صدرت #الأزمة_المالية_التونسية تداعياتها السلبية إلى قطاع الصحة في البلاد، خصوصاً قطاع #الأدوية، بعد أن شهدت الأسواق نقصاً حاداً في عدد من أصناف الأدوية، كنتيجة مباشرة لتراكم #المديونية على المؤسسات الصحية التي تحمل على عاتقها استيراد المنتجات الدوائية من الخارج وتوزيعها بالداخل.
أزمة الديون
أزمة الأدوية التونسية تأتي انعكاساً مباشراً لارتفاع أسعار المنتجات والمواد الخام المستوردة أو ارتفاع كلفة التصنيع المحلي مع ارتفاع أسعار المواد الأولية، وهو ما ظهر جلياً في اختفاء بعض الأصناف الدوائية المصنعة محلياً التي عزفت بعض الشركات المتخصصة عن إنتاجها مع ارتفاع الكلفة، إلى جانب ندرة بعض المنتجات المستوردة من الخارج.
أزمة الدواء في تونس لا ترتبط بالاستيراد من الخارج فحسب، بل ترتبط كذلك بأزمة الديون التي تعانيها المؤسسات الصحية العامة، وعلى رأسها المستشفيات والصناديق الاجتماعية، وهو ما شكل أزمة عجزت الحكومات المتعاقبة عن إيجاد حلول لها حتى تفاقمت مع نقص السيولة وتراجع قيمة الدينار التونسي مقابل العملات الأجنبية، هذا إلى جانب عمليات تهريب الأدوية إلى الدول المجاورة، ما طرح إشكاليات جديدة تتعلق بإمكانية مراجعة أساليب دعم المرضى للقضاء على هذه الظاهرة المنهكة للمالية العمومية وميزان المدفوعات بحكم ارتباطها بميزانية الدعم.
تأمين المخزون الاستراتيجي
في تلك الأثناء، حاولت الحكومة التونسية التخفيف من حدة الأزمة ونقص الأدوية، خصوصاً المرتبطة منها بعلاج الأمراض المزمنة والمسكنات والمضادات الحيوية، إذ قال وزير الصحة التونسي، علي المرابط، الثلاثاء الماضي، إن "وزارته تعطي أولوية للعمل على انتظام إمداد السوق المحلية بالأدوية وتفادي النقص الحاصل خصوصاً في أدوية الأمراض المزمنة وتعويضها بأدوية مثيلة أو بديلة وتأمين المخزون الاستراتيجي من المنتجات الحيوية"، قائلاً إنه "يتم النظر في الصعوبات الحالية والعمل على تلافيها"، مشيراً إلى أن "تفعيل الوكالة الوطنية للدواء يهدف إلى التمكن من تحسين منظومة الدواء الوطنية خصوصاً في ما يتعلق بتسهيل إجراءات تسجيل الأدوية الجديدة وترويجها".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في وقت سابق من الشهر الحالي، أعلن الوزير التونسي، عن موافقة مجلس الوزراء على مشروع مرسوم (قانون) لتأسيس الوكالة الوطنية للدواء ومواد الصحة، معتبراً إياها مكسباً كبيراً لقطاع الصحة في تونس"، مشيراً إلى أنها "من أولويات الاستراتيجية الوطنية للأدوية ومن المنتظر أن توحد الوكالة عمل كل المتدخلين في قطاع الدواء وتسهيل عمل المستثمرين في القطاع بالتقليص في الآجال الإدارية لدى المصنعين"، لافتاً إلى أنها "ستساعد أيضاً على تطوير التعاون الدولي في قطاع الأدوية ورفع التصنيف التونسي مع الهيئات الدولية المتخصصة".
الديون وصلت إلى 228 مليون دولار
يشار إلى أن الحكومة التونسية تسند عمليات توزيع الأدوية إلى الصيدلية المركزية (عامة) وهي مؤسسة رسمية تمر بأزمة مالية نتيجة عجز الصناديق الاجتماعية "العامة" عن سداد مستحقاتها لديهم مثل الصندوق الوطني للتأمين على المرضى الذي يعاني بالتبعية من تخلف كل من الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي عن سداد مستحقاته لديهم، وهو مما تسبب في تشابك المديونيات وتعقدها بين الجهات المختلفة.
إلى ذلك، أصبحت صيدليات المستشفيات الحكومية عاجزة عن توفير جميع حاجات المرضى، مما أسهم في تفاقم وتراكم ديون الصيدلية المركزية وعدم قدرتها على سداد مستحقات الشركات العالمية وهو مما أدى إلى اضطراب في ضخ الأدوية في السوق المحلية.
في المقابل، نفى المدير العام للصيدلية المركزية بشير اليرماني، دخول الصيدلية في عمليات إفلاس، قائلاً إن "تواجه شح في السيولة فحسب، بسبب تراكم مستحقاتها المالية لدى الصندوق الوطني للتأمين على المرض عمومي وكذلك لدى المؤسسات الصحية"، مضيفاً أن "إجمالي مستحقات الصيدلية المركزية لدى الصندوق والمؤسسات الصحية يصل إلى نحو 1.2 مليار دينار (390 مليون دولار)، بينما تبلغ إجمالي مستحقات الصيدلية غير المستخلصة لدى صندوق الوطني للتأمين على المرض ومصحات الضمان الاجتماعي نحو 467 مليون دينار (152.1 مليون دولار)، في حين تبلغ إجمالي مستحقات الصيدلية المركزية لدى المستشفيات العمومية إلى 741 مليون دينار (241.3 مليون دولار)، هذا إضافة إلى 41 مليون دينار (13.35 مليون دولار) غير مستخلصة لدى بعض حرفاء الصيدلية، مضيفاً أن "استخلاص تلك الديون من شأنه أن ينعش خزانة الصيدلية المركزية ويجعلها قادرة على خلاص ديونها المتراكمة لدى المخابر الأجنبية وقدرها نحو 700 مليون دينار (228 مليون دولار)"، لكن عاد ليؤكد أن "الصيدلية ملتزمة باستخلاص أجزاء من ديونها تجاه المخابر باعتبار أن لديها مداخيل شهرية تتراوح بين 90 مليون دينار (29.3 مليون دولار) و120 مليون دينار (39 مليون دولار)"، مشيراً إلى أن "مستحقات صندوق التأمين على المرض بدوره لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ارتفعت إلى أكثر من خمسة مليارات دينار (1.62 مليار دولار)".
وأكد اليرماني أنه "تم التأكيد خلال جلسة عمل بوزارة المالية على ضرورة تحويل صندوق التأمين على المرض جزء من المستحقات يعادل 35 مليون دينار (11.4 مليون دولار) شهرياً لصالح الصيدلية المركزية حتى تتمكن من استخلاص ديون المخابر "الشركات" العالمية.
في غضون ذلك، طالبت المخابر (الشركات) العالمية الحكومة التونسية بوضع رؤية واضحة مبنية على مواعيد سداد ديونها من الصيدلية المركزية للاستمرار في ضخ منت وفي انتظار ذلك فإنها لن تؤمن غير الأدوية بمقدار الأموال التي ستحول إلى حساباتها.
يشار إلى أن حجم الدعم المخصص للأدوية من قبل الصيدلية المركزية يصل إلى 200 مليون دينار (65.1 مليون دولار).
من جهته أكد مدير عام الضمان الاجتماعي بوزارة الشؤون الاجتماعية نادر العجابي أن "ديون الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية لدى الغير بلغت 6.5 مليار دينار (2.11 مليار دولار) منها خمسة مليارات دينار (1.62 مليار دولار) لدى القطاع الخاص، قائلاً "ذلك القطاع لا يفي بتعهداته".
التهريب وأزمة السيولة
من جانبه، حذر عضو الجامعة العامة للصحة بالاتحاد العام التونسي للشغل (المركزية النقابية) هشام البوغانمي، من أزمات وعقبات مختلفة تسببت في ندرة الأدوية، قائلاً إنها "تتجاوز أزمة السيولة لدى الصناديق الاجتماعية ومديونيتها وديون الصيدلية المركزية لدى المخابر إلى الضائقة المالية التي تمر بها المؤسسات التونسية المصنعة للأدوية بسبب ارتفاع أسعار المواد الأولية بتخليها علن تصنيع عدد من الأدوية على خلفية العجز على تغطية كلفة الإنتاج ما خلف نقصاً فادحاً.
وأشار إلى أن "الأزمة المتفاقمة التي تنخر الصحة العمومية في تونس هي تهريب الأدوية إلى البلدان المجاورة"، موضحاً أن "منظومة الأدوية في تونس ضحية جرائم عصابات التهريب المكونة من المسيطرين على مسالك التوزيع بالجملة والتجزئة على حد السواء في ظل عجز سلطة الإشراف من قبل وزارة الصحة على السيطرة على مسالك توزيع الأدوية بعد خروجها من مخازن الصيدلية المركزية"، مؤكداً "توافر إثباتات ومحاضر رسمية لدى الجمارك التونسية تدين تورط عدد من موزعي الأدوية بالجملة وبعض الصيدليات الخاصة في تهريب الأدوية إلى الجزائر وليبيا وبلدان أفريقيا جنوب الصحراء وتشمل هذه الجرائم الأدوية المصنعة محلياً والمستوردة".
ولفت البوغانمي، أن "أبرز دوافع تفشي جرائم تهريب الأدوية هو انخفاض أسعارها مقارنة مع البلدان المذكورة بحكم الدعم الممنوح لها"، معتبراً أن ضعف العقوبات تجاه المتورطين في تلك الجرائم قد يكون عاملاً مساهماً في زيادتها"، إذ تقتصر العقوبات على خطايا مالية أو غلق الصيدليات المدانة لمدة زمنية محدودة"، داعياً الجهات الرقابية إلى سحب ترخيص مزاولة المهنة للضرب على أيدي هؤلاء ومقاومة هذه الجريمة التي أدت إلى تجفيف السوق من عديد من الأدوية.
إعادة النظر في منظومة الدعم
وطالب عضو الجامعة العامة للصحة بالاتحاد العام التونسي للشغل، بتدشين استراتيجية لإنقاذ قطاع الأدوية الحيوي وتشديد الرقابة على مسالك التوزيع وتغيير القوانين المنظمة لتصنيع الأدوية المثيلة، مع تمكين المصنعين من التصدير للحد من ظاهرة التهريب، إذ إن التصدير متوقف في الوقت الحالي، كما أكد ضرورة إعادة النظر في منظومة الدعم التي خلقت دوافع إضافية للتهريب ومراجعة أساليب دعم المرضى من دون اللجوء إلى تخفيض الأسعار.