فيما تتصاعد حدّة الهجمات المتبادلة بين الديمقراطيين والرئيس الأميركي، على وقع تغريداته، التي وصفت بـ"العنصرية"، ضد نائبات ديمقراطيات من أصول غير أميركية، تتأرجح نسب التأييد لدونالد ترمب بشأن نوايا التصويت في الانتخابات الرئاسية المقبلة، والمقررة 2020، وفق ما تظهره استطلاعات رأي حديثة.
وخلال الساعات الأخيرة، تبادل ترمب من جانب، والديمقراطيون من جانب آخر، الاتهامات، وذلك في وقت اعتبر فيه البعض أن الرئيس الأميركي يراهن أكثر من أي وقت مضى على تعبئة الناخبين البيض، بينما اعتبر آخرون أنها محاولة منه لتحويل الانتباه لتفادي المسائل التي تهمّ فعلا المواطنين الأميركيين.
هجوم جديد
خلال تجمع انتخابي في غرينفيل بولاية كارولاينا الشمالية، الخميس، واصل ترمب هجماته على الديموقراطيين الذين "يكرهون" أميركا غداة انتقاد الكونغرس لتغريداته "العنصرية"، وذلك بعد ساعات على رفض مجلس النواب مذكرة تدعو لإطلاق إجراءات لعزله.
وقال ترمب "هذه الأيديولوجيات اليسارية (...) تريد تدمير دستورنا والقضاء على القيم التي قامت على أساسها أمتنا الرائعة"، وأضاف "اليوم نجدّد تصميمنا ونرفض أن تصبح أميركا بلدا اشتراكيا".
وأمام مناصريه، ذكر ترمب مجددا النائبات الديموقراطيات الأربع المتحدّرات من أقليات، ونصحهن بـ"العودة" من حيث أتين. وقال ترمب "لديّ اقتراح الليلة للمتطرفات اللائي تملؤهن الكراهية ويحاولن باستمرار تمزيق بلدنا. ليس لديهن أي كلام طيّب ليقلنه. لذلك أقول: إذا لم يكن الأمر يعجبهن، فدعوهن يغادرن. دعوهن يغادرن".
وعندما ذكر ترمب إلهان عمر، إحدى أول مسلمتين انتخبتا في الكونغرس، والتي أثارت جدلا بسبب تعليقاتها حول إسرائيل واعتبرها عدد من النواب معادية للسامية، ردّد الجمهور "اطردوها!".
كما كان ترمب شديد السخرية خصوصا بشأن ألكسندريا أوكازيو-كورتيز، النائبة عن نيويورك، رغم مهاجمته النائبات الأربع ووصفهن بأنهن "نائبات شريرات اشتراكيات". وقال ترمب "ليس لديّ الوقت لذكر اسمها الكامل سنسميها كورتيز".
وكانت كورتيز أثارت جدلا منتصف يونيو (حزيران) الماضي عندما شبّهت مراكز تجميع المهاجرين على الحدود جنوب الولايات المتحدة بـ"معسكرات اعتقال".
وكان ترمب قد قال في تغريدات في مطلع الأسبوع إن على النائبات التقدميات الأربع اللاتي يعرفن باسم (الفريق)، وهن إلهان عمر (من أصل صومالي عن مينيسوتا)، وألكسندريا أوكاسيو-كورتيز (عن نيويورك)، ورشيدة طليب (من أصل فلسطيني عن ميتشيغان)، وأيانا بريسلي (عن ماساتشوستس)، "العودة" إلى بلادهن التي وُلدن بها، رغم أنهن أميركيات وولد ثلاث منهن في الولايات المتحدة، وقال ترمب "إنهن يتسببن في مشكلات".
والثلاثاء الماضي، صوّت مجلس النواب الأميركي الذي يهيمن عليه الديمقراطيون لصالح إدانة تصريحات ترمب رسميا، واعتبار أنها تتسم بالتمييز العنصري. وصوّت جمهوريون أيضا بالتأييد.
مجازفة أم رهان من قبل الرئيس؟
وإن كان يثير حماسة قاعدته الانتخابية، يرى مراقبون أن الرئيس يجازف بتأجيج التوترات العرقية والأيديولوجية من خلال تشجيع الانقسامات في البلاد بشكل أكثر من أي وقت مضى، لتعبئة الناخبين البيض. وبحسب النائبات الديموقراطيات الأربع في تصريحات لقناة "أس بي سي"، فإن ذلك أولا مناورة سياسية لترمب. وقالت أيانا بريسلي "إنها طريقة لتحويل الانتباه لتفادي المسائل التي تهم فعلا الأميركيين".
وترامب (73 عاما) الذي سيترشح في نوفمبر (تشرين الثاني) 2020 لولاية رئاسية ثانية من أربع سنوات، أعرب الأربعاء خلال تجمع انتخابي عن ارتياحه لفشل الكونغرس في تمرير مذكرة دعت إلى إطلاق إجراءات لإقالته.
ورفض مجلس النواب الذي يسيطر عليه الديموقراطيون هذه المذكرة، مما يبرز انقسام المعارضة حول هذه القضية. ورحّب ترمب بهذه الخطوة واصفا إياها بـ"مشروع سخيف جدا".
وصوّت أربعة نواب جمهوريين لصالح المذكرة التي قدمتها الغالبية الديموقراطية. وأدلى ميتش ماكونيل، زعيم الغالبية الجمهورية في مجلس الشيوخ، بتصريح عام قائلا "لدينا جميعا مسؤوليات (...) تصريحاتنا مهمة". وقال ردا على سؤال بهذا الشأن إنه لا يعتبر الرئيس "عنصريا".
شعبية حائرة في استطلاعات الرأي
وبعد تصريحات ترمب المثيرة للجدل عن العنصرية، تأرجحت نسب التأييد بشأن نوايا التصويت لدى المواطنين الأميركيين، بحسب ما أظهرته استطلاعات الرأي الأخيرة.
وكشف استطلاع للرأي أجرته "رويترز" بالتعاون مع مؤسسة "إيبسوس"، أن تغريدات ترمب "العنصرية" لم تؤثر على شعبية الرئيس في صفوف الناخبين الجمهوريين، بل زادت بخمس نقاط إلى 72%، مقارنة مع الأسبوع الماضي حيث بقيت شعبيته مستقرة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في المقابل، أظهر استطلاع للرأي أجرته صحيفة "يو إس إيه توداي" الأميركية، انتقاد غالبية الأميركيين للرئيس جراء تغريداته، معتبرين أن تلك التغريدات لا تعبر عن طبيعة الأميركيين.
ووفقا لنتائج الاستطلاع، فإن أغلب الجمهوريين ممن تم استطلاع آرائهم أبدوا موافقتهم على تعليقات ترمب، وهو ما اُعتبر انقسام حاد بين أنصار الحزبين الرئيسين حول قضية الانتماء والتوجهات العنصرية إزاء الأعراق والهجرة.
ووصف أكثر من ثلثي المشاركين في استطلاع (بنسبة 68%) تغريدات ترمب بأنها تمثل إهانة، لكن 57% من الجمهوريين اتفقوا مع دعوة ترمب لهن بالعودة لبلادهن الأصلية، رغم أن ثلاثا منهن وُلدن بالولايات المتحدة.
إلى ذلك، أظهر استطلاع آخر للرأي قبل يومين، أجرته شبكة "إن بي سي نيوز" وصحيفة "وول ستريت جورنال"، تقدم ثلاثة ديمقراطيين يطمحون للرئاسة لعام 2020، على الرئيس ترمب.
وبحسب الاستطلاع، فإن ترمب حلّ بعد كل من جو بايدن، والسيناتور بيرني ساندرز، والسيناتور إليزابيث وارن. وجاء بايدن، نائب الرئيس السابق، في الصدارة بنسبة 51% مقابل 42% لترمب، فيما حصل ساندرز على تأييد بنسبة 50% مقابل 43% لترمب ، كما حصل وارن على 48% مقابل 43% لترمب. كما بلغت نسبة تأييد ترمب بين الذين شملهم الاستطلاع 45% مقابل 52% ممن أبدوا عدم تأييدهم.
وكان ملف الهجرة أحد العناوين الرئيسة لحملة ترمب الانتخابية في 2016، حيث لاقت أفكاره رواجا في صفوف أنصاره. وبحسب تحقيق لمركز "بيو" للأبحاث نشر الأربعاء، وجد 57% من الجمهوريين أن "الأميركيين قد يخسرون هويتهم كاملة إذا بقيت البلاد مفتوحة كثيرا للمهاجرين".
وخلال نحو عامين ونصف من حكمه، تجلت سياسات ترمب المتشددة تجاه المهاجرين، جاء أبرزها ذلك الأمر التنفيذي الذي أصدره ترمب في أيامه الأولى من حكم البيت الأبيض، بحظر دخول مواطني دول إسلامية عدة.
وكانت أكثر سياسات ترمب المثيرة للجدل في الولايات المتحدة والعالم، تلك التي انتهجها في أواخر 2018، والقاضية بفصل أطفال المهاجرين عن ذويهم، إذ قررت الإدارة الأميركية فصل أكثر من 2600 طفل عن ذويهم من المهاجرين غير الشرعيين ووضعهم في مراكز احتجاز منفصلة.
ووفق إحصاءات أجرتها صحيفة "واشنطن بوست"، بالتعاون مع مركز الإحصاءات الفيدرالي الأميركي، زادت نسبة الترحيلات السنوية لمن دخلوا الولايات المتحدة بشكل غير قانوني من 303.916 حالة ترحيل إلى 408.870 حالة خلال العام الأول لترمب، كما انخفضت نسبة قبول اللاجئين إلى الولايات المتحدة من 84.995 حالة إلى 53.716 حالة فقط.