مشكلة سياسية لا يبدو أنها تسير نحو الحل، مطالبات شعبية بات لها دور كبير في التأزيم بين الحكومة و#مجلس_الأمة في #الكويت تحت عنوان #إسقاط_القروض، وهي التي ولدت بعد #غزو_الكويت وتطورت في السنوات التي تلتها.
بدأت المشكلة تأخذ ملامحها الإنسانية في المجتمع الكويتي منذ عام 2005 بالمطالبات الشعبية بإسقاط قروض المواطنين المتعثرين عن السداد للبنوك الكويتية، حيث أخذت حيزاً كبيراً من حياة المواطنين وعلى أثرها تقدم عديد من النواب بقوانين تطالب بإسقاط الفوائد أو شراء المديونيات من قبل الحكومة. لتتطور بعد ذلك وتسهم في تأزيم الحالة السياسية بين السلطتين.
إسقاط القروض بعد التحرير
إن بروز فكرة إسقاط القروض كحل اقتصادي لم يأتِ في بادئ الأمر بمطالبة شعبية بل بقرار رأسي. ففي عام 1992 قام أمير الكويت الراحل الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح بإسقاط القروض الاستهلاكية وقروض بنك التسليف عن المواطنين مستجيباً للظرف الذي أعقب الغزو، وصدر مرسوم بقانون رقم 20 بالجريدة الرسمية عدد 48، ثم بدأت بالتطور حتى باتت جزءاً من أي طرح شعبي حول الحلول الاقتصادية.
وفي عام 1993 صدر مرسم بقانون رقم 41 حول شراء بعض من المديونيات وعن آلية تحصيلها، إلى أن تم تطبيق رفع قيمة القرض الإسكاني من 54 ألفاً إلى 70 ألف دينار كويتي (176 ألفاً – 228 ألف دولار أميركي) وتم تطبيقه بسنة 1994، وفي عام 1995 تم إيقاف نشاط العمل في بنك التسليف ليتحول بكل إمكاناته إلى مسماه الجديد "البنك الائتماني"، وفي العام نفسه طبقت قيمة القرض الإسكاني بـ70 ألف دينار كويتي (228 ألف دولار أميركي)، وبأثر رجعي رفعت فارق قيمة القروض حيث بلغت الزيادة 16 ألف دينار كويتي (52 ألف دولار أميركي) للمقترض الواحد.
وفي عام 2011 صدر مرسوم حمل رقم 324 بشروط وقواعد من ضمنها إجراءات منح القرض الإسكاني وتوفير السكن الملائم، وفقاً لأحكام القانون رقم 2/2011 ونص بتعديل بعض أحكام القانون رقم 47/1993 في شأن الرعاية السكنية.
وينص المرسوم على أن يقدم بنك التسليف قروضاً من دون فوائد لا تتجاوز 70 ألف دينار (228 ألف دولار أميركي) لكل من المرأة الكويتية المطلقة طلاقاً بائناً والأرملة بشرط أن يكون لها أولاد، بشرط ألا تكون متمتعة بحق السكن ما لم تتنازل عن هذا الحق.
إسقاط القروض والتأزيم السياسي
هذه التراكمات دفعت شريحة من الشعب الكويتي إلى أخذ قرارها بعدم التوقف عن المطالبة بإسقاط القروض، واعتبرت أن ذلك حق أصيل لها من خلال مرشحيها وممثليها من النواب في مجلس الأمة، حول الملف الذي عطل التعاون بين النواب والحكومة.
وقال عضو مجلس الأمة الكويتي عبدالله الأنبعي "بالنسبة لما يسمى إسقاط القروض أو شراء مديونيات المواطنين، هي قضية وهمية بعيدة كل البعد عن المنطق، وبسبب عدم وجود الوفرة المالية من الاحتياطي العام، وعدم وجود قانون للدين العام وعدم وجود قانون السحب من احتياطي الأجيال القادمة، كل هذه الظروف مجتمعة جعلت الملف شائكاً".
وأضاف "يفترض إيجاد حلول منطقية قابلة للتطبيق بعيداً من الحلول الترقيعية التي تقدم السياسي للحصول على زخم شعبي"، مضيفاً "هذه قضايا لها زخم شعبي ومكاسب يمكن تحقيقها للفرد، لكن لا تغير الواقع قيد أنملة، فالتعاطي مع مثل هذه القضية يجب أن يكون تعاطياً حكيماً ينظر فيه بالبعد السياسي إلى المبتغى الذي يسبق رفع شعار (إسقاط القروض)".
ويعتبر النائب عبدالله الأنبعي أن الحكومة الكويتية لم يكن لديها الرشد الكافي لنزع فتيل الأزمة بينها وبين نواب مجلس الأمة الكويتي فذهبت إلى الانسحاب وعدم الحضور، ومن ثم تقديم الاستقالة.
من جهته يتفق المحلل السياسي محمد الوهيب مع وجهة النظر السابقة حيث يرى "ظهور ملف إسقاط القروض أو شراء فوائد القروض يعتبر مفاجئاً لأنه لم يكن ضمن البرامج الانتخابية للمرشحين، ولا حتى ضمن أولويات الناخبين، والسؤال الكبير ما الذي دفع بعض النواب لطرحه والإصرار عليه؟".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويجيب بالقول "لا يمكن أن يفهم هذا الاستدعاء إلا من أجل إيجاد العراقيل بين الحكومة والمجلس، وباختصار كانت هناك دعوات واضحة للمجلس والحكومة بالحرص على عدم التصادم والتعاون في ما بينهما، وبالفعل كانت النية الواضحة خلال الأشهر الثلاثة الأولى، لكن إعادة طرح هذا الموضوع الذي تم الرد عليه في السابق ما هو إلا دغدغة لمشاعر المواطنين لتحقيق هذا الهدف الشعبوي".
إسقاط القروض ونزعة الاقتراض
بعيداً من الجانب السياسي، لماذا يعتبر هذا المشروع غير منطقي ويصر المحللون على اعتبار إثارته المستمرة لا تتجاوز التأزيم المتعمد بين الحكومة والمجلس النيابي؟
الجواب تقوله خبيرة استشارات سلوك في جامعة الكويت، فاطمة عيادة التي أكدت أن لقرار مثل هذا في ما لو اتُخذ آثار سلبية على سلوك المستهلك. "هناك من يقترض للترفيه والبذخ، نحن الذين نخلق أزمة القروض للرفاهية الزائدة أو للسفر وتلك المظاهر تضع المواطن تحت طائلة الشعور بالعجز، والشعور بالتقصير، القرض سهل له العيش لمدة شهر، ولكن سيقلل المدخول الشهري تباعاً وسيعاني لسنين".
وأضافت عياد "فضلاً عن شعور غياب العدالة فيما لو حظي أحد بفرصة عدم سداد قروضه، فهناك مشكلة أخرى تكمن في تعزيز نزعة الاقتراض لدى الناس في ما لو لم يدفعوا ثمنه ولم يسددوه".
بدء العدالة الاجتماعية
أيضاً وفي السياق نفسه، وضح أن هناك حراكاً وتفاعلاً للناشطين ومجموعة كبيرة من الكويتيين الأكاديميين في جامعة الكويت حول "ملف إسقاط القروض"، معتبرين إياه متعارضاً مع مبدأ العدالة.
كان أحدهم خالد النوري الذي تحدث إليها بالقول "لست مع إسقاط القروض، رغم أني مقترض، ولست مع إسقاط القروض لأن من العدالة أن يكون المقترض مسؤولاً عن نفسه وعن سلوكه المالي".
وأضاف النوري "من ضغط في هذا الاتجاه من النواب، هم نواب يتكسبون نيابياً لإرضاء ناخبيهم، ولن يخدموا البلد في جميع المجالات، ورسالتي إذا كان على الحكومة أن تدفع أموالاً فلتدفعها على تطوير المرافق الصحية وخدماتها العلاجية، والتعليم، والخدمات العامة مثل إصلاح الشوارع، والأولى التسهيل على المواطنين، وغير مقبول أن يطالب النواب بإسقاط القروض قبل الملفات الذي ذكرتها سابقاً".
وحول عدالة المطالبة بإسقاط القروض، قالت الأستاذة في جامعة الكويت شيخة الجاسم "أنا ضد فكرة إسقاط القروض لأنها تعزز الاتكالية وعدم تحمل مسؤولية قراراتنا، فالمقترض عليه التزام بما تم بالتراضي بينه وبين البنك، وإسقاط القروض يحفز على انعدام المسؤولية وزرع روح الاتكالية والريعية".
وأفادت "كذلك يفتقر هذا الاقتراح للعدالة، ما ذنب المقترض الذي سدد أقساطه لسنوات والتزم، ثم يتساوى مع من لم يسدد سوى قسط واحد! بل ما ذنب من عاش على قدر محدود ولم يقترض بمساواته بمن اقترض واشترى منزلاً أو سيارة وتنعم بالأموال! وأمر آخر أيضاً يتعلق برفض الفكرة، وهو أن ليس هناك داع لإسقاطها أصلاً، ولو أسقطت الآن فلماذا لا نسقطها كل سنتين مثلاً؟".
وختمت الجاسم حديثها بالقول "إسقاط القروض بعد التحرير كان استثنائياً اقتضى إجراءات استثنائية، أما الآن فليس هناك أي سبب عقلاني منطقي يستدعي إسقاط القروض".
إسقاط القروض حق الشعب
أما ليلى الخياط، وهي أكاديمية أخرى في جامعة الكويت "فتعتبر الحكومة أباً ولديه ولدان (المواطن والتاجر المدلل) إذا أسقطت الحكومة قروض الغريب (الدول الأخرى) فالأقربون أولى بإسقاط قروضهم، وإذا كان الأب يدلل أحد أبنائه ويسقط عنه مليارات من القروض والفوائد بأزماته التجارية، فالابن المظلوم كذلك أولى بإسقاط قروضه وفوائده من مبدأ العدالة بالتعامل مع الابن المدلل التاجر".
وبينت "أما عن مبدأ العدالة، فأجد أن من يتحدثون عنه لا يظهرون إلا الحسد تجاه المواطن، فهم يغيبون عندما تدفع الدولة ديون الدول الأخرى أو تسقط عنها الفوائد".