبق الكوارث الطبيعية، أو بالعكس لم تحدث أي كارثة عقب ظهور استجابات معينة لدى الحيوانات.
