Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كتب الأرصفة في سوريا... صفحات من حياة الحرب

غياب المكتبات الكبرى جعل منها ملجأ القراء وكثير من عناوينها منتشل من حطام القصف

قد يتساءل بعض الناس كيف لمثل هذه الكتب أن توجد على الأرصفة على رغم أن مكانها المكتبات (اندبندنت عربية)

عندما تمسك كتاباً مستعملاً تعيش تجربتين، #تجربة_المؤلف وتجربة من قرأه قبلك، فإذا دققت في هذه اللحظة سترى أن رأسك يزدحم بأسئلة مثل: لماذا قرأ أحدهم هذا #الكتاب؟ ولماذا وضع سطراً تحت هذه الجملة أو تلك؟ وربما تجد نفسك وقد رفعت الكتاب لتشم رائحته، فهو يحمل بعضاً من حياة قارئه الأول.

جسر الرئيس

أضخم بسطة كتب قديمة في دمشق تقع داخل أكثر أماكنها ازدحاماً بالمارة ووسائل النقل التي تنطلق منها وتعود إليها، والأهم أنها موجودة في أكثر المناطق حيوية، فحولها المتحف الوطني والتكية السليمانية وجامعة دمشق ووزارة السياحة، وأمامها يقف فندق الـ"فور سيزونز" والمكتبات السورية العريقة والمقاهي الثقافية ودور السينما.

هذا المكان الحيوي جعل من بسطة الكتب الواقعة تحت ما عرف بجسر الرئيس محطة استراحة لابد منها لعشاق القراءة، فهذه المكتبة المترامية الأطراف تثير شهية الجميع للمس أحد الكتب التي تنتظر من يكتشفها، عن هذا يقول فراس (33 سنة) وهو قارئ شغوف بكتب السياسة، "صعقت عندما رأيت مذكرات كسينجر، فقد قصدت مكتبات عدة لشرائها، لكنهم أخبروني أنها غير موجودة وتحتاج إلى التوصية عليها من بيروت"، أما عن ثمن هذا الكتاب فيقول "اشتريته منذ مدة وكان مغلفاً بالكامل، لذلك طلبوا فيه 20 ألف ليرة سورية (ما يعادل 3 دولارات)، وربما أصبح اليوم أغلى من ذلك".

من هنا جاءت

قد يتساءل بعض الناس كيف لمثل هذه الكتب أن توجد على الأرصفة على رغم أن مكانها المكتبات، والجواب بسيط فقد درجت العادة في سوريا على مداورة الكتب عبر تبرع بعض المقتنين لها للآخرين، وبعضها يبيعه مالكه لأسباب عديدة منها السفر، وأخرى تباع بعد وفاة صاحبها لعدم معرفة الورثة ماذا يفعلون بها.

 

 

في الحرب، وبعد أن دمر عديد من المنازل، هناك من عاد إلى بيته ووجد مكتبته مبعثرة في الأرجاء فأعاد جمعها وحاول نقلها إلى مكان جديد، أو قرر بيعها ليحفظ لها مكاناً آمناً إذا لم يكن بإمكانه تأمين منزل.

يقول أشرف "عندما عدت إلى منزلي بحي الحميدية في محافظة حمص كان كمن ضربته قنبلة، ولم أجد غرضاً واحداً في مكانه، حتى مكتبتي التي اقتنيت كتبها من بلاد عدة وجدتها مبعثرة وقد أحرق بعضهم قسماً منها ليستدفئوا بها، فما كان مني إلا أن جمعت ما تبقى منها وحملتها إلى بسطة كانت آنذاك أمام جامعة البعث، لأن سفري كان وشيكاً ولم أكن لأستطع حملها معي، ومعظم معارفي هاجروا وأردت أن يستفيد منها أبناء بلدي".

بسطات مكان المكتبات

لقد أغلقت مكتبات عدة في سوريا أبوابها، أو تحول مكانها إلى مشاريع أخرى تدر على أصحابها أرباحاً، حيث طاولت تبعات الحرب الكتاب ودور النشر وقدرتها على استيراد الورق مع ارتفاع كلفته ككل السلع في البلاد، مما أثر في المكتبات وأسعار الكتب فيها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

عندما أغلقت مكتبة "نوبل" العريقة في دمشق، ساد الوسط الثقافي السخط والحزن على المكتبة التي تعد معلماً من معالم دمشق ونقطة ضوء يعرفها من خبر هذه المدينة، كما أغلقت في مدينة حلب مكتبة "الأصمعي" في ساحة عبدالله الجابري، وكذلك بسطة كتب كانت منتصبة أمامها، كما أغلقت مكتبة "كردية" العريقة في اللاذقية.

هذه المكتبات لم تكن فقط مكاناً لعرض الكتب، بل وتقدم لزائرها نصائح جمة حول الكتاب الذي يختاره، وأصحابها كانوا قارئين وناصحين ولديهم آراء في الكتب التي يبيعونها، ولا يهمهم كثيراً المال بقدر ما يهمهم تقديم الفائدة للزبون، وهذا ما تفتقده كثير من المكتبات في العالم.

غياب هذه المكتبات هو ما جعل من بسطات الكتب تأخذ دورها كملجأ لكثير من محبي القراءة الذين اضطروا في لحظة إلى المفاضلة بين الطعام أو شراء كتاب، فكانت هذه البسطات على رغم تأثرها بالوضع العام تقدم كتباً رخيصة الثمن.

صديق ونصيحة

أبو عبدو (78 سنة) هو أحد أصحاب هذه البسطات الموجودة تحت جسر الرئيس، الذي يحمل فقط الشهادة الابتدائية، كان قد بدأ هذه المهنة منذ عام 1958 أيام الوحدة بين مصر وسوريا، وهو مهتم بالكتب التاريخية والأدبية التي لها علاقة بالتاريخ، ويعتبر أن القراءة حياة، وأن على الإنسان الاطلاع على آخر ما وصل إليه العلم، فبرأيه أن الأمي ليس الذي لا يقرأ أو يكتب، بل ذلك الذي لا يبحث في مجاله أكثر أكثر.

ربما تغيب لسنوات وتعود لترى أبو عبده ما زال موجوداً قرب بسطته تحت جسر الرئيس، يتابع زبائنه ويقدم النصيحة لهم إن شعر أنه لا بد أن يتكلم.

 

 

مثله كان أبو طلال، الذي عرف بأنه صديق الكتب القديمة، وكذا صديق عديد من مرتادي بسطته ومنهم طلبة جامعة وصحافيين وكتاب وغيرهم، ولدى وفاته قبل ثلاث سنوات نعاه عدد كبير منهم، مشيرين إلى أنهم شعروا بأنه كان صديقهم الحميم منذ أمد بعيد، وقد حظي بألقاب كثيرة مثل شيخ الوراقين، وعمود الجسر، وصديق القراء والفقراء.

في هذا السياق يقول عبدالرحمن، وهو طالب دراسات عليا، "أجمل ما في بسطات الكتب أنها جمعتنا بأصدقاء مميزين ما كان بالإمكان أن نجتمع بهم في المدرجات الجامعية أو القاعات البحثية، فلبسطات الكتب ندين بكثير من الأصدقاء الحقيقيين وهم الرفاق، والمجازيين وهم الكتب".

كتب جديدة ومبادرات

إلى جانب بسطات الكتب المستعملة، توجد بسطات لكتب جديدة يبيعها شخص اشتراها بثمن أقل من المكتبات، وذلك لعيب في هذه الطبعة أو أن نوعية الورق، وقد يجد الباحث ما يريده فيها لكنه سيخضع لمفاصلة مع البائع.

خلال الحرب، خرج كثير من الأصوات التي تدعو إلى مداورة الكتب، وقد لبى بعض القراء هذا النداء لفترة محددة، فالسوري مشهور بأنه يحب الاحتفاظ بالكتاب له وحده، لذلك اتخذت المبادرات صوراً أخرى وتطورت لتصبح لقاءات في مقاه محددة في اللاذقية ودمشق لمناقشة كتاب كانوا قد اتفقوا على قراءته جميعاً.

كما اتخذت هذه المبادرات طريقها إلى طلاب الجامعات، الذين أطلق بعضهم حملات لمداورة المحاضرات التي تعتبر غالية الثمن على كثيرين، حيث يمكن للأشخاص الراغبين في الحصول على ما ينقصهم من كتب ومحاضرات اقتناؤها.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة