حقق الاقتصاد التونسي معدل نمو ضئيل في عام 2022، مسجلاً 2.4 في المئة متراجعاً عن معدل نمو 4.3 في المئة في عام 2021، بعدما أظهرت بيانات المعهد الوطني للإحصاء(حكومي) استمرار التراجع وتدني المؤشرات وتخبط البلاد في أزماتها الاقتصادية، إذ إن معدل النمو في الربع الأخير من عام 2022 بلغ 1.6 في المئة، وهو المعدل الهش الذي لم يوفر فرص عمل جديدة وبالطبع لم يخرج الموازنة التونسية من عثرتها المالية.
كانت بيانات البنك الدولي، أوضحت في وقت سابق أن الاقتصاد التونسي انكمش بنسبة 8.6 في المئة في 2020، بعد أن كان قد سجل نمواً متواضعاً في 2019 عند 1.5 في المئة
في غضون ذلك، تشهد تونس أزمة اقتصادية حادة فاقمتها تداعيات تفشي جائحة كورونا، وارتفاع كلفة استيراد الطاقة والمواد الأساسية، إثر الهجوم الروسي على أوكرانيا في فبراير(شباط) 2022، وهو ما أرهق موازنة الدعم ودفع أسعار السلع الأساسية إلى الارتفاع بشكل غير مسبوق، في ظل ارتفاع مؤشرات التضخم في يناير (كانون الثاني) الماضي إلى نحو 10.2 في المئة.
الحكومة تحتاج إلى أربعة مليارات دولار
يأتي ذلك في الوقت الذي تطمح فيه الحكومة التونسية لجمع أكثر من أربعة مليارات دولار كموارد مالية لموازنة العام الحالي، تزامناً مع ترقب تنفيذ برنامج إصلاح اقتصادي مع صندوق النقد الدولي تحصل بمقتضاه تونس على تمويل جديد.
وتطمح تونس إلى تحقيق معدل نمو يصل إلى 1.8 في المئة خلال العام الحالي، وسط توقعات مؤسسات مالية دولية، تشير إلى عدم قدرة الحكومة التونسية لتحقيق هذا المستهدف في ظل الصعوبات الهيكلية والحالية التي يمر بها الاقتصاد.
وأشار المعهد الوطني للإحصاء، إلى أن "حجم الناتج المحلي خلال الربع الأخير (الثلاثي الرابع) لسنة 2022، لم يدرك بعد مستواه المسجل في نهاية سنة 2019 قبل الجائحة العالمية" ولفت أن "النشاط الاقتصادي خلال الربع الأخير من 2022، سجل نمواً في حجم الناتج المحلي الإجمالي بنسبة بلغت 1.6 في المئة، مقارنة مع نفس الفترة من عام 2021".
تراجع قطاع استخراج النفط والغاز الطبيعي
وتابع أنه "بحساب التغيرات ربع السنوية أي مقارنة مع الربع الثالث من سنة 2022، فقد ارتفع حجم الناتج المحلي الإجمالي المعالج من تأثير التغيرات الموسمية بنسبة 0.5 في المئة"، مضيفاً أن "معدل القيمة المضافة لقطاع الصناعات المعملية تطور بنسبة 6.6 في المئة خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من سنة 2021، بينما تراجع معدل القيمة المضافة في قطاع الطاقة والمناجم بنحو 9.8 في المئة مقارنة مع الفترة ذاتها من 2021".
وأرجع معهد الإحصاء هذا التراجع إلى تقلص الإنتاج في قطاع استخراج النفط والغاز الطبيعي بنسبة 10.5 في المئة من جانب، وتدني وتيرة النمو في قطاع المناجم إلى مستوى 24.2 في المئة من جانب آخر".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كما سجل معدل نمو النشاط الاقتصادي في قطاع الخدمات تباطؤاً نسبياً، إذ ارتفع معدل القيمة المضافة بحوالى 2.6 في المئة خلال الربع الرابع لسنة 2022 بحساب الانزلاق السنوي، مقارنة مع نسب نمو أعلى خلال الثلاثة أرباع السابقة من سنة 2022 التي حققت معدل نمو 3 و3.8 و4.2 في المئة على التوالي، ويعزى هذا النمو المسجل في قطاع الخدمات بالأساس إلى ارتفاع القيمة المضافة في قطاع النزل والمطاعم والمقاهي بنسبة 20.3 في المئة.
على صعيد آخر، سجلت القيمة المضافة لقطاع الفلاحة والصيد البحري خلال الفترة ذاتها نمواً بنسبة 2.1 في المئة بحساب الانزلاق السنوي (الناتج المحلي الإجمالي) بينما أفضت التقديرات إلى تسجيل نمو سنوي سلبي من جديد، في قطاع البناء والتشييد، قدر بـ12 في المئة خلال الربع الرابع من سنة 2022.
واعتبر المتخصصون والمحللون أن تراجع معدلات النمو في الربع الأخير من عام 2022، يعد "تراجعاً حاداً"، إذ قال أستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية، رضا الشكندالي، إن "الأرقام الأخيرة لمعدلات النمو الاقتصادي والبطالة لسنة 2022 المنشورة من طرف المعهد الوطني للإحصاء، تشير إلى أن النمو الاقتصادي التونسي يتراجع بنقطة مقارنة مع السنة الماضية 2.4 في المئة مقابل 4.3 في المئة"، مضيفاً أن "هذا التراجع كان حاداً في الربع الأخير من سنة 2022 وهي الفترة الأضعف من حيث نسبة النمو الاقتصادي إذ بلغ 1.6 في المئة".
تراجع حاد
وأضاف أن "هذا التراجع في النمو الاقتصادي كان مصحوباً بارتفاع معدلات التضخم المالي، خصوصاً في قطاع المواد الغذائية الأساسية التي وصلت معدلات التضخم فيها إلى 20 في المئة"، مرجعاً ذلك إلى اختلال التوازنات المالية الداخلية في موازنة الدولة من حيث حجم الفجوة المالية والتوازنات الخارجية من حيث الحجم القياسي والتاريخي للعجز التجاري.
وأشار الشكندالي إلى أنه "عادة عندما يتراجع معدل النمو الاقتصادي تتفاقم البطالة"، مستدركاً "لكن نسبة البطالة انخفضت هي الأخرى بنقطة من 16.2 في المئة في نهاية 2021 إلى 15.2 في المئة مع أواخر 2022"، لافتاً إلى أنه "عندما يتراجع معدل النمو ويرتفع التضخم المالي تتراجع القدرة الشرائية للمواطن التونسي، في تلك اللحظة يبدأ بالتفكير في الهجرة حتى يحسن معيشته اليومية وهذا يؤدي الى توجه طلبات الشغل من الداخل إلى الخارج وينعكس على معدلات الهجرة المنظمة وغير المنظمة، وهو ما نلاحظه حالياً في تونس".
أسلوب إدارة الاقتصاد لم يتغير
ولاحظ الشكندالي أن "بطالة أصحاب الشهادات العليا ارتفعت من 22.7 في المئة سنة 2021 إلى 24 في المئة سنة 2022"، مؤكداً "هذا دليل قاطع أن أسلوب إدارة الاقتصاد المعتمد لم يتغير بعد وهو لا يزال يعتمد على اليد العاملة الرخيصة".
وقال أستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية، إن "الاقتصاد التونسي يعتمد على قطاع المقاولات والتعمير كطاقة تشغيليةـ، بينما يعتمد قطاع المناجم في تدبير العملات الأجنبية (الصعبة)"، مضيفاً أن "كلا القطاعين شهدا تراجعاً أخيراً، إذ إن قطاع المقاولات والتعمير تراجع بنسبة 9.9 في المئة، في الوقت الذي تقهقر قطاع المناجم بنسبة 24.2 في المئة في وقت شهدت الأسعار العالمية للفوسفات، وخصوصاً الأسمدة ارتفاعاً كبيراً، الذي كان يدر على خزينة البنك المركزي التونسي أموالاً طائلة من العملة الصعبة"، قائلاً "كان من المفروض أن تجنب البلاد عناء التعامل مع صندوق النقد الدولي"
نسبة أقل من المتوقع ولكنها مرضية
من جهته اعتبر المحلل المالي، بسام النيفر، أن "نسبة النمو المسجلة في تونس جاءت أقل من المتوقع، إذ كان من المفروض تحقق نسبة أفضل"، مرجعاً ذلك إلى التداعيات السلبية للأزمة الروسية-الأوكرانية على أسعار النفط وارتفاع أسعار المواد الأساسية وهو ما أثر في جل دول العالم.
وأعتبر أن "تحقيق تونس معدل نمو 2.4 في المئة أمر مرض له شخصياً بالنظر التي الأزمات التي أحاطت بالاقتصاد التونسي داخلياً وخارجياً"، موضحاً أن "النمو المسجل يرجع إلى تطور القطاع السياحي بنسبة 21.4 في المئة، إضافة إلى ارتفاع معدل نمو قطاع النسيج والملابس والجلود بنحو14 في المئة، إلى جانب نمو قطاع الصناعات الميكانيكية والكهربائية بـثمانية في المئة"، مشيراً إلى أن "القطاعات الثلاثة ركيزة أساسية للاقتصاد التونسي، إذ إنها تمثل مصدراً رئيساً للعملة الأجنبية، وذلك ما دعم نسبياً تحقيق معدل نمو إيجابي في الربع الأخير من 2022 مع حدوث التوازن في الاقتصاد، خصوصاً في ميزان الدفوعات ومقاومة صعوبة الاقتراض بالعملة الأجنبية من الخارج".
وأشار النيفر إلى أنه "بالمقابل بعض القطاعات الاستراتيجية والحيوية في الاقتصاد التونسي لم تحقق النتائج المرجوة لتكون بالفعل رافعة للاقتصاد التونسي على غرار قطاع استخراج النفط والغاز الذي تراجع نمو بنسبة 10.6 في المئة"، مرجعاً ذلك إلى عدم تجديد التراخيص أدى إلى ضعف إسناد عمليات البحث والتنقيب على النفط، علاوة على مغادرة شركات نفطية للأراضي التونسية"، قائلاً "تونس خسرت بالفعل نتيجة تراجع هذا القطاع الحيوي".
قطاع الاستثمار العمومي
ودعا المحلل المالي إلى ضرورة أن تعمل الحكومة في عام 2023 على قطاع الاستثمار العمومي، لا سيما في البنية التحتية، وعليها أن تبادر بإطلاق المشروعات، إلى جانب التشجيع على المشروعات التي تنفذ في إطار الشراكة بين القطاعين الحكومي والخاص، علاوة على سن إجراءات جديدة في قطاع المقاولات والتعمير حتى يتدارك التراجع، مؤكداً أن "هذا القطاع يمكن أن يكون مصدراً مهماً لتوفير فرص العمل وإدخال ديناميكية حقيقية على عديد الأنشطة المرتبطة به".
وخلص النيفر بدعوة الحكومة بضرورة الاشتغال أكثر على القطاعات التي فيها نسبة نمو ضعيفة، ولكن فيها حجم قيمة مضافة عالية وهي قطاعات الفلاحة التي حققت معدل نمو اثنين في المئة فحسب في 2022، إضافة إلى قطاع التجارة بعد أن حقق معدل نمو 1.9 في المئة نمو، كذلك قطاع الخدمات الإدارية الذي حقق معدل نمو 0.6 في المئة فحسب العام الماضي.