حصد فيديو مدته 30 ثانية انتشاراً واسعاً على صفحات #التواصل_الاجتماعي في #بريطانيا ابتداء من يوم السابع من فبراير (شباط) الجاري. ويظهر في المقطع رجل قال إنه في الـ25 من عمره، وهو يسأل تلميذة عن رقم هاتفها. وقد ردت الفتاة عليه بالقول "إن عمري هو 15 سنة فقط... لا يحق لك أن تقوم بذلك في هذه البلاد، لأن الأمر قد ينتهي بك في #السجن".
سريعاً، التقط ناشطون يمينيون متطرفون هذا المقطع، وقاموا بتناقله زاعمين أن الرجل هو أحد طالبي اللجوء الراهنين في البلاد، وأن اللاجئين يشكلون ما سموه تهديداً جنسياً للنساء البيض.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أحد الأفراد الذي لديه قرابة 23 ألف متابع على تطبيق "تيليغرام"، شارك الفيديو مع تعليق مكتوب قال فيه: "إن فنادق البلاد تغص بطريقة التفكير إياها لحثالة العالم الثالث".
ومن بين ما تم نشره في هذا الإطار، كتب أحد المتعصبين للعرق الأبيض إلى أكثر من 16 ألف متابع لحسابه عبر تطبيق "تيليغرام" أن الرجل الذي "طلب من الفتاة أن ترافقه" هو "مهاجر"، مضيفاً أن "أشخاصاً مثله يتم إرسالهم للمكوث في بلدات ومدن في مختلف أنحاء المملكة المتحدة".
الشرطة البريطانية لم تؤكد من جانبها ما إذا كان الرجل الذي يظهر في الفيديو هو طالب لجوء، أو ما إذا كان يعيش في مقاطعة ميرسيسايد شمال غربي إنجلترا. وأشارت إلى أن المخاوف التي سادت على المستوى المحلي، ساهمت في تغذيتها "معلومات خاطئة وإشاعات متناقلة".
لكن الأحداث التي عقبت توزيع مقطع الفيديو، توجت بصدام حشد غاضب مع الشرطة خارج فندق في ضاحية نوسلي يأوي مهاجرين.
ألعاب نارية مشتعلة تم إلقاؤها على ضباط الشرطة، كما تم تحطيم حافلة تابعة للشرطة بمطرقات قبل إشعال النار فيها، في مشاهد عنيفة أثارت إدانة وزيرة الداخلية سويلا برافرمان.
وفي الوقت الذي تقوم فيه السلطات الأمنية بالتحقيق في الاضطرابات، أجرت "اندبندنت" تحقيقاً في الأسباب التي أدت إلى تفاقم أعمال الشغب واندلاعها بعد ثلاثة أشهر من هجوم إرهابي نفذه اليمين المتطرف استهدف مركز معالجة طلبات المهاجرين في مدينة دوفر جنوب شرقي إنجلترا.
في غضون ذلك، شكلت عمليات عبور القوارب الصغيرة للقنال الإنجليزي حاملة على متنها لاجئون إلى المملكة المتحدة، محط اهتمام جماعات متطرفة، بحيث يعمل فريق من القوميين على البحث عن الفنادق التي تأوي طالبي اللجوء بانتظام منذ عام 2020، وتصويرها.
حزب "بريطانيا أولاً" Britain First (يميني متطرف مناهض لهجرة المسلمين إلى بريطانيا) كان أول جهة تنشر صور فندق "ذا سويتس هوتيل" The Suites Hotel في نوسلي، وذلك في الـ23 من يناير (كانون الثاني). وقد قامت المجموعة بنشر مقطع الفيديو على "تيليغرام" وقنوات التواصل الاجتماعي الأخرى، زاعمة أن الفندق "يغص برجال مهاجرين غير شرعيين هم في سن العمل".
ثم في الرابع من فبراير (شباط) الجاري، قامت مجموعة قومية أخرى تدعى "البديل الوطني" Patriotic Alternative (يمينية متطرفة توصف بأنها عنصرية ومعادية للإسلام) بحركة مماثلة، ونظمت احتجاجاً خارج الفندق مع لافتة كتب عليها: "أوروبا هي أرض تخص الأوروبيين".
ونشر أحدهم على "تيليغرام" أن أعضاء المجموعة علقوا بعد ذلك أكثر من 200 ملصق في المنطقة المحلية، مزخرفة بأحرف كبيرة تقول: "فنادق خمس نجوم للمهاجرين فيما يتجمد البريطانيون من البرد".
وكان قد شاع في المنطقة منذ مدة أن فندق "سويتس هوتيل" مخصص لإسكان طالبي اللجوء، وظهر على وسائل التواصل الاجتماعي ضمن قوائم الفنادق التي تستخدمها وزارة الداخلية البريطانية. وقد برزت من بين الحسابات التي أتت على ذكره، صفحة على "فيسبوك" تضم أكثر من 10 آلاف عضو، تحمل اسم: "الفنادق تؤوي غير الشرعيين" Hotels Housing Illegals.
لكن الغضب تأجج بعد ربط ذلك الفندق - من دون أي دليل - بلقطات الفتاة المراهقة التي تعرضت للتحرش. ومع مواصلة الفيديو انتشاره على شبكات اليمين المتطرف وما بين السكان المحليين المهتمين بالموضوع، تحدثت صحيفة محلية عن أن الشرطة تجري تحقيقاً في الفيديو. وجاء في مقالة نشرت صباح الثامن من فبراير (شباط) أن الشرطة "ما زالت تجري تدقيقات لمعرفة ملابسات" الحادثة في بلدة كيركبي، وتنوي التحدث مع الفتاة التي صورت الفيديو.
وعندما تم نشر القصة على صفحة الصحيفة على "فيسبوك"، انهالت مئات التعليقات عليها، بما في ذلك عشرات التي ألمحت إلى فندق "سويتس هوتيل".
وزعمت إحدى النساء أنها رأت الرجل المعني "يسير عائداً إلى هناك"، بينما ادعت أخرى إنها رأته قائلة: "شاهدته بعيني... إنه هو بالتأكيد 100 في المئة".
وأكد عدد من المعلقين على الخبر، أنهم يرفضون بقاء طالبي اللجوء في الفندق المذكور، وكتبوا: "إن فرداً واحداً هو رقم كبير بالنسبة إلي، إنهم أشخاص مريعون"، و"نريدهم أن يغادروا البلاد".
وفي وقت لاحق من بعد ظهر ذلك اليوم، بدأت تنتشر بين السكان المحليين والجماعات اليمينية المتطرفة دعوات للناس إلى المشاركة في احتجاج خارج الفندق في الساعة الثامنة مساء من يوم العاشر من فبراير (شباط).
وجرى تضخيم أخبار التظاهرة من خلال صفحة "الفنادق تؤوي غير الشرعيين" على "فيسبوك" مساء الأربعاء، وانتشرت عبر شبكات التواصل الاجتماعي ومجموعات "واتساب".
لكن مناهضين للفاشية دعوا من جهتهم إلى تنظيم احتجاج مضاد في الوقت نفسه، ونفذت الشرطة اعتباراً من السادسة والنصف مساء انتشاراً لعناصرها في مكان التجمع، للفصل بين المجموعتين.
وقال رجل شارك في الاحتجاج الذي كان سلمياً في البداية، لوكالة "برس أسوشييشن" PA إنه شاهد للمرة الأولى الادعاءات "على ’تيك توك‘ وعلى الإنترنت". وقال آلان مارسدن البالغ من العمر 59 سنة، إن النساء والأطفال شكلوا في البداية جزءاً كبيراً من المحتشدين، لكن طابع الحدث تغير عندما "ظهر يافعون وهم يضعون أقنعة وأغطية على وجوههم".
وأكدت شرطة ميرسيسايد أن "عدداً من الأفراد الذين لم يكونوا جزءاً ضمن مجموعة الاحتجاج الأساسية" وصلوا بعد بدء المظاهرة. وقالت: "جاؤوا مسلحين بمطارق ومفرقعات نارية لإحداث أكبر مقدار ممكن من المتاعب، وكان من الممكن أن تؤدي تصرفاتهم إلى إصابة أفراد من الناس وعناصر الشرطة بجروح خطرة، أو بما هو أسوأ".
وشهدت الساعات التالية رمي مقذوفات نارية، بما فيها مفرقعات نارية مشتعلة، على الشرطة، وجرى تحطيم حافلة صغيرة تابعة للشرطة وإضرام النار فيها.
وقد أمكن سماع الحشد وهو يهتف مندداً "بمرتكبي جرائم الجنس ضد القاصرين" ومتهماً الشرطة بحماية المنحرفين المتحرشين بالأطفال، في إشارة إلى مقطع فيديو الفتاة البالغة من العمر 15 سنة، إضافة إلى ترداد شعارات عنصرية ومناهضة للاجئين.
قامت الشرطة باعتقال 13 رجلاً وفتى وامرأتين، تتفاوت أعمارهم ما بين 13 و54 سنة، للاشتباه في ضلوعهم بافتعال اضطرابات عنيفة. وتم حتى الآن توجيه الاتهام إلى شخص واحد.
سيرينا كينيدي قائدة شرطة ميرسيسايد قالت: "علمنا أنه قبل أحداث الليلة الماضية، سرت إشاعات ومعلومات خاطئة، تم تداولها على وسائل التواصل الاجتماعي في أعقاب حادثة وقعت في وقت سابق من الأسبوع".
وأضافت: "إنني أدرك المخاطر التي تحدثها الإشاعات والتكهنات، وأريد أن أطمئن الناس إلى أننا على علم بحادثة وقعت في مطلع الأسبوع، وأن التحقيق في شأنها لا يزال مستمراً".
وأوضحت الشرطة إنها لم تتعرف بعد على الفتاة المراهقة في الفيديو، وأفادت بأنه على رغم اعتقال رجل في العشرينيات من عمره في التاسع من فبراير (شباط)، إلا أنه كان "في ناحية أخرى من البلاد" ولم يكن يعيش في فندق "سويتس هوتيل".
وذكرت أنه تم التحقيق معه في جريمة تتعلق بالنظام العام، الذي يمكن أن تشمل سلوكاً مهدداً، لكن "دائرة الادعاء الملكية" Crown Prosecution Service (النيابة العامة) لم توجه أي اتهام له، وتم الإفراج عنه من دون اتخاذ أي تدبير آخر.
كارل بالدوين، كبير ضباط الشرطة، أشار إلى أن كثيراً من القلق الذي ساد في المجتمع المحلي، كان "مبنياً على معلومات مضللة وإشاعات". وأضاف أن "المتورطين في أعمال الشغب يوم الجمعة استخدموا الإشاعات ذريعة لارتكاب أعمال عنف وترهيب أفراد من الناس".
ولفت إلى أن "الحادثة المشبوهة التي وقعت الأسبوع الماضي في كيركبي، شأنها شأن جميع الادعاءات، هي قيد التحقيق من جانب المحققين، ونحن نشجع دائماً أي شخص لديه معلومات عن الجريمة المشتبه بها في منطقته، على التقدم مباشرة إلى الشرطة، أو بشكل مستتر عبر مؤسسة "كرايم ستوبرز" Crimestoppers (جمعية خيرية تمنح الناس القدرة على التحدث لمنع الجريمة، من دون الكشف عن هويتهم).
ونبه إلى أن "نشر إشاعات على وسائل التواصل الاجتماعي ومشاركتها، ليس سبيلاً لإثارة قضية ما للشرطة، لأن ذلك قد يعرض أي تحقيق أو أبرياء للخطر".
يشار أخيراً إلى أنه تم إصدار أمر بعدم التجمع لمدة يومين حول الفندق، من أجل السماح للشرطة بمنع نشوء أي فوضى أو اضطرابات أخرى، لكن المزاعم في شأن وجود رجال مقيمين في فندق "سويتس أوتيل" ما زالت منتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي.
© The Independent